البطريركُ القادمُ للمشاكلِ الداخليةِ

منذ 2010-05-07

تشهد الكنيسة القبطية المصرية في الأشهر القليلة الماضية حالة من التململ أو الرغبة في التَّفلُّت من سلطان الكنيسة المصرية الحالية ...


تشهد الكنيسة القبطية المصرية في الأشهر القليلة الماضية حالة من التململ أو الرغبة في التَّفلُّت من سلطان الكنيسة المصرية الحالية ، يأتي التململ والرفض من كل الاتجاهات الداخلية والخارجية ، المتدينة والعلمانية ، وبعض الاعتراضات تتخذ لهجة حادة قوية تُكَفِّر رأس الكنيسة المصرية وتتهمه بالهرطقة والمروق عن أصول الإيمان الأرثوذكسي ، وبعضها مكتوم يبث أمانيه في هيئة رؤى منامية .


أقوى الأصوات وأصرحها ، وأحسبها أخطرها ، هي المجاهرة بتكفير رأس الكنيسة الحالي . والتكفير ليس بجديد ، وليس بسر ، فقد نشرت مجلة روزا ليوسف في فبراير 2007 دراسة لأستاذ اللاهوت الدكتور جورج حبيب بباوي يكفر فيها شنودة ومن تبعه ، وقبل ذلك ثار التكفير بين شنودة الثالث وأستاذ شنودة الثالث الأب ( متى المسكين ) في مطلع الثمانينيات ، ولم يهدأ حتى توفي ( متى المسكين ) في عام 2006م . فقد اتهم ( متى المسكين ) بالهرطقة ، وطبعي أن يكون من خالفه في نظره مهرطق هو الآخر ، الجديد في الموضوع هو عودة الدكتور جورج بباوي ضمن كوكبة من الداعمين والمستمعين من جديد يجاهر بالتكفير وأن الكنيسة الحالية على غير أصول آباء الأرثوذكسية ، والرجل دارس ، بل أستاذ ، ويخالف في النهج السياسي وهو الذي كان مقدماً وكان حاضراً .

جورج بباوي يتكلم من خلفية دينية أكاديمية ذات تخصصية عالية ، وبباوي في أمريكا ، وهذا يعني أنها لم تعد تصلح للاتكاء عليها فها هو الصوت ينطلق من داخلها .

خطاب الدكتور بباوي علمي مبني على حقائق لاهوتية وواقعية ، ويكتسب ثقلاً من شخصية بباوي فقد عمل في التدريس اللاهوتي في مصر ( كان يدرس في إكليريكية تابعة للكنيسة المصرية نفسها ) ، وفي أوروبا وترأس كليات في أمريكا ، وكان مقرباً من القيادة الكنسية لفترة طويلة على حد قول هو في محاضرته الأخيرة ( رسالة للبطريك القادم ) المنشورة في موقعه ( موقع الدراسات اللاهوتية القبطية والأرثوذكسية )

وظهر التململ ـ أو قل : الرغبة في التفلت ـ من الوضع الحالي في الكنيسة في المنامات التي خرجت من كاتدرائية العباسية ( الأنبا يؤانس ) وكنيسة المقطم ( كنيسة سمعان الخراز ) تحكي بأن العذراء جاءت نفراً من القساوسة تحدثهم بأن الكنيسة بحاجة إلى بطريركٍ جديد للصلاة ، في إشارة واضحة للرغبة في تغيير الموجود ، أو الخوف من المنتظر بعد الموجود ، ( بيشوي تحديداً ) ، أو على الأقل الرغبة في تغييره ، وأحسب أن ْ بعد المحكمات التي تجريها الكنيسة الآن للقساوسة على رؤيتهم المنامية ستتكرر الرؤيا ، ولن تبقى مكتومة طويلاً .



وظهر ذلك في تفلت الجماهير إلى الطوائف الأخرى المجاورة للأرثوذكس ، وخاصة الطائفة الإنجيلية ، وخطر التحول الداخلي أشد من خطر التحول للإسلام ، فقد ذعرت الكنيسة من قبل في مطلع القرن العشرين حين جاءت الإرساليات الكاثوليكية والبروتستانتية إلى مصر مع الاستعمار ، وتكون ما يعرف بـ ( جماعة الأمة القبطية ) للحفاظ على شعب الكنيسة من خطر التحول للطوائف الأخرى .

إنه خطر حقيقي ، يتصاعد ، ولا يمكن لأحد أن يقلل من شأنه ، وخاصة أنه يقدم تسهيلات كثيرة لشعب الأقباط الذي يعاني من مشاكل اجتماعية أسرية بسبب التضييق الممارس من قبل الكنيسة في أمور الطلاق ، وقد أصاب نفراً من الذين في أمريكا من الأقباط ، وأصبحنا نرى في الجبهة النصرانية بروتستانت يناظرون كالقس ( تافار ) على سبيل المثال ، وانتشرت أخبار الإنجيليين في المواقع العنكبوتية والصحف المحلية ، حتى أن الكنيسة أعلنت هذا العام أنها ستطرح عدداً من الكتب لتبين فضل الأرثوذكسية على غيرها من الكنائس النصرانية الأخرى ، أو الديانات الأخرى كما هو المعروف في الغرب .

تكمن خطورة الإنجيليين في أن خطابهم الديني أسهل من الأرثوذكسي ، وأنهم أقوى يحمون من يتحول إليهم . ليسوا كالمسلمين .



إن من ينظر للساحة النصرانية المصرية يرى بوضوح أن أجندة البطريرك القادم كلها داخلية ، فتيار حبيب بباوي العقدي الأصولي ، وتيار ( متى المسكين ) الإصلاحي السلمي يتصاعد ، والأنجيليون قد اشتدوا ، وعامة النصارى قد ملّوا التشدد في الدين ، والمسلمون استيقظوا بعد أن تطاول الأقباط على رمزهم الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يتكلم به زكريا بطرس ومرقس عزيز ، حتى تحولت الآن القضية القبطية المتعلقة بالتطاول على خير البرية صلى الله عليه وسلم قضية أساسية في ذهن المتدينين ، بل وعامة المثقفين ، فلا تجد موقعاً إسلامياً أو ثقافياً إلا وعلى صفحاته شيء عن سفالات بطرس ومرقس عزيز وأشباههم .



محمد جلال القصاص
مساء الإثنين 2/11 / 2009 م
14/ 11/ 1430 هـ
باحث إسلامي

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 0
  • 0
  • 3,396

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً