تموُّجات الزواج

عندما يتقدم شاب لوظيفة في شركة، فإنه يكون متحمِّس جدًّا في البداية، ويتصور أنه يعرف كل شيء، وأنه فاهم كل شيء، ويرتفع سهم الشاب إلى أعلى بسرعة كبيرة، ثم يفاجأ بأن السهم ينزل بنفس السرعة عندما يجد نفسه يتعثر في العمل وغير فاهم لبعض الأمور، وقد يفشل ثم يرجع يصعد ويهبط في خطوط متموِّجة، وهكذا إلى أن يفهم طبيعة العمل، وتتكرر النجاحات فيرتفع السهم ويسير على هذا الارتفاع في وضع شبه ثابت، وفي هذه الأثناء قد يترك الشركة للبحث عن غيرها، وقد يستمر إلى أن يتعلم مهارات هذه الوظيفة ويستقر في هذه الشركة، هذا ما يحدث في علم الإدارة.. وهذا الموقف مشابه للحياة الزوجية، فيبدأ الزوجان حياتهما بتحمُّس شديد، ثم يهبط هذا التحمُّس مع الواقعية اليومية في حياتنا، ورؤية كل شريك شريكه من زوايا مختلفة، وربما من زوايا كانت خافية عن الأعين قبل ذلك، فماذا يحدث في؟

  • التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -

موقف متكرر:
عندما يتقدم شاب لوظيفة في شركة، فإنه يكون متحمِّس جدًّا في البداية، ويتصور أنه يعرف كل شيء، وأنه فاهم كل شيء، ويرتفع سهم الشاب إلى أعلى بسرعة كبيرة، ثم يفاجأ بأن السهم ينزل بنفس السرعة عندما يجد نفسه يتعثر في العمل وغير فاهم لبعض الأمور، وقد يفشل ثم يرجع يصعد ويهبط في خطوط متموِّجة، وهكذا إلى أن يفهم طبيعة العمل، وتتكرر النجاحات فيرتفع السهم ويسير على هذا الارتفاع في وضع شبه ثابت، وفي هذه الأثناء قد يترك الشركة للبحث عن غيرها، وقد يستمر إلى أن يتعلم مهارات هذه الوظيفة ويستقر في هذه الشركة، هذا ما يحدث في علم الإدارة.. وهذا الموقف مشابه للحياة الزوجية، فيبدأ الزوجان حياتهما بتحمُّس شديد، ثم يهبط هذا التحمُّس مع الواقعية اليومية في حياتنا، ورؤية كل شريك شريكه من زوايا مختلفة، وربما من زوايا كانت خافية عن الأعين قبل ذلك، فماذا يحدث في؟

السنة الأولى:
قد تبدأ الحياة الزوجية بأحلام وردية ومع السنة الأولى للزواج: "يكتشف أحد الزوجين أنه قد عاش في وهم شهورًا أو سنوات، وأن هناك صفات لم يعهدها كل منهما في الطرف الآخر بدأت تطف وعلى السطح، فتبدأ مرحلة الشقاء، وقد تكون هناك محاولات للتأقلم على طباع الزوج أو الزوجة، والتي قد تنجح أحيانًا، ولكنها كثيرًا ما تجد الطريق مسدودًا أمامها مما يزيد من صعوبة الموقف" (لمن يريد الزواج وتزوج، فؤاد الصالح، ص:87) .والخطأ هنا أن كلا الزوجين يتوقع من شريك الحياة أن يفعل نفس الشيء الذي يفعله هو، ويظن أن الطرف الآخر قد تغير عما عرفه من ذي قبل.

تحت سقف واحد:
وهكذا يظن أكثر الأزواج أنه: "بمجرد إتمام الزواج، والتقاء الزوجين تحت سقف واحد أنهما أصبحا شيئًا ممتزجًا، فما يفرح هذا لا بد أن يفرح الآخر، وما يحزنه لا بد أن يحزن الآخر كذلك.. وهذا في الحقيقة تصوُّر خاطىء، لأنه يتجاهل الاختلاف بين الرجل والمرأة، وما خصَّ الله كلًا منهما به، ويسقط من الاعتبار الفترة الزمنية غير القصيرة التي قضاها شريك الحياة في بيئة حياتية وظروف اجتماعية خاصة، تركت بصماتها الواضحة عليه، وصاغت عاداته وطباعه ومزاجه وميوله.. ومن هنا على كل شريك فهم شريكه، فهم حاجاته ورغباته، فهم أحزانه وأفراحه، فهم كل شيء عنه" (كيف تبنين بيتًا سعيدًا؟ د. أكرم رضا، ص: 45).

الحلم الضائع:
وهذا رسم صورة حقيقية للتحمُّس الشديد في أول الارتباط والزواج ثم انطفاء هذا الحماس، وقد يصل الحد للانفصال، وقد وجدنا ارتفاع نسبة الطلاق بعد السنة الأولى من الزواج، كما في هذه القصة: "بخطوات يحدوها الشوق لبناء البيت السعيد سار ليطرق منزل إحدى العائلات يخطب كريمتهم، وبعد الرؤية الشرعية كان القبول بين الفتى والفتاة، وفي أثناء ذلك الحدث كان العروسان في قمة السرور والرضا، فهو حلم كل فتى وفتاة، وبعد العقد بدأ العروسان في تجهيز عش الأحلام الذي سيحتوي مشاعرهما..

ولما استكمل كل منهما ما يلزمه لعش الزوجية، كانا يعدَّان الساعات التي تفصلهما عن حلمهما حتى جاءت اللحظة المنشودة، وفي يوم الزفاف فتحا باب البيت الذي نسجته أحلامهما وتحوَّل أخيرًا إلى واقع ملموس، وبدا البيت وكأنه جنة الدنيا التي دخلاها لينعما بظلها الوارف وجمالها الأخاذ، وبعد أيام من اللقاء بدأت معالم الصورة تتغير، فرويدًا رويدًا أخذت لحظات السرور في الانحسار وتعكِّر صفو المحبة فلم تعد كسابق عهدها، وظهرت العيوب ودبَّ الخلاف بينهما في كثير من الأحيان، هي لم تتدرب بعد على أعمال المنزل وإعداد الطعام، فضلًا عن احتياجات الرجل النفسية والجسمية، كما أنها لم تفهم طبيعته كرجل، ونفسيته وطريقة كلامه ولغته، وكيف يتعامل مع المشكلات وكيف يحب؟ وهو لم يفهم المسئوليات الخاصة به، وكيف يتعامل مع المرأة، وكيف تتكلم ولغتها الخاصة بها، وطبيعة نفسيتها وكيف تتعامل مع المشكلات وكيف تحب؟

وبعد شهور قليلة حملت الفتاة واعتراها ما يعتري النساء من متاعب الحمل، وزادت الخلافات والمشاكل وهوة الفراق تتسع بينهما شيئًا فشيئًا، وخالفا بذلك توقعات الجميع من أن التفاهم والود سيزداد مع خبر انتظار المولود الأول، ورزق الله الزوجين الطفل الأول غير أن حالهما لم يتغير، بل ظل يتدهور حتى وصل إلى طريق مسدود، فكان الطلاق هو الحل لإنهاء الحياة المزعجة للطرفين، وتم الطلاق وحرم الصغير من حضن أبيه بعد أن ضاع حلمهما الجميل" (سنة أولى زواج، هيام محمد يوسف، ص: 5-6).

لماذا فشل هذا الزواج؟ لماذا وصلت العلاقة بينهما إلى هذه النهاية المؤلمة؟ هذا هو تساؤل الجميع..
إنني على قناعة أكيدة أن السبب أنهما اهتما بالجهاز المادي من أثاث وفرش وغير ذلك، ولم يفكِّرا في الجهاز النفسي، وهو أهم ما في الزواج، وهذا يتأتى عن طريق المعرفة، معرفة كل طرف بطبيعة الآخر والمسئوليات المناطة به، والاتفاق على بناء رؤية مشتركة للحياة القادمة، وهذا التجهيز النفسي والمعنوي والمعرفي أهم بكثير من التجهيز المادي، لأن السعادة الزوجية لا تقوم إلا على التوافق النفسي بين الزوجين.

تبدل التوقعات:
إن مما يجعل العلاقة تتوتر بين الزوجين ويشوبها الانزعاج ما يمكن أن نطلق عليه (تبدل التوقعات)، "فالزوجة قد تتوقع مثلًا أن يكون هناك حديث طويل بينهما كلما عاد الزوج من عمله، والرجل قد يتوقع أن تسعى زوجته في رعايته وبكل ما تستطيع عندما يصاب بمرض أو رشح، وقد تتوقع الزوجة رحلة في كل إجازة صيفية، بينما يتوقع هو إنجاب مولود في نهاية السنة الأولى من زواجهما، وقد يتوقع أحدهما أن يكون الآخر مثله تمامًا في كل الأمور، أو أن يرغب في نفس الأمر الذي يرغب هو فيه، أو أن يكون له نفس الذوق ونفس التفكير" (التفاهم في الحياة الزوجية، د. مأمون مبيض، ص: 27، بتصرف).

إن مثل هذه التوقعات أبعد ما تكون عن الواقع العملي المعاش، ولذلك يصاب بخيبة الأمل والإحباط .
ومن هذه الأمور فكرة أن تكون العلاقة الزوجية دومًا كما هي الحال في أيام الزواج الأولى، بدون خلاف أو اختلاف في وجهات النظر، هذه التوقعات غير الواقعية تسيء جدًّا للعلاقة الزوجية، لأن اختلاف وجهات النظر هو من الأمور الطبيعية جدًّا في أي علاقة بشرية، وأن برودة العلاقة لبعض الوقت أو حتى بعض الانزعاج من الطرف الآخر ليس دليلًا على انتهاء العلاقة الزوجية، وإنما دليل على أن هذه العلاقة ما زالت حية وقابلة لمزيد من النمو والتطور، إن مثل هذه التبدلات هي من الأمور التي يجب أن يتعلم الزوجان توقعها والاستعداد لمواجهتها، عندما يحين وقتها متسلحين بالمعرفة والحكمة والقدرة على التكيف والتأقلم.

كيف نحل هذه المشكلة؟
1- وصول الطرفين إلى مرحلة النضج: "وهذا يتطلب عملًا إيجابيًّا مشتركًا، وهو حث الطرف الآخر على النمو، وتشجيعه على مجهوداته مع التعبير عن تقديرنا لفظيًّا" (النساء لا يسمعن ما لا يقوله، د. وارين فاريل، ص: 425).
2- "تكوين العلاقات الحميمة بغرض العطاء أساسًا وليس الأخذ.
3- علينا قبل أن نتزوج أن نتعلم كيف نكون معتمدين على أنفسنا، محققين الاكتفاء الذاتي، ذلك أنه عندما تكون حياتنا مستوفاة قبل الزواج مع حبِّنا لأنفسنا، فإننا بذلك لا نكون معتمدين على شركاء الحياة" (معجزات عملية للمريخ والزهرة، د. جون جراي، ص: 279-278).

المصادر:
· معجزات عملية للمريخ والزهرة، د. جون جراي.
· النساء لا يسمعن ما لا يقوله، د. وارين فاريل.
· التفاهم في الحياة الزوجية، د. مأمون مبيض، ص(27).
· سنة أولى زواج، هيام محمد يوسف.
· كيف تبنين بيتًا سعيدًا؟ د. أكرم رضا.
· لمن يريد الزواج وتزوج، فؤاد صالح.
 

أم عبد الرحمن محمد يوسف

المصدر: مفكرة الإسلام