وا أقصانا .. صرخة هوية

منذ 2005-04-10
"لا يمكن لإسرائيل أن تكون دولةً ذات سيادةٍ كاملة إلا إذا كان الهيكل في وسطها، و إنّ كلّ المشاكل التي تحدث الآن؛ إنما سببها عدم وجود الهيكل، وإنّه هو الحلّ لكلّ مشاكلنا".

عبارةٌ مشبّعة بالرائحة التوراتية أطلقتها شفتا ( يسرائيل أرئيل ) رئيس "معهد بحوث الهيكل" في "مهرجان الهيكل" الدوريّ الذي انعقد في دورته الأخيرة بالقدس في يناير من العام الجاري، وهي أحرفٌ مكتنزةٌ بمعانٍ دينية و سياسية؛ تعبّر عن مركزية فكرة الهيكل في الأدبيات الدينية و السياسية الصهيونية، بالرغم من أنّها كلمات تسبح في الفضاء الديني و الأكاديمي، بسبب خلفية الرجل الناطق بها.

وتأتي أهمية الهيكل في أنها العتبة الثانية من عتبات الخلاص اليهوديّ الثلاث-وهي حسب الترتيب الزمنيّ-، قيام دولة "إسرائيل" و بناء الهيكل و ظهور المسيح المخلّص.

ورغم أنّ العتبات الثلاث مفرداتٌ دينية، إلا أنّها تتداخل بما يشكّل ما في تلافيف العقل اليهودي بطبقاته الثقافية المختلفة -دينية و علمانية-. وبطبيعة الحال، بكثافة تتفاوت نسبتها بحسب الشخص والشريحة الثقافية.

وعلى العموم، فالقدس والهيكل يشكّلان إلى حدٍّ كبيرٍ محورَ توحّدٍ ثقافيّ في الأدبيات العبرية، ويعود ذلك لتمازج المقدّس مع القوميّ في العقل اليهودي.

بمعنى أنّ المفردات التي تحمل قداسة دينية لدى المتديّنين تعتبر موروثاً قومياً لدى الطبقة العلمانية، ومن هنا تخلّقت قاعدة التشارك النسبيّ بين حالتي العلمنة والتديّن في الإطار الصهيوني -الذي يتجسّد في كينونة " إسرائيل"-.

مع الأخذ بعين الإعتبار أنّ هذه الحالة لا تمثّل تطابقاً هندسياً؛ إذْ هنالك محاور تناقضٍ متعدّدة، و لكنّ آليات الإدارة السياسية والثقافية المتّبعة لديهم تخفّف من الاحتكاك وتمنع التصادم.

مقصد الحديث أنّ حالتي العلمنة و التديّن في المشهد الصهيونيّ توافقتا على مفردةٍ أساسيّة واحدة ذات مضامين دينية و قومية؛ بتفسيرٍ مزدوجٍ دينيّ-قوميّ. ولو أُجرِيَ "مسحٌ اعتباريّ" للملفات المتعلّقة "بالحوض المقدّس" أو "الهيكل" لوُجِدت بنفس الكثافة تقريباً في أرشيف وزارة الخارجية الصهيونية ومراكز الأبحاث السياسية، كما هيَ في المدارس والمعاهد الدينية اليهودية والمراكز البحثية الأكاديمية. بمعنى أنّ "مُجَسِّد" الهوية الحسيّ الذي يعبّر عنه الهيكل حاضر بقوّة في كافة المشاهد الدينية والثقافية والسياسية؛ لأنّه العنوان الأبرز للهوية.

وفي المقابل، على ضفتنا، ماذا يجري؟

فماذا يعني الأقصى للطبقة السياسية التي تقف على هرم السلطة و حوله في المشهد الإسلامي العريض؟

وأين الأقصى كمفردةٍ دينيّة في أجندات السياسة العربية؟

ولماذا القمم العربية لا يتّسع جدولها لمآذنه، وآخرها قمة الصنوبر الأخيرة؟

أيّها السادة في الشارعين العربي والإسلامي..

أيها السادة في دوائر النخب الدينية والثقافية..

ليس للأقصى بقية غيركم!! فاسمحوا لي أنْ أخاطبكم!!

وأنتم تعرفون، و لكنني أذكّركم فقط!!

الأقصى ليس مسجِداً عادياً تحتضن ساحاته سجدات المصلّين كسائر مساجد المعمورة، ولا تكبُر مآذنه في ملكوت الله الكبير كبقية المآذن بنفس لون الشعائر وطعمها.

الأقصى أيّها الموحّدون، قبلتكم الأولى، ومسرى نبيّكم الكريم صلى الله عليه و سلم، و هو بوابة السماء، ومدرّج المعراج لعلياء السماء، ومن هناك عبر خاتم الأنبياء في طريقه إلى سدرة المنتهى وتقدّم حيث توقّف أمين الملائكة جبريل..

الأقصى اليوم -يا سادتي- العنوان الأبرز لهويّتكم، وهو في ذات الوقت تجسيدٌ لصرخة هذه الهوية الجريحة، وما ينتظرها من تهديد.

أيها السادة.. من طنجة حتى جاكرتا

أقصاكم في خطر، وأسواره اليوم تقف على أكتاف جبال الزيتون هناك متوجّسةٌ من مكائد بني قريضة، تنتظر جمر النخوة في رماد صمتكم، فلا تتركوه يئِنّ في الأسر ومآذنه تخشى رعشة الدمار.

اخرجوا إلى الشوارع، ارفعوا أصواتكم، افعلوا شيئاً غير الصمت..

يا أهل المنابر وأصحاب الأقلام وفرسان الفضائيات..

الأقصى هو الكتلة المقدّسة التي تجسّد هويّتكم على الأرض، وإنْ أُخرِج من أجندة السياسة لتخاذل أهلها؛ فلا تخرجوه من قلوبكم، ولا من صفحات أوراقكم، بل وأدخِلوه اليوم في دائرة الفعل؛ لأنّه اليوم يحتاجكم.

أيها الموحّدون..

الأقصى بحاجة إليكم، لا تتركوه وحيداً!!

وا أقصانا..

ثمانية حروف..

أُطلِقها في فضاء العروبة والإسلام..

فلعلّ حروف الاستغاثة هذه تجد بعض معتصمٍ عباسيٍّ أو شبه صلاحٍ أيوبيٍّ، كي نخترق جدار هذا الانكسار.
  • 0
  • 0
  • 13,037
  • ابو وسام

      منذ
    [[أعجبني:]] لقد اعجبني هذا التقرير لانه يبرز للعالم ان الصهيونية خطر كبير علينا وان علينا وحاربته بجميع اشكالها ومنها انهم يقولون ان الهيكل المزعوم موجود تحت المسجد الاقصى المبارك لكن تم اظهار كذبهم عندما كانوا يحفرون تحته وجدوا المسجد الاقصى القديم واوجه كلمة ان علينا محاربتهم بكل ما نملك من سلاح والله معنا والنصر قريب والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً