حروب العرب الكروية.. جهل الشعوب أم ألاعيب الساسة؟

ملفات متنوعة

.. إن الشعوب هي من يستحق العتب، فهي وحدها المتضررة من الاستجابة
البلهاء لمخططات الأعداء وألاعيب الطغاة...

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


29/11/1430 هـ

"الموقعة الحاسمة"-"المعركة الفاصلة"-"نكون أو لا نكون"-"مصير الشعب ومستقبل الأمة بين أيديكم"-"يوم الفرقان بين الوطنية والخيانة"-....


هذه العناوين الملتهبة والشعارات الحربية الصاخبة،ليست من موروث الصمود الفلسطيني المشرّف خلال العدوان اليهودي على غزة الباسلة.بل هي نماذج مما استخدمه دعاة الفتنة قبيل المباراة التي جرت مؤخراً بين المنتخبين المصري والجزائري.وقد ترافقت هذه التراشقات البائسة مع استعادة الأناشيد الحماسية،ونبشها من مستودعات الأرشيف،بعد نومها تحت الغبار زهاء أربعة عقود من الزمان!!ومن المفارقة أن ذلك الرصيد وأكثره غث في أصله،كان موجهاً ضد العدو الأجنبي،وإن كانت تلك الأناشيد قد اقترنت في ذاكرة الجيل السابق بهزائم منكرة في ساحات الوغى،لأن زعامات التغريب لم تعد لضرب العدو غير الأغاني وخطابات التهديد الجوفاء،وهي مجتمعة أصبحت مادة لسخرية الأعداء وتهكمهم.


المهم أن قرع طبول الحرب، وإثارة الغوغاء، ترافق مع استخدام الإعلام الرياضي أسوأ التعابير والمصطلحات العنصرية،الأمر الذي أدى إلى ممارسات غير حضارية البتة،وكاد يهدد علاقات الأخوة العريقة بين شعبين عربيين مسلمين،ربطت بينهما المحن برباط من الود الأصيل،فمصر كانت في طليعة العرب المؤازرين بقوة لثورة التحرير الجزائرية التي تُوِّجَتْ باستقلال بلد المليون ونصف مليون شهيد.والجزائر كانت على رأس الدول العربية التي وقفت وقفة مشرفة إلى جانب مصر وسوريا في حرب رمضان1373(1973م)،في مواجهة الكيان الصهيوني.


كل ذلك تم رميه تحت أقدام 22لاعباً،وجرى طمس مشكلات المجتمعين نفسيهما على صعد الاقتصاد والسياسة والاجتماع....،لخوض معركة حياة أو موت!!!!!فمن الذي يحمل وزر هذا التردي الأخلاقي،الذي يحرّف القضايا عن مواضعها،ويقلب القيم رأساً على عقب،فيجعل الرؤوس على الأرض،ويضع الأقدام فوق الأعناق؟!!


السؤال كبير وضروري وعميق-بل إنه مصيري حقاً بالرغم من ابتذال رعاع الإعلام لهذا المفهوم الحيوي-،فليست هذه نزوة عابرة،ولا هي خاصة بمصر والجزائر من دون سائر شعوب الأمة،ففي ظل هذه الأوضاع المنكوسة تعمل قوى متربصة لتأبيدها،بحيث تغدو مبارة كروية مدتها أقل من ساعتين،أشد أهمية من التصدي لمعضلات البطالة والأمية والاستبداد، ويصبح الأخ في الدين واللغة هو العدو،أما العدو فلم يعد في بؤرة الاهتمام،ربما تمهيداً لاتخاذه شقيقاً بعد مرحلة انتقالية،يضحك فيها العدو ملء شدقيه،من الانقلاب الجذري في معايير الولاء والبراء!!


هنالك بالتأكيد أعداء يحرصون على تجهيل الأمة وإشغالها بسفاسف الأمور عن معاليها،وهنالك كذلك حكام مستبدون،يراهنون على أهمية التخدير الكروي للشعوب،في حماية كراسيهم.وكلا الرهانين :رهان العدو الخارجي ورهان المستبد الداخلي،مفهومان تماماً، فمصلحة كل من الطرفين هي نقيض بنسبة100% لمصالح الأمة حاضراً ومستقبلاً.


ولذلك يجب ألا يثير تركيزهما على هذه الثقافة المقلوبة شيئاً من الدهشة،فهما يدافعان عن استراتيجيتهما،وإذا كانت معركة الطغاة ضد الأمة معركة وجودية(يستحيل بقاؤه إذا وعى الناس ثوابتهم وحددوا المواضع الصحيحة لأقدامهم!!)،فإن معركة الغزاة معنا هي كذلك مواجهة وجودية تتصل على الأقل بوجودهم الآثم في بلاد الإسلام!!


إن الشعوب هي من يستحق العتب، فهي وحدها المتضررة من الاستجابة البلهاء لمخططات الأعداء وألاعيب الطغاة.

ولا يصح التماس الأعذار الواهية لتبرير الانخداع الساذج ذي الآثار الكارثية.فالجهل لا يصلح للتخفي وراءه كسبب لانقلاب المفاهيم والقيم الأساسية،لأن الأجيال الحاضرة أكثر تعلماً من آبائها وأجدادها،الذين لم تمنعهم أميتهم من التشبث بفطرتهم،التي لا تقبل بوضع العدو والشقيق على صعيد واحد،فضلاَ عن معاداة الأخ وتناسي العدو!!


وإن القسط الأكبر من هذه المهمة، إنما يقع على النخبة المسلمة من علماء ودعاة ومفكرين وإعلاميين، ولا سيما أن وصول أصواتهم إلى عموم المسلمين تجاوز إلى حد بعيد ضغوط الحكومات وقيود الرقباء المتعسفين، ولله الحمد والمنة.

المصدر: موقع المسلم