لمن لا يعرف محمد يسرى سلامة؟!

حين تعرفت على الدكتور محمد يسري رحمه الله قبل الثورة بعدة سنوات، رأيته شغوفًا بالتراث والمخطوطات، ومتيمًا بالسلفية وبالشيخ محمد إسماعيل المقدم، الذي يعتبره أستاذًا له. وكان رحمه الله يحب شيخ الإسلام ابن تيمية كثيرًا، وكتب عنه الكثير، وتصدى لمن يشوهون صورته من متعصبة الصوفية وضلال العلمانية!

  • التصنيفات: تراجم العلماء -


التفنن في خسارة الناس ومعاداتهم هذه الأيام، أصبح سمة لبعض التيارات الإسلامية، مع أن الحكماء يقولون: "لا تشتر مودة ألف رجل بعداوة رجل واحد". بل إن بعض المنتمين للسلفية اخترعوا لنا مذهبًا جديدًا، يدعوا لهدم الناس وتصنيفهم -تجريحًا وتعديلًا-، وإذا رأوا منهم خطأً واحدًا دفنوا بقية حسناتهم، ونسى هؤلاء أن الله تعالى لا تضيع عنده الحسنات: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40]، ونسى هؤلاء أن الإنسان يُقاس بمجموع حياته وما يُختم له، وما أحسن كلام ابن القيم إذ يقول: "ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعًا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكان، قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل ومأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين".

حين تعرفت على الدكتور محمد يسري رحمه الله قبل الثورة بعدة سنوات، رأيته شغوفًا بالتراث والمخطوطات، ومتيمًا بالسلفية وبالشيخ محمد إسماعيل المقدم، الذي يعتبره أستاذًا له. وكان رحمه الله يحب شيخ الإسلام ابن تيمية كثيرًا، وكتب عنه الكثير، وتصدى لمن يشوهون صورته من متعصبة الصوفية وضلال العلمانية! وعشقه للتراث وجهوده بمكتبة الإسكندرية لا يخفى على المهتمين بهذا الشأن، فقد كان صديقًا للكثير من علماء التراث والمخطوطات في كل أنحاء العالم، وكان يتمنى الكثير للنهوض بهذا العلم في الوطن العربي!! ولا أنسى دفاعه عن الإسلام في مؤتمر للمخطوطات بمكتبة الإسكندرية -قبل أربع سنوات- حين وقف أحد المتعصبين من القساوسة اللبنانيين يتحدث بحقد وتطرف عن الإسلام، فانبرى له بكل حسم وأخرس لسانه!! وكان مما قاله رحمه الله: "إن حرص النصارى على ترجمة الإنجيل باللغة العامية بدلًا من العربية الفصحى، يؤكد التعصب الشديد ولكي لا يتأثر من يقرأ الإنجيل بلغة القرآن فيسلم!".

أثناء فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب الماضي 2013، دار حوار بيني وبينه -رحمه الله- بشأن الأحداث، وتطرق الكلام عن أخطاء الإخوان المسلمين وبعض السلفيين، وأيضًا عن موقفه من (البردعي وحزب الدستور)! فقلت له: إنني خُدِعُت كثيرًا في (البرادعي)، وأن عوام الناس بمصر كانوا أعرف منّا بهذا الرجل حين لفظوه منذ زمن بعيد، وإنني حين قرأت مقالاته المترجمة في الصحف الغربية قبل وبعض الثورة، تأكدت من أنه شخص مخادع؟ وتوقعت أن يُخالفني الرأي، ففوجئت بموافقته لي، وقوله: "إن الإسلاميين رغم أخطائهم أحسن حالًا من البرادعي وهؤلاء العلمانيين"! فقلت له: لا تجعل هجوم بعض السلفيين عليك -بحق وبغير حق- يأخذك لاتجاه آخر؛ لأني تابعت لك بعض الردود على تويتر تؤكد ذلك، فوافقني الرأي بشدة ولم يخالفني

ذكَّرته بما جاء في صحيح البخاري في كتاب العلم بقول رَبيعة: "لا ينبغي لأحد عنده شيء من العلم أن يُضيِّع نفسه"، إشارة مني إلى أن الأمور السياسية أخذته بعيدًا عن مجال العلم والتراث الذي يعشقه! فأحسست أن كلامي يوافق هوى عنده، وأن بداخله شجون وآسى، فأخبرني أنه ينبغي أن نتقابل قريبًا لأن عنده بعض المشاريع العلمية التي ينبغي أن تخرج للنور، فسررت كثيرًا بما سمعت، ووعدته بزيارتي له في الإسكندرية قريبًا

قبل وفاته بيوم اتصلت بأحد أصدقائه المرافقين له بالمستشفى للاطمئنان عليه، وللتأكد من وصول كتاب جديد صدر لي كنت قد أرسلته له، وكان بجواره يجري بعض الفحوصات، فأبلغني السلام منه وأنه بحمد الله بخير، وفوجئت في الصباح بخبر وفاته. والله المستعان.

اللهم اغفر له وارحمه. وأنزل رحماتك على قبره وقبور المسلمين. آمين.


 
أشرف عبد المقصود
 

المصدر: المصريون