(23) اسـم الله البـارئ

هاني حلمي عبد الحميد

شبهه: كيف مع كون الله هو الخالق البارئ وله الكمال المطلق في ذلك ويكون في خلقه نقصان؟ كمن خلق أعمى لا يبصر أو أصم لا يسمع أو به شلل أو أي عيب خلقي؟

  • التصنيفات: الأسماء والصفات -

اسـم الله البـارئ
ورود الاسم  في القرآن وفي السنة:
ورد اسم الله تعالى البارئ في ثلاثة مواضع في القرآن الكريم  منها  في سورة الحشر ورد مُطلقًا، معرفًا، مُرادًا به العلانية، دالاً علي كمال الوصفية.

وهذه هي الشروط التي وضعها العلماء حتى يُدخل هذا الاسم في أسماء الله تعالى:

1- أن يكون مطلقًا ليس مقيدًا كقوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ} [الحشر من الآية:24] فذكر الاسم مطلقًا، إنما ورد مقيدًا في قول الله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} [البقرة من الآية:54].

2- وأن يكون مُعرَّفا (البارئ) هكذا جاء معرفًا ليس نكرة.

3- مُراداً به العلانية: أي أنه علم علي ذاته سبحانه.

4- دالاً علي كمال الوصفية: بمعني أنَّ تكون الصفة صفة كمال لا تعتريها أي شائبة. {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر من الآية:24].

معنى اسـم الله البـارئ:

المعنى لغة:
يقال برأَ إذا تخلص، كما في قوله تعالي {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة من الآية:1].
قالوا هذا إعذار وإنذار, بمعني أعذر وأنذر
وتقول مثلاً برأَ الرجل من هذا المرض..برأ أي أنه تعالج منه, برأ وصار صحيحًا بعد أن كان عليلاً فتخلص من هذا المرض
• ويقال برأ أي تنزه وتباعد، وفي حق الله سبحانه وتعالي معناه المنزه عن كل عيب، منزه عن كل نقص. وفي حق الإنسان هو أن تتباعد وتتنزه عن السفاسف، كما قال النبي  «إن الله يحب معالي الأمور ويكره  سفاسفها» السفاسف أي دنايا الأمر، فيتنزه عن الخطايا والمعاصي التي تودي به إلي الهلكات، وتباعده عن ربه.
برِأَ: تخلص وتنزه وتباعد وأعذر وأنذر.
أعذر الله سبحانه وتعالى عباده كما يقول النبي: «فما أحدٌ أحب إليه المدح من الله وما أحدٌ أكثرَ معاذير من الله» (صححه الألباني في صحيح الترمذي وغيره) يعني يخطئ العبد ولو شاء الله عز وجل أن يعجل عليه العقوبة لكن يعذره، ويأمرنا من باب آخر أن نتلمس الأعذار للناس، (أعذر ثم أنذر) فبدأ بصفة الجمال (الإعذار) ثم صفة الجلال (الإنذار).

• ويقال بَرأت العود أو يقال بَرِئْتَ العود وبروته إذا قطعته وأصلحته، ففيها معنى الإصلاح، كأن في ذلك إشارة إلى حال الاعوجاج الذي تكون عليه النفس البشرية، فإذا سعى الإنسان في إصلاحها فله في اسم الله تعالى  البارئ حظ ونصيب.
قالوا: البرية: معناها الخلق، وهنا {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة} [البينة:7].
أي خير البرية: من حقق معنى الإيمان والعمل الصالح.

وفي الناحية الأخرى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة:6].

هذا في المعنى اللغوي للاسم. 

معنى الاسم في حق الله سبحانه وتعالى
البارئ: الذي أوجد الخلق بقدرته.
قال الزجاج: يقال برأ الله الخلق: إذا فطرهم وخلقهم وأوجدهم..فكل مبروء مخلوق.
وقال الشوكاني: البارئ أي الخالق، وقيل: أي المبدع، المحدث الشيء على غير نظير.

الفرق بين اسم الله البارئ واسم الله الخالق:

عند الخطابي
قال الخطابي: "البارئ هو الخالق إلا أن لهذه اللفظة من الاختصاص بالحيوان ما ليس لها بغيره من الخلق وقلما يُستعمل في خلق السماوات والأرض والجبال".
المقصود أن اسم الله الخالق هذا اسم عام يشمل جميع الخلق، وكلمة الخلق هنا تشمل كل مخلوقات الله سبحانه وتعالى، واسم الله الخلّاق نفس الأمر، أما برأ فتختص بعالم الحيوان.

عند ابن كثير
قال: "الخلق هو التقدير، والبرء هو التنفيذ وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود"
أي أن الله سبحانه وتعالى في مراحل إيجاده للشيء:

المرحلة الأولى: يقدر الله الشيء في قدره سبحانه وتعالى وفي علمه السابق.
المرحلة الثانية: مرحلة تنفيذ هذا التقدير وإبرازه وتقريره إلى الوجود وهي مرحلة البرء، وليس كل من قدر شيئًا ورتَّبه يقْدِر على تنفيذه وإيجاده.

عند الحليمي
يقول اسم الله البارئ يحتمل معنيين أحدهما: الموجد لما كان في معلومه، وهو الذي يشير إليه الله جل وعلا في قوله: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا} [الحديد:22].
لم يقل من قبل أن نخلقها أو من قبل أن نصورها {مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا}.
ولا شك أن إثبات الإبداع للباري جل وعز لا يكون على أنه أبدع بغتة من غير سبق علم بل هو على سبق في علم الله. يعني عندما يحدث زلزال أو بركان أو أي حادثة كونية بغتة مفاجئة للبشر، هذا الشيء الذي برأه الله فأصبح موجودا منفذا أمامنا، كان قبل حدوثه معلوما عند الله. كان مفاجئا لنا فقط له سبق علم عند الله. وهذا يعطينا إشارة إلى ضرورة أن تكون حياة المؤمن مبنية على علم، فلا يمشي في الأرض سدىً ولا عبثًا، و لا يكون أهوجا طائشا يتصرف  من غير دراسة ولا تخطيط..بل يجب أن يكون له حظ من اسم ربه البارئ.

المعنى الثاني: يُشير أنَّ المُراد بالبارئ قالب الأعيان، أي أنه أبدع الماء والتراب والنار والهواء لا من شيء، ثم خلق منها الأجسام المختلفة كما قال جل وعلا: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}  [الأنبياء من الآية:30]، وقال: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ} [ص:71]، وقال: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ}[النحل:4]، وقال:{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الروم من الآية:20]، وقال: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ . وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن:14-15]، وقال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ . ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ . ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:12-14].

وبذلك نخلص في معنى البارئ إلى أربعة معاني:
1 –  البارئ هو: الموجد، المبدع، من برأ الله الخلق أي خلقه. وبهذا يكون مرادف ومشابه لاسم الله  (الخالق).
2 –  البارئ: الذي فصل بعض الخلق عن بعض، أي: ميَّز بعضهم عن بعض، وهذا مثل ما قلنا برأ الشيء بمعنى قطعه وفصله. ميَّز الخلق هذا أبيض وهذا أسود، هذا عربيّ وهذا أعجمي،
3 – البارئ يدل على أنه تعالى خلق الإنسان من التراب قال: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55] لأنه في لغة العرب يقولون: البرىّ هو التراب.
4 – البارئ هو: الذي خلق الخلق بريئا من التفاوت: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} [الملك:3]، أي خلقهم خلقًا مستويًا، ليس فيه اختلاف ولا تنافر، ولا نقص ولا عيب ولا خلل،  فهم أبرياء من ذلك كله.

وهنا قد تعرض شبهه: كيف مع كون الله هو الخالق البارئ وله الكمال المطلق في ذلك ويكون في خلقه نقصان؟ كمن خلق أعمى لا يبصر أو أصم لا يسمع أو به شلل أو أي عيب خلقي؟

نقول ابتداء أنه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]، يعني السؤال من البداية خطأ، لكن هذا جواب لأهل الإيمان الذين يعرفون أن الله سبحانه حكيم عليم، أنَّ الله سبحانه وتعالى يُحال في حقه الظلم «إني حرمت الظلم على نفسي» فهم يعرفون تماما كما في حديثِ النبي  أن «من فقد حبيبتيه فإن الله عز وجل يبدله بهما  الجنة يصبر على ذلك» (مسند أحمد بن حنبل)، ويكون هذا مفتاح دخوله الجنة، لا تحتاج أكثر من أنك فقط تصبر على هذه البلية -المؤمن يفهم ذلك-.
أما الملحدون والمتكلمة أهل الشبهات فنقول لهم: أن الأرزاق قُسِّمَت ما بين الناس جميعًا بالسوية، لكن الرزق تفاوت في كيفيته بالنسبة لكل شخص، فشخص كان الرزق بالنسبة له مال، وآخر كان الرزق له صحة، وثالث كان الرزق له تيسير أمور من نحو تيسير زواج وأولاد ونحو ذلك، وشخص آخر رزق ملكات وذكاء فيستغل ملكاته وذكاؤه ويصبح به مرموقا فكل يأخذ رزقه من ناحية.

فقانون العدل الإلهي يقتضى ذلك، وهذا دليله الحس قبل أن يكون دليله الإيمان، فالواقع يشهد أن الذي يفقد شيء يُعوَّضه الله بأشياء، فمثلاً الإنسان الضرير من أكثر الناس في ملكة الحفظ وييسر له ما لا ييسر للإنسان العادي الصحيح، ونفس الحال بالنسبة للغنى والفقير، فالفقير له راحة البال، والله يدخل الفقراء قبل الأغنياء الجنة، وكم من غني أغبط فقيرا على رضاه وراحة باله وصلاح حياته، فكل إنسان أخذ جزء من الكعكة ولم يأخذها كلها، ولكن كل منا ينظر إلى القطعة التي لم يأخذها.

حظ المؤمن من اسم الله البارئ:

أولاً: المؤمن كما قلنا لا بد أن تكون له دراسة جدوى في حياته بشكل عام، يخطط لحياته ولا يعيشها عبثا. فأول ما يستيقظ من نومه يأخذ بكلام العلماء في القيام بـ: (المشارطة، والمحاسبة، والمعاتبة، والمعاقبة) التي هي مراتب المحاسبة.

المشارطة: يخطط ليومه من بدايته، يسجل ما يريد إنجازه في يومه ويحاسب نفسه بعد ذلك.
المحاسبة: بعد انتهاء اليوم وقبل أن ينام، يبدأ ينظر في تنفيذ ما اشترطه على نفسه ويحاسبها فإن وجدها قصرت تأتي مرحلة
المعاتبة: يعاتب نفسه على تقصيرها ويذكرها بالموت والآخرة وأن العمر رأس ماله.
المعاقبة: ثم يعاقب نفسه بأن يحرمها من نزهة مع الأصدقاء، أو يحرما من شراء شيء تحبه..يعاقبها فيما تحب.
وهكذا في كل يوم فيصل مع الوقت إلى إحكام نفسه وتأييدها.

ثانيـا: قلنا برأ الشيء بمعنى تخلص ومنها يسعى المؤمن في تنزيه نفسه من العيوب والنقائص والآفات، وهي التزكية وسوف نفصل فيها لاحقا إن شاء الله.

ثالـثا الإعذار: فقلنا أن المؤمن لكي يُعذر عند الله عز و جل عليه تلَمُّس الأعذار لغيره.

رابعـا: قلنا البري بمعنى التراب، فتشير لمعنى الذل والانكسار فأي مخلوق من تراب هذا الذي يتكبر وعلامَ؟

خامسـا تحقيق مبدأ الولاء والبراء: يبرأ فيها معنى البراءة أنه يبرأ من أشياء ويُوالي أشياء، والولاء والبراء يتحقق في عدة معاني منها:
أولا أن يبرأ إلى الله عز وجل من كل دين يخالف دين الإسلام.
ويبرأ في خاصة نفسه من كل شهوة تخالف أمر ربه.
ويبرأ من كل شبهة تخالف النص الذى ورد عن الله سبحانه وتعالى وعن رسوله.
يبرأ من كل ولاء لغيرِ دين الله وشرعه ومن كل بدعة تخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم
يبرأ من كل معصية تؤثر على محبته لربه وقربه منه.

سادسـا:
إذا كان الله عز وجل برأ الخلق وأوجدهم على هذه الصورة المبدعة المذهلة التي ليس لها مثال سابق فحقها الإتقان فيما تستطيع إتقانه. أخبرنا النبي   كما روى ذلك الطبراني الأوسط وصححه الألباني في الصحيح: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه» (صححه الألباني)، فالدقة في الصنعة هذا من شيم المؤمنين وبها يتلبس العبد باسم الله البارئ.

المصدر: الكلم الطيب