النسمة الرابعة : الموعد الجنة (8)

خالد أبو شادي

أخى .. كم فرغت من وقتك حتى تطمع فى جنته؟! بالنهار طلب المعاش، بالليل نوم الفراش ملأت قلبك الضعف بهم السنين والأيام، وهم الغلاء وهم الرخص، وهم العيال وأم العيال، وهم مؤونة الصيف قبل مجيء الصيف، وهم مؤونة الشتاء قبل قدوم الشتاء، فماذ أبقيت من هم قلبك للآخرة؟!، جهزت البنات وزوجت البنين، وأنت .. بماذا تجهزت للرحيل؟! بماذا تجهزت؟! بماذا؟! ذهب عرش بلقيس، وبلى جمال زليخا، وغرق ملك قارون، وبقى زهد مصعب، وعدل عمر، وتقوى أبى بكر، وفي الجنة يطيب اللقاء .. أراكم هناك أن شاء الله.

  • التصنيفات: الزهد والرقائق -
  • فماذا رأى في الجنة؟! وظل سعيد يسرد ما رأى من القصور والحور العين حتى انتهى إلى سرير عليه واحدة من الحور العين كأنها اللؤلؤ المكنون فقالت له: قد طال انتظارنا إياك، فقلت لها: أين أنا ؟! قالت: في جنة المأوى. قلت: ومن أنت؟! قالت: أنا زوجتك الخالدة. فمددت يدي لأمسها فردتها بلطف وقالت: أما اليوم فلا، إنك راجع إلى الدنيا، فقلت: ما أحب أن أرجع، فقالت: لابد من ذلك وستقيم ثلاثا ثم تفطر عندنا في الليلة الثالثة إن شاء الله، فقلت: فالليلة .. الليلة. قالت: إنه كان أمرا مقضيا. ثم نهضت عن مجلسها، فوثبت لقيامها فإذا أنا قد استيقظت.

    قال هشام: فأحدث لله شكرا يا أخي، فقد أراك الله ثواب عملك، فقال: هل رأى أحد مثل ما رأيت؟ فقلت: لا. فقال: أسألك بالله إلا سترت علي ما دمت حيا، فقلت: نعم، ثم انطلق سعيد .. في النهار قتال مع الصيام .. وفي الليل قيام مع بكاء .. إلى أن حان الموعد وأقبلت الليلة الثالثة فلم يزل يقاتل العدو يصيبهم ولا يمسونه، وأنا أرعاه من بعيد لا أستطيع الدنو منه، حتى إذا مالت الشمس للغروب تعمده رجل من فوق الحصن بسهم فوقع في نحره فخر صريعا وأنا أنظر إليه، فأقبلت إليه مسرعاً وقلت له: هنيئا لك بما تفطر الليلة .. ياليتني كنت معك .. ياليتني كنت معك، فعض شفته السفلى، وأومأ إلى ببصره، وهو يضحك، يعني: 
    اكتم أمري حتى أموت، ثم قال: الحمد لله الذي صدقنا وعده فوالله ماتكلم بشيء غيرها ثم مضى رحمه الله. قال: فصحت بأعلى صوتي: يا عباد الله .. لمثل هذا فليعمل العاملون، وأخبرتهم بالخبر، فبات الناس يذكرون حديثه ويحرض بعضهم بعضا، ثم أصبحوا فنهضوا إلى الحصن بنيات صادقة وقلوب مشتاقة إلى لقاء الله، فما أضحى النهار حتى فتح الله الحصن ببركة هذا الرجل الصالح.
     
  • الجنة المشتاقة: في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة: على وعمار وسلمان» (حسن كما فى ص ج ص رقم 1598).

    أهانت عليك الجنة؟!
  • حتى ترى الجنة الذي تنفقه في سبيل الله كبير في عينيك، ومبلغا تافها جدا تأخذه إلى السوق !!.
  • حتى ترى الساعة التي تقضيها في طاعة الله طويلة مملة، لكن ما أسرعها حين تكون فى مباراة كرة قدم أو مشاهدة فيلم سهرة!!.
  • حتى تفرح عندما تعطى المباراة وقتا إضافيا، ولكنك تشكو وتتململ عندما تطول خطبة الجمعة عن وقتها المعتاد !!.
  • حتى تزاحم للحصول على المقعد الأمامي في أية لعبة أو حفلة من الحفلات، بينما تزاحم على الجلوس فى الصف الأخير من المسجد وقت الصلاة !!. 

وأنت ما اشتقت بعد إلى الجنة ؟! أخى .. كم فرغت من وقتك حتى تطمع فى جنته؟! بالنهار طلب المعاش، بالليل نوم الفراش ملأت قلبك الضعف بهم السنين والأيام، وهم الغلاء وهم الرخص، وهم العيال وأم العيال، وهم مؤونة الصيف قبل مجيء الصيف، وهم مؤونة الشتاء قبل قدوم الشتاء، فماذ أبقيت من هم قلبك للآخرة؟!.
جهزت البنات وزوجت البنين، وأنت .. بماذا تجهزت للرحيل؟! بماذا تجهزت؟! بماذا؟! ذهب عرش بلقيس، وبلى جمال زليخا، وغرق ملك قارون، وبقى زهد مصعب، وعدل عمر، وتقوى أبى بكر، وفي الجنة يطيب اللقاء .. أراكم هناك أن شاء الله.