رافضو الدستور لا يتحاورون ولا يتناظرون، وبشعبهم يتلاعبون

عبد المنعم الشحات

ولأول مرة في تاريخ مصر يكتب الدستور بواسطة جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب، والتي عملت طوال ستة أشهر في مناقشات علنية منقولة على الهواء، وكان التوافق هو عنوان تلك الجمعية طيلة خمسة أشهر، وفجأة تراجعت القوى المسماة: (بالمدنية) عن بعض توافقاتها.

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛


فبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير شرع الشعب المصري في إعداد دستور الثورة، ولأول مرة في تاريخ مصر يكتب الدستور بواسطة جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب، والتي عملت طوال ستة أشهر في مناقشات علنية منقولة على الهواء، وكان التوافق هو عنوان تلك الجمعية طيلة خمسة أشهر.

وفجأة تراجعت القوى المسماة: (بالمدنية) عن بعض توافقاتها وأصرت أن تعاد صياغة بعض المواد وفق رؤيتها وانسحبت من الجمعية التأسيسية! وبعد عرض الدستور للاستفتاء رأى المنسحبون وغيرهم من الرافضين أن يضيفوا إلى أسباب رفضهم بعض المواد زعموا أنها كفيلة برفض الدستور، كما عمد البعض الآخر إلى إطلاق أكاذيب حول مشروع الدستور من أجل تنفير الناس منه.

وقد أصدرت الجمعية وأصدر بعض المشاركين فيها وبعض الجهات المؤيدة للدستور توضيحات لهذه الاستشكالات وتكذيبًا للمواد المزيفة؛ إلا أنه ورغم انتهاء المرحلة الأولى من الاستفتاء ما زال البعض يروِّج مثل هذه المواد المزيفة أو التفسيرات المتعسفة، وفي هذا السياق دعت الجمعية التأسيسية رموز المعارضين للدستور لحوار علني معها حول انتقاداتهم للدستور.

ولقد أقدمت الجمعية التأسيسية على هذه الخطوة إيمانًا منها بحق المواطن في المعرفة، وهو الحق الذي نص عليه مشروع الدستور لأول مرة في تاريخ الدساتير المصرية.

فماذا كانت الإجابة؟!
رد الدكتور (وحيد عبد المجيد) بالآتي: "التأسيسية كيان وهمي لا نتحاور معه وليست لها صفة رسمية"!.
طبعًا هذا الرد على أساس أن جبهة (الإنقاذ الوطني) كيان غير وهمي رغم أنها ليست حزبًا ولا جمعية ولا منظمة حقوقية، ولا أي شيء مما يعترف به القانون في دولة القانون! وبالطبع من المحزن أن يلجأ البعض إلى الشكليات معرضًا عن لب الدعوة.

ونريد أن ننبه الدكتور (وحيد عبد المجيد) أن هناك شيئًا في اللغة يطلق عليه -باعتبار ما كان- فالدعوة جاءت ممن كانوا يكونون (الجمعية التأسيسية)، ولكن لا بأس فالأمر يسير فيمكن أن تعدل الدعوى إلى: نحن الذين كنا أعضاءً في الجمعية التأسيسية نتوجه بالدعوة إلى رافضي ما أنتجناه لا سيما مَن كانوا معنا خمسة أشهر كاملة، كانوا يخرجون فيها على الإعلام صباح مساء بصفتهم متحدثين عن الجمعية -التي اكتشفوا فيما بعد أنها كيان وهمي-.

وأيضًا لأن الدكتور (وحيد عبد المجيد) يستنكر كتابة الدعوة على ورق مجلس الشورى -مع أن مجلس الشورى من حقه أن يستضيف مثل هذا الحوار كما استضاف أعمال الجمعية التأسيسية- ولكن لا بأس لتكن الكتابة في هذه المرة على ورق أبيض.

عضو آخر في الكيان غير الوهمي المسمى بـ(جبهة الإنقاذ) قال كلامًا يبدو فيه شبهة منطق وهو أن الحوار لا يفيد؛ لأن الاستفتاء قد بدأ بالفعل، ولا نظن أنه يخفى على قائل هذا الكلام أنها دعوة لطيفة للمناظرة لإيقاف مسلسل التأويل المتعسف لمواد الدستور، ولكن لعله لم ينتبه.

نبهه الدكتور (البلتاجي) حينما صرَّح بأنها مناظرة بين بعض مؤيدي الدستور وبين مَن يدْعون الناس ليل نهار إلى رفضه، بل ووصفه بأن فيه كوارث! وكعادته دائمًا ما يتحفنا الدكتور (عمرو حمزاوي) بآرائه السياسية التي لا تجد ليها مثيلا شرقًا ولا غربًا، ولا شمالاً ولا جنوبًا.. -طبعًا أنا اقتبست تلك العبارة منه عندما وصف بها مادة الطفل في الدستور الجديد رغم أنني لم أضطر إلى هذه الرحلة السياحية المترامية الأطراف لأجد هذه المادة، بل وجدتها في وثيقة الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة وفي دستور (54) فقد طالَب الدكتور (حمزاوي) الرئيس بما لديه من صلاحيات استثنائية في المرحلة الانتقالية أن يوقف المرحلة الثانية من الاستفتاء، ثم يدعو إلى حوار وطني موسع نناقش فيه أحد حلين:

الأول: إلغاء الاستفتاء بمرحلتيه وإعادة الدستور إلى الجمعية التأسيسية -الكيان الوهمي!-، ثم إعادة التصويت على الدستور الجديد في مرحلة واحدة.

الثاني: استكمال المرحلة الثانية من الاستفتاء، ولكن بعد الاتفاق على تعديلات تتم عن طريق مجلس الشعب القادم، وطبعًا لأن الرجل يدرك أن هذا مخالف للإعلان الدستوري ومخالف لما صدَّعوا به رؤوسنا بأن الرئيس لا يملك أي صلاحيات فضلاً عن الصلاحيات الاستثنائية؛ فقد اقترح الدكتور (حمزاوي) أن يكون هناك اتفاق: "جنتل مان"، ألا يطعن أحد على هذه الإجراءات أمام المحكمة الدستورية!

المشكلة الوحيدة عند النخبة أنهم يفترضون أن الشعب المصري لا حق له في الكلام، ولا كتابة الدستور ولا شيء، ومِن ثَمَّ فيمكن لـ(جبهة الإنقاذ) أن تجلس مضطرة مع مَن تسميهم: "تيار الإسلام السياسي"؛ لتتفق على تجاوز القانون والدستور وتتفاوض وتوقف استفتاءً في منتصفه وتسحب دستورًا يقول الشعب فيه كلمته! وأظن أنه لولا الملامة لقال: "ونكتب الدستور بالمرة"، بل قالها عن طريق تأييد الوثائق المسماة بالفوق دستورية!
والسؤال البريء للدكتور (عمرو حمزاوي): ماذا لو لم يلتزم مواطن مصري عادي بهذا الاتفاق الذي لن يؤخذ رأيه فيه جزمًا، ورفع قضية أمام المحكمة الدستورية أم أن المحكمة الدستورية سوف تدخل طرفًا في اتفاق "الجنتل مان"؟!

وأما الأستاذ (حسين عبد الغني) فقطع قول كل خطيب، وأثبت أن الاشتراكي اشتراكي ولو جاور (الليبرالي) في حزب الدستور، ولو جلس مع (الفلولي) في جبهة الإنقاذ، فقد لخص لنا الأستاذ (حسين عبد الغني) موقفه بأنه: على استعداد للحوار شريط أن نعود إلى ما قبل الإعلان الدستوري؛ يعني إلغاء الاستفتاء بمرحلتيه، ولا أدري مصير الجمعية التأسيسية التي كانت قائمة قبل الإعلان الدستوري إلا أن مدتها الدستورية انتهت!

يعني الثمانية مليون مواطن مصري الذين ذهبوا إلى الاستفتاء عليهم أن يعتبروا أن الأمر كأن لم يكن، وكما يقولون في اللغة الدارجة: "قدر محصلش"، وكأن النخبة عندما تريد فعلى الشعب أن ينتظر، وعلى السلطة أن تطيع!

معذرة أستاذ (حسين): الشعب المصري ليس قطع شطرنج متى مللت اللعبة أو شعرت أنها لا تسير في صالحك يمكنك أن تطيح بها بيد واحدة، أو بكلتا يديك على أقصى مجهود، ملحوظة: هذا السلوك يُقبل فقط في المباريات التي تكون بين الأصدقاء للتسلية، ولكن حتى اللعب (اللي بجد) فغير مسموح فيه بذلك.

وعلى أي: فلا أدري إلى أن تكون هذه المقالة بين يدي القارئ ماذا عسى أن يهبط على رؤوس النخبة من أفكار ورؤى! ولكن إذا تمت تلك المناظرة بين الكيان القائم -بقوة أي حاجة إلا القانون- والمسمى جبهة الإنقاذ الوطني وبين الكيان الوهمي الذي أسقط عنه الكيان الأول كل اعتبار والذي كان اسمه (الجمعية التأسيسية)، فأدعوك إلى مشاهدتها فهي أفضل كاشف لك قبل أن تدلي بصوتك.

ملاحظة أخيرة:
سمعنا من المعترضين كلامًا كثيرًا حول استغلال الموافقين لأمية الشعب المصري في تمرير دستور لم يقرؤوه، وأن من أفلت من الأمية فـ(أنهار الزيت وجبال السكر) التي يخفيها التيار الإسلامي ويخرجها عند كل انتخاب أو استفتاء لها فعل السحر حتى إنها توزع أمام اللجان جهارًا نهارًا! ولكن للأسف فالتيار الإسلامي قد جعل فيها خاصية تجعلها تبدو للعيون بينما تُستر عن كاميرات الفضائيات -لا سيما الفلولية منها- فتضطر هذه القنوات أن تعدل عن الكاميرات إلى شهادة المتصلين والمتصلات ممن يقسمون بأغلظ الأيمانات بأنهم رأوا الإسلاميين يوزعون الزيت والسكر أمام اللجان!

وقديمًا كان الحزب الوطني البائد -والذي يتصدر بعض رموزه صدارة مشهد لجنة الإنقاذ الوطني- يوزع النقود والموبايلات فكان الناس يأخذونها ثم يصوتون لصالح خصومهم.

إلا أن التيار الإسلامي قد فطن لهذه الحيلة، فجعل الزيت يراقب صاحبه فإن صوَّت بالمطلوب وإلا صار خلاً، ومتى رأى السكر ذلك انقلب من فوره إلى ملح، ومِن ثَمَّ فلا يستطيع ذلك الشعب الذكي الذي غلب الوطني المنحل في عز جبروته أن يتذاكى على ذلك الزيت وذاك السكر!

هذا كلام لعلك سمعته أو قريبًا منه مرارًا..! ولكن إحجام المناظر عن المناظرة يجعل تلك القصة من أولها إلى آخرها تبدو قصة ممجوجة وإن ظنها مؤلفها حلوة ومقبولة؛ لا سيما إذا أضيف لها فصل أخير رغمًا عن المؤلف، ولكن هكذا (الأحداث تجري بما لا يشتهي المؤلف).

إن الفصل الأخير بالدعوة العلنية للمناظرة والهروب الجماعي منها كفيل بأن يغير كثيرًا من القناعات.