إتحاف أولي النهى بأسرار سورة الضحى

بعض ما تتضمنه سورة الضحى من الأسرار والفوائد في هذه الكلمات المتواضعة.

  • التصنيفات: التفسير -

إن سورة الضحى من السور القرآنية التي تكثر قراءتها في الصلوات، وقد حَفِظَها كثير من المسلمين في أقطار الأرض صغارًا وكبارًا، رجالًا ونساءً، وهي من قصار المفصل المعروفة لدى المسلمين، ومع ذلك قد وقع قصور في فهم معانيها عند بعضهم، وتفريط في تدبُّر ما فيها من الدلالات العظيمة والإرشادات القويمة عند قراءتها أو عند الاستماع إلى قراءة الإمام لها، فحاول الكاتب أن يذكر بعض ما تتضمنه سورة الضحى من الأسرار والفوائد في هذه الكلمات المتواضعة.

 

نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل هذا نافعًا لكاتبه وقارئه وناشره، إنه على كل شيء قدير.

 

الأول: نوع السورة باعتبار وقت نزولها:

سورة الضحى من السور المكية، والسورة القرآنية تنقسم إلى قسمين باعتبار نزولها:

الأولى: السور المكية، وهي ما نزل قبل الهجرة النبوية.

والثانية: السور المدنية، وهي السور التي نزلت بعد الهجرة النبوية.

 

الثانية: نوع السورة باعتبار وجود سبب نزولها:

سورة الضحى من السور السببية، وما نزل من القرآن ينقسم إلى قسمين باعتبار وجود سبب نزوله:

الأول: ابتدائي، وهو ما نزل بدون سبب، وهو الأكثر.

الثاني: سببي، وهو ما نزل بسبب من الأسباب، ومن الأسباب ثلاثة:

1- سؤال يجيب الله عنه.

2- حادثة وقعت تحتاج إلى بيان وتحذير.

3- فعل واقع يحتاج إلى معرفة حكمه كما بين ذلك فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين في كتابه القيم ((أصول في التفسير)).

 

أما سورة الضحى فهي داخلة في النوع الثاني من السبب، وهو حادثة وقعت تحتاج إلى بيان وتحذير، وهو ما ذكره الإمام البخاري في صحيحه بإسناده عن جُنْدَب رضي الله عنه، يَقُولُ: اشْتَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً - أَوْ لَيْلَتَيْنِ - فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ، مَا أُرَى شَيْطَانَكَ إِلَّا قَدْ تَرَكَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 1 - 3].

 

الثالثة: عدد آياتها:

سورة الضحى عدد آياتها إحدى عشرة آية، فمن قرأها في صلاة الليل فقد برئ من أن يكون من الغافلين، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه ابن خزيمة، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (رقم 1587): (صحيح لغيره)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين».

 

الرابعة: مضامين السورة:

هذه السورة تتضمن ثلاثة أمور:

الأول: القسم.

الثاني: اعتناء الله عز وجل برسوله صلى الله عليه وسلم.

الثالث: الأوامر والنواهي.

 

المضمون الأول: القسم.

أقسم الله في هذه السورة بأمرين:

1- الضحى، والضحى له استعمالان في القرآن الكريم:

الاستعمال الأول: بالمعنى العام، وهي والنهار كله، كما قال تعالى: {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} [النازعات: 29].

 

الاستعمال الثاني: بالمعنى الخاص، وهي أول النهار، كما قال تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: 46].

 

والمراد بالضحى في هذه السورة هي النهار كله؛ حيث ذكر الله تعالى الضحى هنا في مقابل الليل، {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى: 1، 2]، وقد جاء بيان ذلك في شرح معاني الفاتحة وقصار المُفصَّل، للشيخ صالح بن عبد الله العصيمي.

 

2- الليل:

أقسم الله في هذه السورة بالليل إذا سجى. كلمة تسجية، وهي إحدى مراتب الظلام في الليل. والظلام في الليل على نوعين:

الأول: التغشية، وهو غطاء خفيف لليل، كما قال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1].

 

الثاني: التسجية، وهو الظلام إذا تمادى واستحكم، كما قال تعالى هنا: {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى: 2].

 

المضمون الثاني: اعتناء الله عز وجل برسوله صلى الله عليه وسلم.

بين الله تعالى في هذه السورة من الآية الثالثة حتى الثامنة صور اعتنائه برسول محمد صلى الله عليه وسلم وهي:

1- أن الله ما ترك رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم كما في قوله: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضحى: 3].

 

2- أن الله ما أبغض نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {وَمَا قَلَى} [الضحى: 3].

 

3- أن المنن الأخروية أفضل للنبي صلى الله عليه وسلم مما أنعم عليه في الدنيا، كما قال تعالى: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} [الضحى: 4].

 

4- أن الله سوف يعطيه كثيرًا من النِّعَم والهبات والعطايا حتى يشعر النبي صلى الله عليه وسم بالرضا، كما قال تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5].

 

5- أن الله قد آواه بعد أن كان يتيمًا بعدة أنواع من الإيواء:

1- أمه آمنة حتى بلغ من العمر 6 سنين.

2- جده عبد المطلب حتى بلغ من العمر 8 سنين.

3- عمه أبو طالب بن عبد المطلب.

 

4- الصحابة قد دافعوا عنه وبذلوا أنفسهم وأموالهم في الذود عنه صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى: 6].

 

6- أن الله رزقه الهداية، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف الكتاب ولا الإيمان فأوتيهما، كما قال تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} [الشورى: 52]، وذلك في قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى: 7].

 

7- أن الله جعل له الغنى بعد أن كان فقيرًا، كما قال تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: 8].

 

المضمون الثالث: الأوامر النواهي:

في هذه السورة الأوامر والنواهي التي توجه في بداية الأمر للرسول صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص، ثم توجه إلى الأمة الإسلامية على وجه العموم، وهي:

1- النهي عن قهر اليتيم، كما قال تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [الضحى: 9].

 

وقد قال قتادة رحمه الله تعالى: (كن لليتيم كالأب الرحيم)؛ (تفسير ابن كثير، 4/ 3055).

 

2- النهي عن نهر السائل، كما قال تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى: 10].

 

بين الشيخ محمد بن صالح العثيمين في تفسير جزء عَمَّ والشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي- رحمهما الله- في تفسيره أن السائل هنا يشمل نوعين:

الأول: سائل المال.

الثاني: سائل العلم.

 

3- الأمر بالتحدث بالنعمة التي أنعم الله عليه كما قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11].

 

ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره عن أبي نضرة قال: كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدث بها.

 

والنعم في هذه الآية عامة تشمل نوعين من النعم، كما بيَّنه الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي في "تيسير الكريم الرحمن"، وهما:

الأول: النعم الدينية.

الثاني: النعم الدنيوية.

 

إن التحدث بالنعم ليس مطلقًا، بل له ضوابط، ومن تلك الضوابط التي ينبغي الالتزام بها عند التحدث بالنعم ما يلي:

1- أن يكون حسن النية، وهي امتثال أمر الله تعالى، وإظهار النعم وشكر المنعم، ولا يكون من باب التفاخر والازدراء بالآخرين. كما أشار إلى ذلك فضيلة الشيخ ابن عثيمين في تفسيره لجزء عَمَّ.

 

2- أن تكون مصلحة التحدث بالنعم أرجح من عدم التحدث بها، كما بيَّنه الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي في "تيسير الكريم الرحمن".

 

هذه هي بعض المعاني التي تتضمنها سورة الضحى.

 

نسأل الله تعالى أن يوفقنا لتدبُّر كتابه، والعمل بما فيه، والاستقامة عليه، حتى أتانا اليقين، وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

__________________________________________________________
الكاتب: مختار عارفين