مع الأصدقاء ... إذا جفوا!!

منذ 2013-06-20

إن غائب الصديق لتحزب أو لفرقة خلاف فكري، أو لاختلاف فقهي أو سياسي، فتسبب ذلك في أدخل الشيطان فيما بينهم، فهذا ينبغي أن يكون له من صديقه التفهيم والتعقيل، وأن يبسط صدره له، ويوسع فهمه لخلافه، فالخلاف المعتبر لايفسد الوداد، واختلاف الرؤى لا يباعد الأجساد، فليسع إلى ود صديقه وليجتنب حواره فيما يسبب غضبه وفراقه ويثير أعصابه ويغيم إشراقه، فإن أصر الصديق ذلك على الفراق، فليصبر على حسن المعاملة، وليلذ بالصمت دون المجادلة، فإن أصر، فليس له من صديقه إلا السلام والابتسام، مع التقدير والاحترام.


أكثر المواقف إيلامًا موقف الفرقة بين الأصدقاء، بعدما جمعتهم الصحبة الطويلة، وآنستهم العشرة الحسنة، وعرفت خطواتهم معًا الطرقات، وتكاثرت بينهم المشاركات، في السراء والضراء، فتتألم قلوب الكرام من موقف الفراق أشد إيلام، وتنكسر بفقد خليلها، وتتحسر على عهد مضى كانوا فيه أخلاء وصحبة، حتى إن ذكرياتهم معًا لاتكاد تفارق مخيلتهم و لا تكاد تبتعد عن عيونهم.

والأصدقاء في فراقهم أنواع وأشكال:

فمن غائب عن صاحبه لشغل اشتغل به رغما عنه، فجمع يومه كله، فلم يبق له منه شيء، فلم يستطع أن يرعى صديقه، ولا يصاحب طريقه، ولا يأتنس بخلته، ومع طول البعاد صار لا يلقاه إلا في المناسبات الجامعة.

ومثل هذا له العتاب الرقيق، والوصل الشفيق، فهو لن يعدم تواصلًا في ساعات الراحات، ولن يعدم زيارة في أيام الإجازات، ولن يعدم مرسالًا بهدية، أو مكالمة تحسن الحالة المعنوية.

ومن غائب لجمع مال، هو في كفاية منه، ففضل المال على صحبة صديقه، والسير في طريقه، فهذا عتابه أشد، والغضب منه أظهر، فقد فضل الدرهم والدينار، والريال والجنيه والدولار على صحبة الأخيار.

فينبغي أن يكون له من صديقه الوجه الخشن والسلام العاتب والقول الصريح، وله في ذلك فرصة تلو الأخرى، فإن أصر واستمر، فنصيحتي لصديقه أن يتابعه بالمراسلة والمكاتبة، والزيارة ما استطاع عن بعد، ولايكثر من السؤال عنه، ولايكثر من زيارته؛ بل تكون زيارته والسؤال عنه للتذكير بالله ومعرفة إن كان في ملمة أو مشكلة، وغير ذلك فلا، وليجعله في جدول من أصدقاء ليسوا في المرتبة الأولى.

ومن غائب لتحزب أو لفرقة خلاف فكري، أو لاختلاف فقهي أو سياسي، فتسبب ذلك في فراقهم وأدخل الشيطان فيما بينهم، وهذا ينبغي أن يكون له من صديقه التفهيم والتعقيل، وأن يبسط صدره له، ويوسع فهمه لخلافه، فالخلاف المعتبر لايفسد الوداد، واختلاف الرؤى لا يباعد الأجساد، فليسع إلى ود صديقه وليجتنب حواره فيما يسبب غضبه وفراقه ويثير أعصابه ويغيم إشراقه، فإن أصر الصديق ذلك على الفراق، فليصبر على حسن المعاملة، وليلذ بالصمت دون المجادلة، فإن أصر، فليس له من صديقه إلا السلام والابتسام، مع التقدير والاحترام.

فإن كان سبب الفراق سوء أو ظلم أو خيانة، وعرف الدليل واتضحت الإبانة، وطال بينهما زمان المفارقة، فليعلم الصديق أن الله ناصره، وأن الحق ظاهره، فلا يتعجل وليصبر على صاحبه مع رد السوء بكلمة الحسنى، عملا بقوله تعالى: {
وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة من الآية:83].

فإن دارت الأيام، وجاءه ليعتذر، فليقبل عذره، وليغفر له، لكن ليضعه في مرتبة خاصة، دون الصديق الصدوق الوفي الذي لم يرتض فيه ملامة ولم يرض عنه كلمة سوء ولم يرتض وصفه بندامة.

ومن الأصدقاء من هو صاحب منفعة، فطول بقائه معك طول بقاء منفعته منك، فذلك فاطرح صحبته، ولا تبق منها إلا فعل الخيرات والنهي عن المنكرات.

ومنهم من يقدم نفسه عليك دومًا ويعطيك البقية، فيشرب من الإناء، ويعطيك سوره، ويريد منك أن تكون له خدمًا، فلا يبتدىء بفضيلة حتى تكون أنت البادىء، ولا يفاجئك بمكرمة حتى تكون أنت المفاجىء، فمثل هذا ليس بصديق، ولم يرتق لمرتبة الخلّة معك، فأنصحك بمصارحته ومكاشفته، ومعاملته بالمثل حتى ينتهي، فإن انتهى فاقبله، وإلا فلا، ولابأس ببعض الفضائل والدعاء له بالخير على كل حال.

ومنهم من يعامل صاحبه كالزوجة العصية، تغضب في لحظة، وتدير وجهها عنه في لحظة، ترضى إذا أحسن إليها، وتقلب له ظهر المجن إذا أخطأ، فهو فاجر في خصومته، لا يذكر عند الخصومة ودًا، وقد يصبر على بعد صاحبه دهرًا، فمثله فلا تعده في مراتب الأصدقاء، لكن عامله بالمداراة، واعرف مرتبته المتدنية، مع مكاشفته بأفعاله الغبية.

وبالعموم مذهبي مع هؤلاء ألا أعاقب بالهفوة، ولا بالخطأ المفرد ولا المتكرر مرة وأخرى، لكن إن كان الغلط ديدنه فهو ذاك المعاقب، وطريقتي معه أن تعرف قدر كل على حدة، وتضع كلًا منهم في مرتبة، فتقربهم بحسب مرتبتهم، لكن لا تعدهم شيئًا في تقلب الزمان، وادع الله لهم بالإصلاح الواحد الديان.

أما الصديق صاحب الوفاء العالم بالحقوق، كثير الفضائل الصالح الخلوق، الذي هو بالسؤال عنك دائم، وبصحبتك سعيد ملازم، وفي مصائبك داعم، وعلى إسعادك قائم، يجمعك به الحب في الله، على غير أرحام ولا منافع، يذكرك بالخير ليل نهار، ويدعو لك بكل خير الواحد القهار، لم يبعده عنك خلاف رأي، ولم ينسيه إياك تقلب سعي، وحاله معك دومًا في الخير في ازدياد، ويسأل الله أن يجعل صحبتكما فرحًا يوم المعاد، فبه فاستمسك، فهو نادر من النوادر، وعزيز على كل شاكر، فلتبادل إحسانه بالإحسان، ولتبادل خلقه بالفضل والإيمان، قال سبحانه: {
الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67].



خالد رُوشه
[email protected]


 

  • 1
  • 0
  • 3,160

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً