السفر بغير محرم لصلة الرحم

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، أنا من مواليد لبنان و لكنني مقيمة في ألمانيا. هل يجوز لي السفر دون محرم و لكن برفقة والدتي إلى لبنان لرؤية أختي وأقاربي و رفاقي؟ علماً أن المحرم الوحيد الذي يمكن أن يرافقني هو أخي و لكنه يرفض السفر إلى لبنان.

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:

قد أجمع أهل العلم على أنه يَحْرُمُ على المرأة أن تسافر بغير محرم أو زوج؛ واحتجوا بما في الصحيحين وغيرهما، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ولا تسافر المرأةُ إلا مع ذي مَحْرَمٍ))، وفيهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي مَحْرَمٍ)).

جاء في "شرح صحيح مسلم" للنووي - رحمه الله -:  "إن كل ما يُسمى سفرًا، تُنهَى عنه المرأة بغير زوج أو محرم، سواءٌ كان ثلاثةَ أيام أو يومين، أو يومًا، أو بريدًا، أو غير ذلك؛ لرواية ابن عباس المطلقة، وهي آخر روايات مسلم السابقة: ((لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم))، وهذا يتناول جميع ما يُسمى سفرًا". اهـ.

وقد حُكِي الإجماعُ على تحريم سفر المرأة بلا محرم، إلا السفر للحج والعمرة، والخروج من دار الشرك، أو الفرار من الأسر؛ قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "واستدلُّوا به على عدم جواز السفر للمرأة بلا محرم، وهذا إجماعٌ في غير الحج والعمرة، والخروج من دار الشرك".

ونقل النووي عن القاضي عياض قوله: "واتفق العلماء على أنه ليس لها أن تخرج في غير الحج والعمرة إلَّا مع ذي محرم، إلا الهجرةَ من دارِ الحرب".

ومن المقرر أن المحرمات في الشريعة الإسلامية نوعان: الأول: تحريم المقاصد، وهو ما حرم لمفسدة خالصة فيه، كالزنا والربا والقتل وغيره، وهذا لا يباح الإ للضرورة.

والثاني: ما حُرم تحريم الوسائل وسد الذرائع، وهذايباح عند المصلحة الراجحة أو الحاجة الشديدة.

وقال الإمام ابن القيم في "إعلام الموقعين"(2/ 107-109): " فإن ما حرم سدًا للذريعة أخف مما حرم تحريم المقاصد.. وما حرم سدًا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، كما أبيحت العرايا من ربا الفضل، وكما أبيحت ذوات  الأسباب من الصلاة بعد الفجر والعصر، وكما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب والمعامل من جملة النظر المحرم، وكذلك تحريم الذهب والحرير على الرجال حرم لسد ذريعة التشبيه بالنساء الملعون فاعله، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة". اهـ.

ومن المعلوم أن سفر المرأة بغير محرم لا يجوز سدًا للذريعة، ولذلك يباح عند الملصلحة، خصوصًا وأن السفر بالطائرة اليوم تقل فيه احتمال الفساد، خاصة إذا كانت الرفقة مأمونة، والمخاطر التي قد تحصل في المطارات والطائرات في حكم النادر والنادر لا حكم له.

وهذا القول هو ما اختاره محرري مذهب الحنابلة؛ جاء في "الفروع وتصحيح الفروع" (5/ 245) ابن مفلح: "وعند شيخنا - يقصد شيخ الإسلام ابن تيمية - تحج كل امرأة آمنة مع عدم المحرم, وقال: إن هذا متوجه في كل سفر طاعة، كذا قال، ونقله الكرابيسي عن الشافعي في حجة التطوع، وقاله بعض أصحابه، فيه وفي كل سفر غير واجب، كزيارة وتجارة، وقاله الباجي المالكي في كبيرة غير مشتهاة، وذكر أبو الخطاب رواية المروذي ثم قال: وظاهره جواز خروجها بغير محرم، ذكره شيخنا في مسألة العجوز تحضر الجماعة". اهـ.

وقول شيخ الإسلام ابن تيمية وهذا متوجه في كل سفر طاعة، يعم سفر المرأة بغير محرم لصلة الرحم،، والله أعلم.