المولد بدعة فاطمية

منذ 2015-01-05

بقي النَّظر في هذه الموالد التي تُقام في هذه الأزمان، ولا شُبهة أنَّها لا تخلو عن المُحَرَّمات والمكروهات، وقد أصبحت مَراتِع الفسوق والفجور، وأسواقاً تباع فيها الأعراض، وتُنْتَهك محارم الله - تعالى -، وتُعَطَّل فيها بيوت العبادة، فلا ريبة في حرمتها، والمصلحة المقصودة منها لا تُبيح هذه المحظورات التي فيها، ويمكن تأديتها من غير هذا الوجه.

الموالِد هي الاجتماعات التي تُقام لتكريم الماضين مِن الأنبياء والأولياء، والأصل فيها أن يُتحرى الوقت الذي وُلِد فيه مَن يُقصَد بعمل المولد، وقد يُتوسَّع فيها حتى تتكرَّر في العام الواحد.

أوَّل مَن أَحدَث الموالِد:

أَوَّل مَن أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون في القرن الرابع، فابتدعوا ستة موالد.

* المولِد النَّبوي.

* مولد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.

* مولد السيدة فاطمة الزهراء.

* مولد الحسن - رضي الله عنه -.

* مولد الحسين - رضي الله عنه -.

* مولد الخليفة الحاضر.

وبقيت هذه الموالد على رسومها إلى أن أبطلها الأفضل ابن أمير الجيوش، ثُمَّ أُعِيدت في خلافة الآمر بأحكام الله بَعْد مَا كاد النَّاس ينسونها.

مِن المفاسد المُحَرَّمة لهذه الموالد:

- إضاعة الأموال بكثرة الوقود في المساجد والطرق، وإيقاد الشموع والمصابيح في الأضرحة، وكل ما يرجع إلى الإسراف والتبذير، وفي الحديث: ((إِنَّ الله كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثاً؛ قِيلَ وقالَ، وإِضاعةَ المالِ، وكَثْرَةَ السُّؤَال)).

- انتهاك حُرمة المساجد بتقذيرها، وكثرة اللغط فيها، ودخول الأطفال حُفاة أو بالنعال فلا يكاد يتيسر لأحد إقامة الشعائر في مسجد يُعمل فيه موْلِد.

- خروج النساء متبرجات مع اختلاطهنَّ بالرجال إلى حدٍّ لا يُؤْمَن معه وقوع الفاحشة، وناهيك عما يكون مِن البغايا، وطلبهنَّ الفاحشة جِهَاراً.

- سماع الأغاني وآلات الطَّرب على الوجه المُحَرَّم بالإجماع، وغير ذلك مما يُفسد أخلاق الأُمَّة، ويبعث في نفوس الشُّبان روح العشق والميل إلى الفجور.

- قراءة القرآن على غير الوجه المشروع، فيرجِّعون فيه كترجيع الغناء، غير مُراعين فيه ما يجب له مِن الآداب، والسُّنة في تلاوته أن تكون بخشوع، وبعض القراء يفتتح مجلس المولد بقراءة شيء من القرآن، ثم يشرع في قراءة قصة المولد النبوي قليلاً، ثُمَّ يأخذ في الغناء بقصائد الغزل، فترتفع أصوات السامعين بالاستحسان، وينقلب إلى مجلس لهو وعبث بكرامة المسجد، وكل ذلك مع ما فيه مِن تعريضه للإهانة، وعدم الاحترام لكتاب الله - تعالى - ضد ما وصف الله به المؤمنين عند سماع كلامه حيث قال: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ).

- تَطَلُّب الرِّياء والسُّمْعَة بما ينفق في سبيل المولد، فترى الأغنياء يتنافسون في الليالي التي يحيونها بأسمائهم، وكلٌّ يجتهد في أن تكون ليلته أحسن الليالي لِيُقَال إقامة حلقات الذِّكر المُحَرَّف في المساجد أيام المولد مع ارتفاع أصوات المنشدين مع التصفيق الحاد مِن رئيس الذَّاكرين بل الرَّاقصين، وقد يضربون على البازة أو السلامية أثناء الذِّكر، وفي المسجد، وكل ذلك غير مشروع بإجماع العلماء، ولم يكن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا عهد الخلفاء ومَن بعدهم مِن الصحابة والتابعين، ولا عهد الأئمة الأربعة المجتهدين - رضي الله عنهم أجمعين -.

ومِن المفاسد المكروهة:

* قراءة القرآن على قارعة الطريق، وفي الحوانيت.

* التَّكلُّف الذي يقع منهم في الوفاء بشهواتهم.

* الإفراط في السَّهر الذي يترتب عليه تضييع الصلوات، وضرر الأبدان.

* شَدُّ الرِّحال إلى البقاع النائية، وإهمال المزارع والصنائع والبيوت حتى تصير عرضة للتَّلف، وسطو اللصوص، إلى غير ذلك مما لا يخفى على بصير.

بقي النَّظر في هذه الموالد التي تُقام في هذه الأزمان، ولا شُبهة أنَّها لا تخلو عن المُحَرَّمات والمكروهات، وقد أصبحت مَراتِع الفسوق والفجور، وأسواقاً تباع فيها الأعراض، وتُنْتَهك محارم الله - تعالى -، وتُعَطَّل فيها بيوت العبادة، فلا ريبة في حرمتها، والمصلحة المقصودة منها لا تُبيح هذه المحظورات التي فيها، ويمكن تأديتها من غير هذا الوجه.

والقاعدة أنَّ درء المفاسد مُقَدَّم على جلب المصالح، وأنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - اكتفى مِن الخير بما تيسر، وفَطَم عن جميع أنواع الشَّر حيثُ قال: ((فإِذا نَهَيْتُكمْ عَن شيءٍ فَاجتَنِبوهُ، وإِذا أمرتُكم بِأَمرٍ فَأتوا مِنهُ مَا اسْتطعْتُمْ)) فهو صريح في أنَّ الشر وإن قلَّ لا يُرَخَّص في شيء منه، والخير يُكْتَفَى منه بما تَيسَّر.

ولو لم يكن في الموالد الآن إلا اتخاذ قبور الأنبياء والأولياء عيداً لكفى في المنع منها، فقد روى أبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا عليَّ أينما كنتم فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم))، ومعنى اتخاذه عيداً أن يقصد بالتوجه إليه مرة بعد أخرى، ويظهر عنده الفرح والسرور، وتقع عنده العبادة، وذبح الذبائح، وإطعام الطعام على نحو ما كان يفعله أهل الجاهلية عند الأوثان.

والنهي عن اتخاذ البيوت قبوراً في معنى الأمر بتحري النافلة في البيوت حتى لا تكون بمنزلة القبور، والنهي عن تحري العبادة عند القبور، وأشار بقوله: ((فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم)) إلى أن القرب من قبره والبعد عنه سواء، فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيداً كما اتخذ المشركون من أهل الكتاب قبور أنبيائهم وصالحيهم عيداً من أعيادهم التي كانوا عليها قبل الإسلام، وقد كان لهم أعيادٌ زمانية ومكانية أبطلها الله - تعالى - بالإسلام، وعوّض عن أعيادهم الزمانية عيد الفطر والنحر، وأيام منى، وعن المكانية الكعبة البيت الحرام، وعرفات ومنى والمشاعر، كما سبق ذلك في بدع المقابر والأضرحة.

علي محفوظ

  • 0
  • 0
  • 1,451

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً