أيتها الداعية.. منزلك يناديك !

ملفات متنوعة

  • التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -

27/12/1425
07/02/2005

صورة..
أختنا "سميرة" داعية قديرة، فهي في الصباح معلمة مخلصة متقنة، تلقي الدروس مطعّمة بثقافة واسعة ونصح مُشفِق، ولها أنشطة شائقة في المصلّى طوال اليوم، ثم تفتح قلبها في آخر الدوام لكل طالبة يقضّ مضجعها هم أو تشغل بالها مشكلة؛ فخير الناس أنفعهم للناس.

ومنذ أول العصر، تخرج "سميرة" إلى الدار القريبة، تعلّم القرآن والتجويد والفقه، وتقيم المسابقات والبرامج، ولحديثها قبول في نفوس الكثير من مرتادات الدار؛ وخيركم من تعلم القرآن وعلمه.

وبعد العشاء، تحرص سميرة على حضور المحاضرات للداعيات مهما بعدت عليها المسافة؛ فالنفس بحاجة إلى الموعظة والتذكير والتربية، والغفلة عن مجالس الذكر سبب لقسوة القلب وإدبار الهمة!

وماذا بعد؟
هل ترون أختنا "سميرة"، نموذجاً صالحاً للمرأة المسلمة، التي تُعقد عليها الآمال في بناء الأمة وتربية الأجيال، والوقوف بشموخ في قمة الأمجاد؟

وهل ترون أن جهودها ستسفر عن أبناء صالحين ومنزل قائم على طاعة الله، وزوج راضٍ يحمد الله أنْ وفّقه لزوجة متفانية من أجل الدعوة وطلب العلم ونفع الناس؟

حقا إنّ التعليم والدعوة، وثني الركب في مجالس العلم والذكر مكانة سامية، ولكن "سميرة" ستدرك بعد مدة - طالت أم قصرت - كم كانت مفرطة مخطئة في صنيعها هذا.

حقيقة المبادئ!

هل نعلم حقاً، حقيقة المبادئ التي نتشرف بالانتماء إليها والدعوة لها والعمل بها؟

إن مبادئ الإسلام كل لا يتجزأ، وحين نتحدث عن فضل العلم والدعوة والتعليم ومجالس الذكر، يجب ألاّ نغفل عن أهمية القرار في البيت والقيام بشؤونه وتربية النشء والقيام بحقوق الزوج، فالمرأة راعية في بيتها مسؤولة عن رعيّتها.

ولتعلم المرأة، أن حسن تبعّلها لزوجها وتربية أبنائها يعدل الجهاد في سبيل الله، والمنزل أكرم وأجلّ وأعزّ مكانة للمرأة، وهو ميدان إصلاحها الحقيقي، وساحة جهادها للعمل والإنتاج الفعّال.

وعلى العاقلة أن توازن، بين خروجها المتكرر للمنزل بحجة العلم والدعوة، ما لهذا من إيجابيات وما عليها من سلبيات نتيجة الانشغال عن البيت والصغار، وأي أثر رائع سيضفيه وجودها في المنزل، راحة وهدوءاً وسعادة، وتربية للأطفال وإصلاح لهم، والقيام بحقوق الزوج العظيمة.

فمنزلك بحاجة لك أيتها الداعية القديرة، صغارك بحاجة إلى نسمات الحنان والدفء والعناية، والتوجيه والنصيحة، وهم أولى الناس بجهدك وعلمك ووقتك، وزوجك بحاجة إلى اهتمامك ورعايتك لشؤونه، والمنزل بحاجة إلى إشرافك على أقل تقدير ولمساتك الصادقة الجميلة!

لا نقول دعيهن!

حقاً إن بنات جنسك بحاجة ماسّة إلى كل معلمة ناصحة وداعية مشفقة، والحال في المجتمع لا يسر فعلاً، والناس متلهّفون للمزيد من جهود الإصلاح والنصيحة.

لكن ما ننبّه له هو الآثار السلبية المترتبة على تركك لواجبك الأَوْلى، وكيف أن الخروج الطويل المتكرّر عن المنزل إهمال للرعية ومخالفة صريحة لمبدأ القرار الفاضل، وهذا ما تعلمين - بعلمك ودعوتك - أن الإسلام الذي نحتجّ به حين خروجنا للتعليم والدعوة يرفضه وينهى عنه، ولا يمكن لعاقل أن يُفني وقته في أمور تدور بين المُباح والمندوب وفروض الكفاية، حتى يصل إلى المحظور في إهماله للواجب المؤكد المطلوب.

وربما خُشِي على تلك الأخت، التي تدع بيتها وصغارها وتضيع حق زوجها، وربما تفرّط كذلك في حقوق واجبة كصلة للأرحام والجيران، من أجل الدعوة والعلم، ربما خُشِي عليها من حظوظ للنفس تدفعها إلى اتباع الهوى ونبذ المسؤوليات.. فتفكري!

داعية نافعة في المنزل..

وحين تكتفي عالية الهمة بخروج معقول كمرة أو مرتين في الأسبوع، فإنها تبادر إلى النفع والعطاء طوال الأيام وفي كل وقت وحين، فيمكن أن تقيم حلقة قرآن في منزلها لصغارها، تعلمهم وتربّيهم وتصلحهم، كما كانت نساء السلف الصالح في بيوتهن. فهل فكّرت يوماً أن يختم صغارك القرآن حفظاً وتفسيراً وعملاً؟!

كما يمكن أن تنفع بما وهبها الله من القلم فصيح البيان قويّ الحجة، فتساهم به في الصحف والمجلات ووسائل الإعلام، إحقاقاً للحق وإزهاقا للباطل، فتبني بذلك المجتمع بيد دون أن تهدم بيتها بالأخرى.

ويمكن أيضاً أن تربّي نفسها بالاستماع إلى الأشرطة العلمية، أو قراءة الكتب النافعة، وإعداد المسابقات والبرامج الشائقة للعائلة، وأفكار أخرى كثيرة لمن ترغب في النفع حقاً وتفكر بهمة وحماس، وتتمسك بمبادئ الفضيلة والقرار قبل كل شيء

كلمات.. جميلة..

ونختم بكلمات جميلة للأخت زبيدة الأنصاري، في كتابها "نسمات ونبضات"، علاقة المسلمة ببيتها وأطفالها:

البيت هو الأصل في حياة المسلمة.. هو المقر.. ما عداه استثناء طارئ.. لا تثقل فيه ولا تستقر.. إنما هي الحاجة تُقضى وبقدرها.. بيتها هو المكان الذي تجد فيه نفسها على حقيقتها.. كما أرادها الله تعالى.. غير مشوّهة ولا منحرفة، ولا مكدودة في غير وظيفتها التي هيّأها الله -تعالى- لها بالفطرة، فيتاح لها من الوقت والجهد وهدوء البال ما تشرف به على فراخها الزغب، وما تهيّئ به لمقرها وبيتها نظامه وعطره وبشاشته، إنها تدرك أن الأم المكدودة بالخروج عن المنزل المرهقة بمقتضياته المقيّدة بمواعيده، المستغرقة الطاقة فيه، لا يمكن أن تهب للبيت جوّه وعطره، ولا يمكن أن تهب الطفولة النابتة فيه حقها ورعايتها... إنها لن تنشر في البيت إلا شدّ الأعصاب والإرهاق والضجر.
المصدر: موقع الإسلام اليوم