حماس جعلتني أحب الحياة!

منذ 2010-02-03

يحب الإنسان الحياة عندما يكون لديه الأمل، ويزداد حبه للحياة كلما كان هذا الأمل عظيماً وكلما امتلك الأمل حياته، وكافح من أجل تحقيقه..


يحب الإنسان الحياة عندما يكون لديه الأمل، ويزداد حبه للحياة كلما كان هذا الأمل عظيماً وكلما امتلك الأمل حياته، وكافح من أجل تحقيقه.

وحماس أعطتني الأمل، وربما يشاركني في ذلك الملايين على امتداد العالم كله. لذلك فأنا أدعو للاحتفال بانطلاقة حماس بطريقة مميزة: هي إعادة الأمل إلى نفوس الناس، ومقاومة الهزيمة النفسية التي شلت قدرة الأمة على الكفاح.

أنا أدعو لتدريس تجربة حماس في المدارس والجامعات فذلك يشكل عملية مقاومة للهزيمة النفسية التي حاولت القوى الاستعمارية أن تفرضها علينا. وهذه الهزيمة هي التي جعلت الكثير من الناس يؤيدون التوصل إلى تسوية سلمية مع "إسرائيل" باعتبار أن ذلك هو الحل الوحيد فنحن لا نستطيع أن نحارب "إسرائيل" التي تمدها أمريكا بأحدث الأسلحة، وتمتلك 200 قنبلة نووية موجهة للعواصم العربية، وتستطيع بها أن تبيد الملايين من العرب.

عقلانية العجز

طوال عقد من الزمن عاشت الأمة حالة عجز، تم تصويرها بأنها عقلانية وواقعية، فخلال الفترة من 1977 حتى 1987 تم تصوير الذين يعارضون عملية السلام مع "إسرائيل" بأنهم لا يعرفون شيئاً عن موازين القوى، وأنهم غير عقلانيين وغير واقعيين.

وكنت أعمل صحفياً بجريدة الشعب منذ عام 1979، وآنذاك كنت مازلت طالباً بكلية الإعلام، وبعد أن تخرجت عام 1981 كان السادات قد أغلق جريدة الشعب.

أراد الله سبحانه وتعالى أن أسير في طريق آخر حيث تم تعييني معيداً بكلية الإعلام، كنت أصر على أن أهاجم عملية السلام مع "إسرائيل" فهي عملية عقيمة وفاشلة لا يمكن أن تصل إلى تحرير القدس، ف"إسرائيل" ترفض التفاوض حول القدس وتعتبرها عاصمتها الأبدية، وكل مسلم على وجه الأرض يعتقد أن القدس هي محور الصراع، ويرفض التخلي عنها بأي ثمن ومهما كانت النتائج.

لكنني كنت أبدو آنذاك كطائر يغرد وحده أو ككائن هبط على الأرض من كوكب آخر.

فجأة جاء المشهد الذي أعاد لنفسي قدراً من البهجة، والثقة وحب الحياة.

لقد بدأت الانتفاضة الأولى واستخدم الأطفال حجارة أرضهم في مقاومة الاحتلال.

أدركت يومئذ أن هناك مثلي من يرفضون الواقعية والعقلانية، ومازالوا يحلمون بتحرير فلسطين وتحرير الأمة الإسلامية كلها من الطغيان والاستبداد والاحتلال والتبعية والفقر والتخلف.

شعرت أن قلمي قد دبت فيه الحياة، وأن أطفال فلسطين قد أضاءوا في نفسي نور الأمل، فكتبت سلسلة مقالات نشرتها في جريدة الإتحاد ثم جمعتها بعد ذلك في كتاب بعنوان: الانتفاضة الفلسطينية ثورة الذات الحضارية.

كان محور هذا الكتاب أن أطفال فلسطين يبنون نموذجاً للكفاح المدني طويل المدى.

وأن الكفاح من أجل الحرية وتحرير فلسطين سوف يستمر فإن امتلكت "إسرائيل" الأسلحة النووية فنحن نمتلك الإرادة والإصرار وحب الشهادة وحجارة الأرض الطبية المباركة.

إن الواقعية استسلام وضعف وعجز، وهي الطريق للفقر والتخلف، لذلك لابد أن يشحذ كل إنسان همته، ويطلق لخياله العنان ليبتكر أسلحة جديدة ووسائل غير تقليدية لبناء حركة مقاومة عامة للاستعمار وقوى الاستبداد المرتبطة به.

أصالة المقاومة

لقد شهد العصر بالفعل تطوراً كبيراً في تصنيع السلاح، و"إسرائيل" تمتلك كل الأسلحة المتطورة التي أنتجتها مصانع السلاح الأمريكية، وهي بالفعل تمتلك قنابل نووية تكفي لتدمير الكرة الأرضية كلها. لكن ذلك لا يعني أبداً أن نتخلى عن قدسنا وأرضنا وحقنا وحريتنا وحلمنا.

ماذا لو أننا فكرنا بطريقة أطفال فلسطين عام 1987 وقررنا أن نبدع في المقاومة باستخدام كل ما تتيحه لنا أرضنا من إمكانيات.

ومن هنا تبدأ النهضة.. أطلقوا لخيالكم العنان.. إن الأرض التي يسيطر عليها المسلمون تبلغ مساحتها 35 مليون كم مربع.

والمسلمون يتجاوز عددهم الآن مليار ونصف المليار فماذا لو أننا أعدنا الأمل إلى نفوس الناس وأطلقنا لخيالهم العنان ليبدعوا في استخدام الإمكانيات التي توفرها لهم أرضهم؟!.

ماذا لو قاوم كل مسلم عجزه وإحباطه وشعوره المرير بالهزيمة، وابتكر أفكاراً جديدة لاستغلال إمكانيات الأرض في كل المجالات؟!.

إن أهل كل أرض يعرفون أسرارها، أما المحتل فإنه مهما بلغت أسلحته من قوة يظل جاهلاً، وعاجزاً عن اكتشاف العلاقة بين الأرض والخبرات التاريخية للبشر.

ومن هنا تظل أصالة الإنسان وانتمائه للأرض وما عليها من حضارة أهم الأسلحة التي يمكن أن نستخدمها في تحقيق التنمية وتحرير فلسطين.

والأصالة تتجلى في فهم العلاقة بين الأرض والتاريخ، لذلك فإن نسيان تاريخ الأرض أو تجاهله يعني عدم الوطنية.

 

جاءت رحلتي للدراسة في بريطانيا لترسخ هذه الفكرة في عقلي وقلبي. فبالرغم من الرفاهية ورغد العيش في بلاد الغرب لم أشعر بأي قدر من السعادة... كنت أشعر بالغربة.. كنت أحن لأن أتنفس التاريخ في وطني، وأتذكر سيرة الفرسان من أجدادي وهم يحملون نور الحضارة والحرية والإسلام للبشرية، وهم يحررون فلسطين والشام ومصر وليبيا والجزائر والمغرب من طاغوت الإمبراطورية الرومانية التي أذلت العباد وسامتهم سوء العذاب.

وهذه الأرض لا ينتمي لها إلا من يفهم تاريخ أولئك الفرسان الذين حرروها، ولا يستحق العيش عليها إلا من يعيد سيرتهم ليشكل بها الأساس العلمي لنهضة الوطن وتحرير الأرض وبناء الحضارة وصنع التقدم.

مضت سنوات العمر وجاءت انتفاضة الأقصى فعاد الأمل قوياً كلما تابعت أنباء الشهداء وهم يفدون القدس بأرواحهم.

يا سادة إن تحرير فلسطين هدف يستحق ملايين الشهداء أدعو الله أن أكون أنا وكل من أحبهم من هؤلاء الشهداء.

وهنا يتجلى ضوء جديد في كفاح الأمة، فالقضية ليست فقط في إمكانيات الأرض والأصالة والتاريخ.. ولكن في ارتباط كل ذلك بإرادة الإنسان وإيمانه وقوة نفسه وصلابة عقيدته وقدرته على استخدام إمكانيات الأرض والتاريخ لتغيير الواقع.

أخذت أتأمل في سيرة شهداء فلسطين فكتبت سلسلة مقالات حولتها بعد ذلك إلى كتاب: انتفاضة الأقصى: نموذج حضاري إسلامي للمقاومة.

حب الحياة

انتفاضة الأقصى جعلتني أعشق الشهادة.. وكنت أتابع وسائل الإعلام الغربية التي نشرت فكرة تقول: إن هؤلاء لا يحبون الحياة.. وأن النساء في فلسطين يكرهن أبناءهن لذلك يفرحن عندما يستشهدون.

لكن وسائل الإعلام الغربية لا تفهم أسرار ارتباط الأرض والتاريخ والإيمان والإرادة بحب الحياة... ذلك أن هؤلاء الشهداء يحبون الحياة ولذلك يضحون بها من أجل تحرير فلسطين، فهي أغلى من الحياة، والأمهات الفلسطينيات أحببن أبناءهن إلى الدرجة التي جعلتهن يفرحن بفوزهم بالشهادة، ويفخرن بأن لهن أبناء يقاتلون بشجاعة وقوة وإصرار، وكل قطرة دم تسقط من شهيد تضيء للأمة طريق الحرية والتحرير والنهضة.

وجاء انتصار غزة على العدوان الإسرائيلي الذي استخدم كل أسلحة الدمار والإبادة، ليجعلني أحب الحياة. رغم أنني بلغت الخمسين من عمري فقد تزايد الأمل في نفسي أن أشهد تحرير فلسطين من البحر إلى النهر.. وأن أصلي في المسجد الأقصى بعد تحريره.

لكن حب الحياة يرتبط بحب الشهادة... صدقوني أن النصر قادم والفجر يبدو نوره من قريب، وسوف تتحرر فلسطين، ويومها يكون فاز من أكرمه الله بالشهادة، وفاز من أكرمه الله بالحياة. فليكن ما تبقى من العمر من أجل تحقيق الأمل: نهضة الأمة وتحرير القدس.

 

 

المصدر: د. سليمان صالح - صحيفة الشرق القطرية
  • 0
  • 0
  • 3,513

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً