سورة النجم - تفسير السعدي



" والنجم إذا هوى "

أقسم الله تعالى بالثريا إذا غابت,

" ما ضل صاحبكم وما غوى "

ما حاد محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق الهداية والحق, وما خرج عن الرشاد, بل هو في غاية الاستقامة والاعتدال والسداد,

" وما ينطق عن الهوى "

وليس نطقه صادرا عن هوى نفسه.

" إن هو إلا وحي يوحى "

ما القرإن وما السنة إلا وحي من الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

" علمه شديد القوى "

علم محمدا صلى الله عليه وسلم ملك شديد القوة,

" ذو مرة فاستوى "

ذو منظر حسن, وهو جبريل عليه السلام, الذي ظهر واستوى على صورة الحقيقية للرسول صلى الله عليه وسلم في الأفق الأعلى,

" وهو بالأفق الأعلى "

وهو أفق الشمس عند مطلعها,

" ثم دنا فتدلى "

ثم دنا جبريل من الرسول صلى الله عليه وسلم, فزاد في القرب,

" فكان قاب قوسين أو أدنى "

فكان دنوه مقدار قوسين أو أقرب من ذلك.

" فأوحى إلى عبده ما أوحى "

فأوحى الله سبحانه وتعالى إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى بوساطة جبريل عليه السلام

" ما كذب الفؤاد ما رأى "

ما كذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه بصره.

" أفتمارونه على ما يرى "

أتكذبون محمدا صلى الله عليه وسلم, فتجادلونه على ما يراه ويشاهده من أيات ربه؟

" ولقد رآه نزلة أخرى "

ولقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل مرة أخرى

" عند سدرة المنتهى "

عند سدرة المنتهى- شجرة نبق- وهي في السماء السابعة, ينتهي إليها ما يعرج به من الأرض, وينتهي إليها ما يهبط به من فوقها,

" عندها جنة المأوى "

عندها جنة المأوى التي وعد بها المتقون.

" إذ يغشى السدرة ما يغشى "

إذ يغش السدرة من أمر الله شيء عظيم, لا يعلم وصفه إلا الله عز وجل.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم على صفة عظيمة من الثبات والطاعة,

" ما زاغ البصر وما طغى "

فما مال بصره يمينا ولا شمالا, ولا جاوز ما أمر برؤيته.

" لقد رأى من آيات ربه الكبرى "

لقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من آيات ربه الكبرى الدالة على قدرة الله وعظمته من الجنة والنار وغير ذلك.

" أفرأيتم اللات والعزى "

أفرأيتم- أيها المشركون هذه الألهة التي تعبدونها: اللات والعزى

" ومناة الثالثة الأخرى "

ومناة الثالثة الأخرى, هل نفعت أو ضرت حتى تكون شركاء لله؟

" ألكم الذكر وله الأنثى "

أتجعلون لكم الذكر الذي ترضونه, تجعلون لله بزعمكم الأنثى التي لا ترضونها لأنفسكم؟

" تلك إذا قسمة ضيزى "

تلك إذن قسمة جائرة

" إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى "

ما هذه الأوثان إلا أسماء ليس لها من أوصاف الكمال شيء, إنما هي أسماء سميتموها أنتم وآبائكم بمقتضى أهوائكم الباطلة, ما أنزل الله بها من حجة تصدق دعواكم فيها.
ما يتبع هؤلاء المشركون إلا الظن, وهوى أنفسهم المنحرفة عن الفطرة السليمة, ولقد جاءهم من ربهم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم, ما فيه هدايتهم, فما انتفعوا به.

" أم للإنسان ما تمنى "

ليس للإنسان ما تمناه من شفاعة هذه المعبودات أو غيرها مما تهواه نفسه,

" فلله الآخرة والأولى "

فلله أمر الدنيا والآخرة.

" وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى "

وكثير من الملائكة في السموات مع علو منزلتهم, لا تنفع شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لهم بالشفاعة, ويرضى عن المشوع له.

" إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى "

إن الذين لا يصدقون بالحياة الآخرة من كفار العرب ولا يعملون لها ليسمون الملائكة تسمية الإناث.
لاعتقادهم جهلا أن الملائكة إناث, وأنهم بنات الله.

" وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا "

وما لهم بذلك من علم صحيح يصدق ما قالوه, ما يتبعون إلا الظن الذي لا يجدي شيئا, ولا يقوم أبدا مقام الحق

" فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا "

فأعرضن عمن تولى عن ذكرنا, وهو القرآن, ولم يرد إلا الحياة الدنيا.

" ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى "

ذلك الذي هم عليه هو منتهى علمهم وغايتهم.
إن ربك هو أعلم بمن حاد عن طريق الهدى, وهو أعلم بمن اهتدى وسلك طريق الإسلام.
وفي هذا إنذار شديد للعصاة المعرضين عن العمل بكتاب الله, وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, المؤثرين لهوى النفس وحظوظ الدنيا على الآخرة.

" ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى "

والله سبحانه وتعالى ملك ما في السموات وما في الأرض.
ليجزي الذين أساؤوا بعقابهم على ما عملوا من السوء, ويجزي الذي أحسنوا بالجنة,

" الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى "

وهم الذين يبتعدون عن كبائر الذنوب والفواحش إلا اللمم, وهي الذنوب الصغار التي لا يصر صاحبها عليها, لم يلم بها العبد على وجه الندرة, فإن هذه مع الإتيان بالواجبات وترك المحرمات, يغفرها الله لهم ويسترها عليهم, إن ربك واسع المغفرة, هو أعلم بأحوالكم حين خلق أباكم آدم من تراب, وحين أنتم أجنة في بطون أمهاتكم, فلا تزكوا أنفسكم فتمدحوها وتصفوها بالتقوى, هو أعلم بمن اتقى عقابه فاجتنب معاصيه من عبادة.

" أفرأيت الذي تولى "

أفرأيت- يا محمد- الذي أعرض عن طاعة الله

" وأعطى قليلا وأكدى "

وأعطى قليلا من ماله, ثم توقف عن العطاء وقطع معروفه

" أعنده علم الغيب فهو يرى "

أعند هذا الذي قطع عطاءه علم الغيب أنه سينفد ما في يده حتى أمسك معروفه, فهو يرى ذلك عيانا؟ ليس الأمر كذلك, إنما أمسك عن الصدقة والمعروف والبر والصلة; بخلا وشحا.

" أم لم ينبأ بما في صحف موسى "

أم لم يخبر بما جاء في أسفار التوراة

" وإبراهيم الذي وفى "

وصحف إبراهيم الذي وفى ما أمر به وبلغه؟

" ألا تزر وازرة وزر أخرى "

أنه لا تؤخذ نفس بمأثم غيرها ووزرها, لا يحمله عنها أحد,

" وأن ليس للإنسان إلا ما سعى "

وأنه لا يحصل لإنسان من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه بسعية

" وأن سعيه سوف يرى "

وأن سعيه سوف يرى في الآخرة, فيميز حسنه من سيئه, تشريفا للمحن وتوبيخا للمسيء.

" ثم يجزاه الجزاء الأوفى "

ثم يجزى الإنسان على سعيه الجزاء المستكمل لجميع عمله,

" وأن إلى ربك المنتهى "

وإن إلى ربك- يا محمد- انتهاء جميع خلقه يوم القيامة.

" وأنه هو أضحك وأبكى "

وأنه سبحانه وتعالى أضحك من شاء في الدنيا بأن سره, وأبكى من شاء بأن غمه.

" وأنه هو أمات وأحيا "

وأنه سبحانه أمات من أراد موته من خلقه, وأحيا من أراد حياته منهم, فهو المتفرد سبحانه بالإحياء والإماتة.

" وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى "

وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من الإنسان والحيوان,

" من نطفة إذا تمنى "

من نطفة تصب في الرحم.

" وأن عليه النشأة الأخرى "

وأن على ربك- يا محمد- إعالة خلقهم بعد مماتهم, وهي النشأة الأخرى يوم القيامة.

" وأنه هو أغنى وأقنى "

وأنه هو أغنى من شاء من خلقه بالمال, وملكه لهم وأرضاهم به.

" وأنه هو رب الشعرى "

وأنه سبحانه وتعالى هو رب الشعرى, وهو نجم مضيء, كان بعض أهل الجاهلية يعبدونه من دون الله.

" وأنه أهلك عادا الأولى "

وأنه سبحانه وتعالى أهلك عادا الأولى, وهم قوم هود

" وثمود فما أبقى "

وأهلك ثمود, وهم قوم صالح, فلم يبق منهم أحدا,

" وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى "

وأهلك قوم نوح قبل.
هؤلاء كانوا أشد تمردا وأعظم كفرا من الذين جاؤا من بعدهم

" والمؤتفكة أهوى "

ومدائن قوم لوط قبلها الله عليهم, وجعل عاليها سافلها,

" فغشاها ما غشى "

فألبسها ما ألبسها من الحجارة.

" فبأي آلاء ربك تتمارى "

فبأي نعم ربك عليك- أيها الإنسان المكذب- تشك؟

" هذا نذير من النذر الأولى "

هذا محمد صلى الله عليه وسلم, نذير بالحق الذي أنذر به الأنبياء قبله, فليس ببدع من الرسل.

" أزفت الآزفة "

قربت القيامة ودنا وقتها,

" ليس لها من دون الله كاشفة "

لا يدفعها إذا من دون الله أحد, ولا يطلع على وقت وقوعها إلا الله.

" أفمن هذا الحديث تعجبون "

أفمن هذا القرآن تعجبون أيها المشركون- من أن يكون صحيحا,

" وتضحكون ولا تبكون "

وتضحكون منه سخريه واستهزاء, ولا تبكون خوفا من وعيده,

" وأنتم سامدون "

وأنتم لاهون معرضون عنه؟

" فاسجدوا لله واعبدوا "

فاسجدوا لله وأخلصوا العبادة له وحده, وسلموا له أموركم.

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً