الخيرة في ما اختاره الله

ما من أمرٍ من الأمور في هذا الكون إلا بقدرةِ وحكمةِ وتقديرِ بليغ، فإذا كان فوات المطلوب فلا تأس ولا تحزن ولا تسخط، وإذا كان تحقيق المراد وانفتاح الدنيا وإغداق النِّعم لا تفرح الفرح المؤدي إلى نسيان الله والبطر والغرور..

  • التصنيفات: التقوى وحب الله - تزكية النفس -

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ورحمة الله للعالمين.

وبعد..

من حكم ابن عطاء الله: "لا يكُنْ تَأخُّرُ أَمَدِ العَطاء مَعَ الإلْحاحِ في الدّعَاءِ مُوجبًا ليأسِك، فهو ضَمِنَ لَكَ الإجابَةَ فيما يختارُهُ لكَ لا فيما تختاره لنَفْسكَ وفي الوقْتِ الذي يُريدُ لا في الوقْت الذي تُريدُ".

أي لا يكن تأخَّر وقت العطاء المطلوب مع المداومة في الدعاء موجبًا ليأسك من إجابة الدعاء ومدعاة لانقطاع الدعاء فهو سبحانه ضمن لك الإجابة بقوله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60].

فإذا دعوت الله وسجدت له واعترفت بفقرك وضعفك وحاجتك وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله فقد استجاب لك، ولكن فيما يختاره لك لا فيما تختاره لنفسك فإنه أعلم بما يَصلُح لك منك. فربما طلبت شيئًا كان الأولى منعه عنك فيكون المنع عين العطاء. فربما منعك فأعطاك وربما أعطاك فمنعك. وكذلك ضمن لك الإجابة في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد.

فما نحن إلا عباد لله نثق ونرضى ونصبر على قضائه وقدره، فقم أيها العبد بما أمرك الله به وسلِّم له نفسك. فربما أجابك وادخر لك بدل مطلوبك ما تنال به الحسنى وزيادة.

يقول الإمام علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه:

وكم لله من لطفٍ خفيٍ *** يَدِقّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمِ الذَّكِيِّ
وَكَمْ يُسْرٍ أَتَى مِنْ بَعْدِ عُسْر *** فَفَرَّجَ كُرْبَة َ القَلْبِ الشَّجِيِّ

وكم أمرٍ تُساءُ به صباحًا *** وَتَأْتِيْكَ المَسَرَّة ُ بالعَشِيِّ
إذا ضاقت بك الأحوال يومًا *** فَثِقْ بالواحِدِ الفَرْدِ العَلِيِّ
وَلاَ تَجْزَعْ إذا ما نابَ خَطْبٌ *** فكم للهِ من لُطفٍ خفي

ومن الحكم العطائية: "لا يُشَكِّكَنَّكَ فِي الْوَعْدِ عَدَمُ وُقُوعِ الْمَوْعُودِ. وَإِنْ تَعَيَّن زمنُه لِئَلَّا يَكونَ ذلك قَدْحًا في بَصِيرتِكَ وَإِخْمَادًا لنور سَرِيرَتِك".

وذلك لجواز أن يكون وقوع ذلك الموعود مُعلَّقًا على أسباب وشروط لم تحصل. فالعبد من تأدَّب مع ربه ولم يتزلزل عند تأخُّر ما وعده به. وثمرة هذا الثقةُ في الله والاطمئنانُ إلى حكمته وتدبيره {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ . لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد:22-23].

فما من أمرٍ من الأمور في هذا الكون إلا بقدرةِ وحكمةِ وتقديرِ بليغ، فإذا كان فوات المطلوب فلا تأس ولا تحزن ولا تسخط، وإذا كان تحقيق المراد وانفتاح الدنيا وإغداق النِّعم لا تفرح الفرح المؤدي إلى نسيان الله والبطر والغرور.

فتأتي النجاة من قلب الهلاك، وتكتب الحياة في زحام الموت، ويكون الموت مع توفر أسباب الحياة. فكثيرًا ما نمرُّ بصعاب يظن الإنسان أنها نهاية العالم ويتبرَّم ويُصاب بالأزمات النفسية ويلجأ البعض إلى الانتحار إلا من اطمأن قلبه بثقته في ربه الخالق المدبر الحكيم القدير سبحانه وتعالي.

الماء من قلب الصخر:

فبني إسرائيل مع نبي الله موسى عليه السلام وهم في طريقهم إلى بيت المقدس لتحريره منَّ الله عليهم بالمنِّ والسلوى فعطشوا وانقطعت بهم السبل وبدا شبح الهلاك يلوح في الأفق، غير أنهم في طريق الله وفي سبيله أيتركهم الله؟ أيتخلى عنهم؟ كلا.. {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة:60]. وهم بعد ذلك حادوا عن الطريق فغيَّروا وبدَّلوا ففرض الله عليهم التِّيه والضلال. فإذا وثقنا في الله وفي شريعته وتطبيق حكمه ننعم بالخيرات والبركات وعسى أن تكرهوا: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة:216].

يقول سيد قطب رحمه الله: "إن الإسلام يُقرِّر أن من الفرائض ما هو شاق مرير كريه المذاق؛ ولكن وراءه حكمة تُهوِّن مشقته، وتسيغ مرارته، وتحقق به خيرًا مخبوءًا قد لا يراه النظر الإنساني القصير.. فمن يدري فلعل وراء المكروه خيرًا. ووراء المحبوب شرًا. إن العليم بالغايات البعيدة، المُطَّلع على العواقب المستورة، هو الذي يعلم وحده. حيث لا يعلم الناس شيئًا من الحقيقة. وعندما تنسم تلك النسمة الرخية على النفس البشرية تهون المشقة، وتتفتح منافذ الرجاء، ويستروح القلب في الهاجرة، ويجنح إلى الطاعة والأداء في يقين وفي رضاء.

وهكذا يُربي الإسلام الفطرة، فلا تملّ التكليف، ولا تجزع عند الصدمة الأولى، ولا تخور عند المشقة البادية، ولا تخجل وتتهاوى عند انكشاف ضعفها أمام الشدة. ولكن تثبت وهي تعلم أن الله يعذرها ويمدها بعونه ويُقوِّيها. وتصمم على المضي في وجه المحنة، فقد يكمن فيها الخير بعد الضُرّ، واليُسرِ بعد العُسر، والراحة الكبرى بعد الضنى والعناء. ولا تتهالك على ما تحب وتلتذ.. فقد تكون الحسرة كامنة وراء المتعة! وقد يكون المكروه مختبئًا خلف المحبوب، وقد يكون الهلاك متربِّصًا وراء المطمع البرَّاق.

إنه الدخول في السِّلم من بابه الواسع.. فما تستشعر النفس حقيقة السلام إلا حين تستيقن أن الخيرة فيما اختاره الله.. وأن الخير في طاعة الله دون محاولة منها أن تجرب ربها وأن تطلب منه البرهان! إن الإذعان الواثق والرجاء الهادئ والسعي المطمئن.. هي أبواب السلم الذي يدعو الله عباده الذين آمنوا ليدخلوا فيه كافة. لقد كان المؤمنون الذين خرجوا يوم بدر يطلبون عِير قريش وتجارتها، ويرجون أن تكون الفئة التي وعدهم الله إيَّاها هي فئة العِير والتجارة. لا فئة الحامية المقاتلة من قريش. ولكن الله جعل القافلة تفلت، ولقاهم المقاتلة من قريش! وكان النصر الذي دوّى في الجزيرة العربية ورفع راية الإسلام. فأين تكون القافلة من هذا الخير الضخم الذي أراده الله للمسلمين! وأين يكون اختيار المسلمين لأنفسهم من اختيار الله لهم؟ والله يعلم والناس لا يعلمون!

وكل إنسان -في تجاربه الخاصة- يستطيع حين يتأمَّل أن يجد في حياته مكروهات كثيرة كان من ورائها الخير العميم. ولذات كثيرة كان من ورائها الشرِّ العظيم. وكم من مطلوب كاد الإنسان يذهب نفسه حسرات على فوته؛ ثم تبيَّن له بعد فترة أنه كان إنقاذًا من الله أن فوت عليه هذا المطلوب في حينه. وكم من محنة تجرَّعها الإنسان لاهثًا يكاد يتقطع لفظاعتها. ثم ينظر بعد فترة فإذا هي تنشئ له في حياته من الخير ما لم ينشئه الرخاء الطويل، إن الإنسان لا يعلم. والله وحده يعلم. فماذا على الإنسان لو يستسلم؟" (في ظلال القرآن بتصرُّف).

عسى أن يكون الخير كامنًا في الشر: {فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء من الآية:19].
ويتجسَّد هذا المعنى في قصة موسى والعبد الصالح عليهما السلام، الحكمة الإلهية العليا، التي لا ترتب النتائج القريبة على المُقدِّمات المنظورة، بل تهدف إلى أغراض بعيدة لا تراها العين المحدودة. خرق فيه البركة والنجاة من الغصب {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف:79]، فبهذا العيب نجت السفينة من أن يأخذها ذلك الملك الظالم غصبًا؛ وكان الخرق الصغير الذي أصابها اتقاءً لضرر كبير كان ينتظرها لو بقيت على سلامتها.

سفينتك قد تكون زوجتك التي فقدتها بشهادةٍ أو اعتقال، وقد يكون ابنك المجروح أو مالك المُصَادر أو وظيفتك أو عزيز لديك.

لو خُرِقت سفينتك أترضى بقضاء الله وتعلم أن الله يُدبِّر لك خيرًا تجهله فيه النجاة، أم تسخط وتستنكر قضاء الله؟
وماذا لو أن المساكين أصحاب السفينة استنكروا ما فعله العبد الصالح ولاموه على ذلك وأصلحوا ما خَرَق؟! غُصِبَت سفينتهم وكانوا من الخاسرين.

وقتل رحيم فيه لطفٍ خفي {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [الكهف من الآية:80] فهذا الغلام لا يستحق القتل في الظاهر، ولكن الغيب يُطْلِع العبدَ الصالح على سبب قوي لقتله، إنه سينشأ كافرًا طاغيًا، تكمن في نفسه بذور الكفر والطغيان، فلو عاش لأرهق والديه المؤمنَيْنِ بكفره وطغيانه، وقادهما بدافع حبهما له أن يتبعاه في طريقه. فأراد الله ووجه إرادة عبده الصالح إلى قتل هذا الغلام، وأن يبدلهما الله خلفًا خيرًا منه، لطفًا ورحمة به وبوالديه، فيدخلوا جميعًا في رحمته يوم القيامة أم أنهم مع حياته يدخلون في عذابه يوم القيامة؟ الآن ينكشف الستر عن حكمة ذلك التصرُّف، كما انكشف عن غيب الله الذي لا يطلع عليه أحدًا إلا من ارتضى.

عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلاَءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ» (رواه الترمذي، وحسَّنه الألباني).

فأيهما تختار.. اختيار الله وتدبيره لك أم اختيارك وتدبيرك لنفسك؟

فلماذا لا نثق في حكمة الله وتدبيره ونرضى باختياره ونُطبِّق شرعه؟ لماذا ننتظر دائمًا أن نعلم الحكمة في قضائه وتدبيره قبل أن نُسلِّم ونُفوِّض الأمر لله؟

إذا كنت مبتلى فاعلم أن الله اختار لك أن تغبط يوم القيامة لما تناله من خيرٍ عميم، وثواب عظيم.. يُعوِّضك عن بلواك في الدنيا فلا تشغل نفسك بما يُطغيك ويُنسيك الله ويُشقيك ويُرديك في الآخرة.

وما مشهد سراقة بن مالك وعمر ابن الخطاب رضي الله عنهما ينادي في الناس ليُلبِسه سوارى كسرى إلا دليلًا على أن الثقة في الله وفي شرعه هي النجاة مهما طال الزمن وبعدت المسافات.

كنزٌ وصَّى به إبراهيم بنيه ويعقوبُ عليهم السلام، ومن هنا نخرج بحديثٍ هو كنزٌ من كنوزٍ السنة المطهَّرة، آه لو عِشنا بهذه النفسية الواثقة المطمئنة إلى ربها اللطيف الخبير..

عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا نَبِي اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَتَصْدِيقٌ بِهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ». قَالَ: أُرِيدُ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «السَّمَاحَةُ وَالصَّبْرُ». قَالَ: أُرِيدُ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «لاَ تَتَّهِمِ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي شَيءٍ قَضَى لَكَ بِهِ» (رواه أحمد، وحسَّنه الألباني).

قِيلَ لِيَحْيَى بْنِ مُعَاذٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَتَى يَبْلُغُ الْعَبْدُ إلَى مَقَامِ الرِّضَا؟ فَقَالَ: "إذَا أَقَامَ نَفْسَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ فُصُولٍ فِيمَا يُعَامِلُ بِهِ رَبَّهُ، فَيَقُولُ إنْ أَعْطَيْتنِي قَبِلْت، وَإِنْ مَنَعْتنِي رَضِيت، وَإِنْ تَرَكَتْنِي عَبَدْت، وَإِنْ دَعَوْتنِي أَجَبْت".

معيار السعادة الحق:

إن للسعادة معيارًا لا يعلمه كثير من الناس.. فمتى شعر المرء برضا ربه وثقته هو في ربه وفي دينه شعر بالسعادة حتى ولو لم يملك من الدنيا إلا ما يَسدّ به رمقه، ويشعر بحلاوةٍ لا تضاهيها حلاوة وفي ذلك روى مسلم عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِي بِاللَّهِ، رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا».

شعر براحة البال وسعادة القلب وطمأنينة النفس من رَضِي بالله ربًّا مُدبِّرًا مُشرِّعًا إلهًا حاكمًا، وبالإسلام دينًا يَدِين به، أي يتخذه منهجًا يسيِّر به أموره ويتبع شرعته، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم قدوةً ومثلًا لتطبيق هذا الدين واتباع هذه الشريعة.

قَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ: "الرِّضَا بَابَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ، وَجَنَّةَ الدُّنْيَا، وَمُسْتَرَاحَ الْعَارِفِينَ، وَسِرَاجُ الْعَابِدِينَ وَحَيَاةَ الْمُحِبِّينَ، وَنَعِيمَ الْعَابِدِينَ، وَقُرَّةَ أَعْيُنِ الْمُشْتَاقِينَ".

ولهذا حثَّ نبينا صلى الله عليه وسلم على استذكار هذا المعنى دائمًا عند كل أذان عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي لله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا. غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ» (رواه مسلم).

وعند كل صباح ومساء عَنْ أَبِي سَلاَّمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَقُولُ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُرْضِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (رواه أحمد، وابن ماجة).

وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم عن أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ دُعَاءً وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَعَاهَدَ بِهِ أَهْلَهُ كُلَّ يَوْمٍ قَالَ: «قُلْ كُلَّ يَوْمٍ حِينَ تُصْبِحُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ وَمِنْكَ وَبِكَ وَإِلَيْكَ، أَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي تَكِلْنِي إِلَى ضَيْعَةٍ وَعَوْرَةٍ وَذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ وَإِنِّي لاَ أَثِقُ إِلاَّ بِرَحْمَتِكَ فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» (رواه أحمد، وصحَّحه الألباني).

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ . وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:180-181].

 


عبد الوهاب عمارة

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام