أسطول الحرية أيضاً وأيضاً.. ناجحون وراسبون!

منذ 2010-06-17

إن النقطة الجوهرية التي قد تخفت ملامحها في دخان المعركة، هي رضوخ الجميع بمن فيهم رؤوس الاعتداء والحقد في عواصم الغرب الكبرى، فلم يتمكن مراوغ منهم من الفرار من الدعوة إلى رفع الحصار الظالم على غزة، ولو لذر الرماد في العيون..


هنالك أحداث في التاريخ، تبدو في وقت حصولها كومضة اعتيادية عابرة، ثم يتبين بعد حين من الدهر أنها وقائع مفصلية، أو محطات حاسمة ونقاط تحوّل.


غير أن واقعة أسطول الحرية تمتاز بأن دلالات عمقها جليّة منذ اللحظة الأولى، وتلك علامة فارقة نادراً ما تتضح في ذروة سخونة الحدث. فالعالَم بعد ملحمة الأسطول الشجاع لن يكون هو العالَم ما قبلها، وإذا شئنا مزيدًا من الدقة والضبط المنهجي قلنا: إن القضية الفلسطينية ما بعد هذا الحدث مختلفة اختلافًا جذريًا عما قبلها.
 
ولعل نظرة فاحصة لقائمة الناجحين وقائمة الراسبين في الامتحان العسير الذي اضطر الجميع إلى خوضه، تضع النقاط على الحروف حقيقةً لا مجازاً.
إن أقصوصة القانون الدولي تعد أول الخاسرين، وأشدهم خسراناً مبيناً. سقط القانون الدولي سقوطاً مدوياً نتيجة سلوك اليهود المتعمد وليس العفوي، فقد كان في وسعهم منع السفن من بلوغ غزة من دون إطلاق رصاصة واحدة، كما كانوا يستطيعون انتظار سفن الحرية حتى تتجاوز المياه الدولية، و ولوج منطقة الحصار الصهيوني الجائر للقطاع المرابط، بصرف النظر عن انعدام السند القانوني لهذا الحصار الوحشي.
 
 
قد يقال: إن اليهود ينتهكون القانون الدولي منذ اثنتين وستين عاماً بلا توقف ولا حياء، وهذا صحيح مائة بالمائة، لكن المجزرة الأخيرة جرت على مرأى البشرية ومسمعها، وعن سابق عمد وتصميم، وبلا ذرائع من أي نوع، واستهدفت القتل المقصود، حتى إنهم بعد الحملة القذرة قدموا أحد جنودهم المجرمين ليتباهوا بأنه اغتال ستة من أصل عشرة ناشطين حصدتهم قواتهم الهمجية في أثناء استيلائهم الرهيب على السفن بالرصاص الحي، ضد هؤلاء العزل! وشتان بين واقعة بهذا الاستعلاء، و واقعة دهس الناشطة الأمريكية راشيل كوري قبل سنوات، فقد كانت تلك الصبية تتصدى بجسدها الغض لجرافة في منطقة يمكن تسميتها بأنها عسكرية بصورة ما!
 
 
ولقد جرف القانون الدولي في سقوطه أكذوبة الشرعية الدولية، وما ينبثق عنها من مخدرات السلام والتسويات السياسية، فقد خنس أهلوها تماماً، ولا سيما أن واشنطن عرقلت صدور بيان معقول من مجلس الخوف -الأمن- الدولي، يكدر خاطر أزلامها في تل أبيب، بل إن نائب الرئيس الأمريكي أعطى القتلة بوقاحة صك براءة مسبق الصنع لمزيد من الإجرام، عندما تحدث عن حق الصهاينة المطلق في حماية أمنهم، ونسي هذا الإرهابي أن المجزرة وقعت في مياه دولية، ضد مدنيين عزل، ينتمون إلى مختلف الشرائع والملل والثقافات واللغات، ويركبون مراكب مدنية، فهل يعني أمن القتلة حق اصطياد البشر في كل مكان وزمان؟
 
وسقط كذلك النظام العربي الرسمي، الذي شارك في الجريمة الأصلية: محاصرة أهل غزة. ومن هول صدمته هرع زبانيته إلى الأمم المتحدة لمناشدتها رفع الحصار، فلماذا الآن؟ ثم ألا يعلم هؤلاء أن الحصار اليهودي الصليبي لم يتقرر في الأمم المتحدة أصلاً؟
 

وقد أسفرت هذه الواقعة المهمة عن سقوط ما تبقى من ثياب مستعارة دأب آيات قم وأدواتهم على ارتدائها، للاتجار بقضية فلسطين، وتضليل البسطاء بشعارات المقاومة المزعومة، ومواجهة الشيطان الأكبر المفتراة.

ومن الساقطين أيضًا الإعلام الغربي، أعمى البصر والبصيرة، وكذلك تابعه إعلام عبيد التغريب، سواء في تغطية الحدث، أم في مناقشة نتائجه وآثاره. ومع ذلك انتصرت قضية أسطول الحرية في أوساط الرأي العام الإنساني، رغم أنوف هؤلاء وأولئك معاً، ورغم تعتيمهم وتحريفهم الكلم عن مواضعه.
 
أما الرابحون فيتصدرهم الشعب الفلسطيني، الذي أثبت أن صموده هو الذي اضطر أحرار الأمة وشرفاء العالم، إلى توجيه تحيات كسر الحصار، إلى شهدائه ومعوقيه وجرحاه.

كما أن من حق تركيا العدالة والتنمية أن تعتز بإنجازها الرائد، فقد استعاد الترك روحهم، وشرعوا في رحلة العودة إلى جذورهم وماضيهم المشرّف، وباتت القضية قضية شعب بأكمله.
 
 
إن النقطة الجوهرية التي قد تخفت ملامحها في دخان المعركة، هي رضوخ الجميع بمن فيهم رؤوس الاعتداء والحقد في عواصم الغرب الكبرى، فلم يتمكن مراوغ منهم من الفرار من الدعوة إلى رفع الحصار الظالم على غزة، ولو لذر الرماد في العيون. ومن لم يتأكد بعد فليتنبه إلى تصريحات كبار الساسة في الحكومة البريطانية الشديدة الانحياز للصهاينة، وليقف ملياً أمام حديث مسؤولين أمريكيين عن أن دفاع العم سام عن حصار غزة لم يعد ممكناً.

23/6/1431 هـ


المصدر: موقع المسلم
  • 0
  • 0
  • 3,060

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً