الأفغان يجيدون إطفاء جمر الاحتلال يا أوباما

ممدوح إسماعيل

يبدو واضحًا أن شعار التغيير الذي رفعه أوباما لسياسته إقليمي فقط،
داخل الولايات المتحدة الأمريكية، أما خارجها فليس من حق الشعوب
المسلوبة حقوقها أن ترى تغييرًا في السياسة الأمريكية!!

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

سطَّر التاريخ أن الشعب الأفغاني من الشعوب الأبيَّة التي تأبى الاحتلال، وقد سطر التاريخ له دحر الإسكندر المقدوني والبريطانيين، ثم الاتحاد السوفيتي، الذي انتهى وتفكك وانهار على يد المجاهدين الأفغان الفقراء الأقوياء.

وقد اشتهرت في أفغانستان مسابقة معروفة باسم "إطفاء الجمر"، وهو عنوان واضح لطبيعة الشعب الأفغاني الذي يتميز بالصلابة والجلد عامة، وخاصة مقاتلي طالبان المنحدرين من الجنوب الأفغاني من قندهار، الذين اشتُهرت عندهم المسابقة الشعبية المشهورة، التي يُطلق عليها "إطفاء الجمر"، وهي مسابقة تتلخص في حمل اللاعبين لجمر مشتعل بأيديهم لمدة طويلة حتى تنطفئ، ويكون الفائز في هذه المسابقة هو من لا يتحرك أو يتأوه، وهو مما يدل على مدى قوة الجلد عند أفرادها.

وهنا الجزء الهام الذي لم تفهمه وتستوعبه الإدارة الأمريكية في طبيعة الشعب الأفغاني، ألا وهو الجلد والصبر، وقد قوي هذا الجلد بالإيمان بالله وبالإسلام الذي يشكل عقيدة راسخة لدى الأفغان.

فقد مضت سبع سنوات على الاحتلال الأمريكي المدعوم بقوات الناتو لأفغانستان، ولم يتأوه الشعب الأفغاني من جمر الاحتلال، بل صمد وصبر وقاوم، ومع ذلك عندما أوشك جمر الاحتلال على الانطفاء يقرر أوباما إشعال جمر جديد، غير مدرك ولا مستوعب لحقائق التاريخ والواقع الأفغاني، الذي يجيد الصبر على جمر نار الاحتلال حتى ينطفئ ويرحل.

وكان لافتًا في خطاب الرئيس أوباما السياسي توجهه نحو أفغانستان بالقوة العسكرية، في الوقت الذي يقرر فيه الانسحاب العسكري المتدرج من العراق، مع بقاء قواعد عسكرية أمريكية بالعراق، وهو خطاب يعكس تناقضًا واضحًا مع شعاره السياسي المعنون بالتغيير، الذي جاء به للبيت الأسود، وهو شعار تحتوي مفراداته على دعم للديمقراطية وحقوق الإنسان، وما يتطلبه ذلك من إعطاء الشعوب حقها في تقرير مصيرها وإنهاء الاحتلال.

وبدلًا من أن يستوعب الرئيس الأمريكي تصاعد المقاومة من أجل سعيها في التحرر من الاحتلال الأمريكي الغاشم، ويعطي الأفغان حقهم في الاستقلال بإعلانه الانسحاب العسكري، قرر في 18 فبراير 2009م إرسال 17 ألف جندي أمريكي إلى أفغانستان لزيادة القوات العسكرية الأمريكية، وهو تأكيد لسياسته العسكرية تجاه أفغانستان، بالرغم أنه صرح عقب قراره قائلًا: إن الوضع في أفغانستان يبدو أنه يزداد سوءًا، وإن الحل يتطلب ما هو أكثر من مجرد القوة العسكرية.

ثم قال أوباما لمحطة تلفزيون "سي.بي.سي" في مقابلة 18 فبراير، أن "هناك الكثير من بواعث القلق بشأن صراع استمر وقتًا طويلًا الآن، ويبدو بالفعل أنه يتدهور في الوقت الحالي".

من الواضح أن تصريحات أوباما تعكس قلقًا واضحًا من هزيمة عسكرية للولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان، بمعنى عدم تحقيقها للأهداف المنشودة، وهو ما أكده كلٌ من وزير الدفاع الأمريكي "روبرت جيتس" في بولندا، عقب اجتماع وزراء دفاع حلف الأطلسي، بقوله: أن القوات الأمريكية تواجه اختبارًا عسيرًا في أفغانستان، وأيضًا قائد القوات الأمريكية في أفغانستان الجنرال "ماكيرنان"، قائلًا أن بلاده تواجه عامًا صعبًا في أفغانستان.

من هنا يتضح أن هناك رغبة سياسية أمريكية واضحة في تحقيق نصر عسكري سريع في أفغانستان بتغيير خريطة أفغانستان "الجيو سياسية" بالقوة، رغم المعرفة العسكرية بوجود صعوبات على الأرض، وهو نوع من العناد الذي يُفهم من خلال الرغبة الصليبية في عدم تمكين الإسلاميين من تحقيق أي نصر لهم في أفغانستان.

فالحقيقة أن المقاومة الأفغانية "طالبان" تسيطر على حوالي ثلاثة أرباع أفغانستان سيطرة شبه ميدانية، وذلك لأسباب كثيرة؛ أهمها شخصية المقاوم الأفغاني المسلم المحافظ على عقيدته التي ساعدت طالبان على إعادة تنظيم صفوفها، وقيامها بعمليات عسكرية كثيرة ومتنوعة، بخلاف رؤيتها السياسية الواضحة في رفض التفاوض مع الاحتلال أو عملائه للمشاركة في الحكم تحت قيادة عميلة للاحتلال وفي ظل الاحتلال.

وأيضًا السياسة الغاشمة العسكرية الأمريكية، ومنها الغارات الأمريكية التي تقتل المدنيين ولا تفرق بين طفل أو امرأة أو شيخ، وقد زادت في السنوات الأخيرة حتى وصلت عام 2008م إلى مقتل 2100 مدني أفغاني جرَّاء الغارات الأمريكية ـ بحسب الإحصاءات المعلنة فقط ـ وهو مما دفع كثيرًا من الأفغانيين لدعم طالبان، وذلك بخلاف الفساد وضياع الأمن.

ويبقى لافتًا تجاهل المجتمع الدولي وجمعيات حقوق الإنسان في العالم لما يحدث في أفغانستان، التي قُتل فيها الآلاف من المدنيين المسلمين؛ نتيجة العدوان الأمريكي، وارتُكبت على أرضها أبشع انتهاكات حقوق الإنسان في سجن "باجرام" الشهير، وتم فرض حكومة ونظام عميل ضد رغبة الشعب، والعمل على تغريب هوية المجتمع الأفغاني المسلم المحافظ المشهور بتدينه.

ومن الواضح أنه توجد رغبة أمريكية صليبية في بتر الإسلام من أفغانستان بدعم ترسيخ دولة علمانية بأي ثمن، ولكن تبقى عدة تساؤلات لهؤلاء الذين يتغنون بشعارات حقوق الإنسان إذا تعلقت بغير المسلمين من النصارى وغيرهم، أما ما يتعلق بحقوق المسلمين؛ فهم صامتون.

ولكن نقول لهم:
أليس من حق الشعب الأفغاني أن يقاوم من أجل الحفاظ على هويته وأرضه وانسحاب المحتل؟

أليس من حق الشعب الأفغاني أن يقاوم ويسعى من أجل حقه في تقرير مصيره؟

أليس من حق الشعب الأفغاني أن يسعد بحقه في اختيار حر لمن يحكمه، بعيدًا عن فوهات المدافع وصواريخ الطائرات الأمريكية؟

يبدو واضحًا أن شعار التغيير الذي رفعه أوباما لسياسته إقليمي فقط، داخل الولايات المتحدة الأمريكية، أما خارجها فليس من حق الشعوب المسلوبة حقوقها أن ترى تغييرًا في السياسة الأمريكية.

وأخيرًا، إن تواجد أوباما وجنوده في أفغانستان، ومهما زادت أعدادهم، فهم في المكان الخطأ؛ لأنهم لا يستطيعون الصبر على جمر المقاومة الأفغانية، التي تجيد إطفاء جمر الاحتلال.

ممدوح إسماعيل محام وكاتب
[email protected]


المصدر: طريق الإسلام