حظر المآذن في سويسرا.. أنفلونزا التعصب تنتشر!

ملفات متنوعة

لماذا لا يعتبر السويسريون الصلبان المدقوقة على الأيدي مؤججة للمشاعر
الدينية ومثيرة للانقسام الديني بين أفراد الشعب؟ ولماذا لا تتسع روح
التسامح مع تلك الكنائس والصلبان لتشمل الحجاب والمآذن؟

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

 

هل تصدق أن 57% من السويسريين صوتوا لصالح مقترح حظر بناء مآذن جديدة بسويسرا في استفتاء أجري يوم الأحد 29 نوفمبر 2009؟!

وإذا أردت التأكد من مكان وتاريخ هذا الاستفتاء.. فإني أؤكد لك أنه تم في عام 2009م ولم يعقد في ظل عقود الحروب الصليبية أو محاكم التفتيش.

أما مكان هذا الاستفتاء فهو دولة سويسرا الحريصة على أن تظهر بمظهر الحياد.. والتي تتغنى بأنها الدولة الوحيدة في العالم التي تطبق الديمقراطية المباشرة، والبالغ عدد سكانها سبعة ملايين، منهم 400 ألف مسلم.


ما الحكاية؟

تبدأ الحكاية بقيام حزب اتحاد الوسط الديمقراطي والحزب الديمقراطي الفيدرالي بسويسرا خلال 18 شهرًا بجمع أكثر من 100 ألف توقيع.. وفقاً لما يقرره القانون للدعوة إلى إجراء استفتاء وطني بشأن الدعوة إلى حظر بناء مآذن جديدة بسويسرا.. التي لا يوجد بها سوى أربعة مساجد ذات مآذن.

وتولى دعم هذا المقترح الحزب اليميني الشعبي، والحزب المسيحي اليميني؛ بدعوى أن المآذن تشبه الرماح المشرعة في السماء، وترمز إلى السيف الذي يعني عدم التسامح مع الآخر.

ومن ثم ينبغي منع وجود المآذن مستقبلاً كإجراء يرمي إلى الحفاظ على السلام بين أفراد مختلف الجماعات الدينية المختلفة. ومن أجل ذلك قام حزب الشعب السويسري بإغراق المدن السويسرية بملصق تظهر فيه امرأة مرتدية الحجاب الأسود إلى جوار علم سويسرا الذي تناثرت عليه مآذن تشبه الصواريخ المنطلقة في الفضاء.


لك أن تتعجب، وأن تتساءل معنا:

لماذا لا يعتبر السويسريون أبراج الكنائس المشرعة في السماء بمثابة قواعد إطلاق صواريخ؟.. والأجراس التي بها تشبه طبول الحرب؟

ولماذا لا يعتبر السويسريون الصلبان المدقوقة على الأيدي مؤججة للمشاعر الدينية ومثيرة للانقسام الديني بين أفراد الشعب؟

ولماذا لا تتسع روح التسامح مع تلك الكنائس والصلبان لتشمل الحجاب والمآذن؟

وأين قيم التسامح والاعتراف بالآخر والحرية الشخصية وحرية العقيدة؟ تلك القيم التي يزعم الأوربيون عامة والسويسريون خاصة أنها ملك لهم وهم علم عليها، وأنها تمثل روح الحضارة الغربية التي يبشرون العالم بها؟

وهل وجود مآذن ينال من السلام بين أفراد المجموعات الدينية؟.. أم أنها تهدد الهوية الوطنية؟.. أم أنها ضد الثقافة العلمانية السائدة؟.. أم أن هناك أسباباً أخرى تتستر بتلك العبارات المطاطة المدغدغة لمشاعر العامة في حملة خداع لهم؟

أم أنه الخوف؟ لكن من أي شيء؟


أصل الحكاية

وأصل الحكاية تكمن في تنامي ظاهرة الخوف المرَضي (الإسلام فوبيا) في أوربا بأسرها، وسويسرا من بينها، حيث تغذي جهات معينة مشاعر الخوف من انتشار الإسلام في أوربا تارة تحت مزاعم الحفاظ على الهوية الوطنية والعلمانية الغربية.. وتارة أخرى بإثارة الخوف من انتشار الإرهاب الإسلامي داخل القارة الآمنة.. وفي سبيل ذلك تقوم تلك الجهات بطرح قضايا ذات صلة بالشأن الإسلامي على الرأي العام الأوربي لتحقيق تلك المآرب.

ومن هنا أثيرت قضية الحجاب في فرنسا، والتي انتهت إلى منع ارتدائه في المؤسسات التعليمية.. ثم أثيرت قضية ارتداء النقاب بإيطاليا، والتي انتهت إلى سَن قانون يمنع ارتدائه في بعض مقاطعات الشمال، ثم جاءت الحالة السويسرية داعية إلى حظر بناء المآذن.


جهات وأغراض

وقد تسأل: من هذه الجهات؟ ولماذا تفعل ذلك؟

والإجابة هي أن هناك ثلاثة تيارات في الدول الأوروبية عادة ما تتبنى مثل هذه المبادرات الشريرة، وهي:

*التيار اليميني المضاد لوجود المهاجرين، خاصة لو كانوا أفارقة أو أتراكاً.

*التيار الديني المحافظ المتعصب من منطلقات كنسية.

*التيار الموغل في العلمانية.


أما أهداف التيار المضاد للهجرة فهو يسعى لتأجيج المشاعر ضد الأجانب عامة، انطلاقًا من دعاوى الحفاظ على الهوية الوطنية للبلاد، وحق أبناء البلاد دون غيرهم في الاستمتاع بثرواتها.. وغالبًا ما تتضمن دعاية هذا التيار أطروحات عنصرية.. ولعل ما حدث في قاعة محكمة درسدن الألمانية مع السيدة مروة الشربيني رحمها الله التي قتلت غدراً وعدواناً على يد ألماني متعصب مزج بين العنصرية واللا آدمية في فعلته هذه.. مثالاً لطبيعة هذا التيار الذي يلعب عادة على هذا الوتر لأغراض انتخابية.

أما التيار الموغل في العلمانية فيرى أن هناك خطراً على مستقبل العلمانية ينبع من ديناميكية الإسلام وفاعليته في تغيير النفوس والسلوك، وما يطرحه من صورة مغايرة لنمط الحياة السائد عندهم بما يحقق إعادة الاعتبار للأخلاق وقيم العفاف والوقوف في وجه الفساد.. ومن ثمَّ يثير هذا التيار مثل هذه القضايا انطلاقًا من مفاهيم مغلوطة عن حقيقة الإسلام أحياناً.. وأحيانًا أخرى يثيرها مع سبق الإصرار والترصد لمنع زيادة انتشار الإسلام.

أما التيار المسيحي المتعصب فقد هاله سرعة انتشار الإسلام في أوربا، مع انحسار دور الكنيسة ببلدانها.. ومن ثمَّ يتبنى تلك القضايا دون إفصاح عن هذا السبب، مبررًا ذلك بأمور تتعلق بالسلام بين الطوائف الدينية أو التخويف من تنامي الإرهاب الإسلامي في أوربا الآمنة.


أمراض أوربية

وكل هذا يعني أنه قد بدأ ينتشر في العقول الأوربية فيروسات قاتلة تتسم بإفراز سموم عديدة أخطرها:

*العنصرية ضد الأجانب والمهاجرين، وعلى رأسهم المسلمون.

*التعصب للأفكار العلمانية والمسيحية، ولو كان ذلك على حساب قيم التسامح والاعتراف بالآخر والحرية الشخصية والدينية، وهذا يعني أن أوربا تنبت فيها بذرة الفاشية من جديد.. ولاحظ أن من الأوربيين من يتهم الإسلام بتلك القيم الباطلة وهو منها بريء.

*التحريف للأمور والخداع للعقول.. ويظهر ذلك جلياً على سبيل المثال فيما برر به السويسريون الذين تبنَّوا مقترح حظر بناء المآذن دعوتهم تلك.. فقد مارسوا تحريفاً لدلالة المئذنة في الإسلام لخداع الرأي العام، ضاربين عرض الحائط بقيم المصداقية واحترام العقول، وجعلوا من المئذنة رمزاً للحرب وشَبهاً بالرمح والسيف، رغم أن المئذنة لا تمثل شيئاً من ذلك، ولا تمثل إلا طرازاً معمارياً ابتدعته العقول الإسلامية لتحقيق وظيفة أدائية في عصر لم يكن تم اكتشاف مكبرات الصوت فيه بعد.. فكان ارتفاع المئذنة يتيح الفرصة للمؤذن الذي يقوم برفع الأذان لوصول صوته إلى أكبر عدد من المسلمين لإعلامهم بدخول وقت الصلاة.. ولعبت المئذنة هذا الدور باقتدار جنباً إلى جنبِ الصعود إليها مع مطلع كل شهر قمري عند غروب الشمس لاستطلاع رؤية ولادة الهلال الجديد لشهر قمري جديد.. وهي لا تعد من أصول أو قواعد أو أحكام الإسلام، وإن صارت مع مرور الزمن تمثل رمزاً لدور العبادة عند المسلمين.

وإذا كان هذا التحريف قد نال معنى المئذنة، فهل نتوقع بعد ذلك أن يقوم هؤلاء المتعصبون العنصريون في أوربا بتقديم صورة صحيحة عن الإسلام؟.


رب ضارة نافعة

وتكرار هذه المسائل في أكثر من بلد ينبئ بلا شك عن زيادة رقعة المقاومة غير الشريفة للإسلام.. لكنه أيضاً يطرح الإسلام بقوة على العقلية الأوروبية في ذات الوقت، مما يتيح الفرصة أمام دعاته لإبلاغ الرسالة الصحيحة للإسلام والصورة المضيئة لمبادئه وشرائعه.. ومثل هذه الافتراءات تسهل من مهمة الدعاة في كشف حجم التضليل الذي تتعرض له عقول الأوربيين على أيدي نفر ينتمون إليهم.


جناية في حق البشرية

والحقيقة التي أراها رأي العين تنبئ بأن ما تفعله هذه التيارات العنصرية المتعصبة تمثل جريمة في حق البشرية ومستقبلها.. لأن الحيلولة بين الشعوب الأوربية والإسلام يحرم البشرية من فرصة فريدة للالتحام بين الإسلام والغرب.

فالإسلام بعقيدته الواضحة والصافية من التعقيدات والتهويمات والترهات التي لم ولن يستطع العقل تقبلها.. وبالأخلاق والقيم التي يدعوا إليها.. قادر على أن يعيد ضبط بوصلة تلك المجتمعات الأوربية نحو الواجهة الصحيحة في السلوك وبناء المجتمعات على أسس قويمة..

والتجربة الأوربية القائمة على البحث العلمي واحترام قيمة الوقت والعمل والإتقان فيه والابتكار والأخذ بالأسباب والسنن الكونية تسهم في تحقيق نجاحات جديدة تجعل الحياة أفضل حالاً والمستقبل أكثر إشراقًا.

والالتحام بين الأمرين يصب حتماً في صالح مستقبل البشرية إن أحسن أهل الإسلام عرض بضاعتهم وقدموا اجتهادات جديدة مواكبة للتطورات الجديدة، وهذا يقتضي أيضاً قطع الطريق على أولئك المتعصبين العنصريين بالحجة والبيان والحكمة والموعظة الحسنة والبرهان.


أين متطرفو أقباط المهجر؟

لقد أبانت قضية حظر المآذن بجلاء الفارق بين الإسلام وغيره في مدى التسامح تجاه الآخر، وتساءلت في نفسي:

لماذا لم يطالب أحد في بلادنا بمنع أبراج الكنائس أو بكسر الصلبان؟


أتدرون لماذا؟

لأن الإسلام ببساطة منع ذلك، بل إن أكثر الفقهاء ذهب إلى إلزام المسلم الذي يقوم بكسر صليب يمتلكه مواطن من أهل الكتاب بدفع التعويض له عن ثمنه، وليس هذا من باب تقدير الصليب فهو فكرة تسيء إلى عظمة وجلال الإله، لكن من باب حرية العقيدة وترك كل أحد وما يدين به، فهل هناك تسامح أكثر من ذلك؟.


ثم تساءلت:

وأين متطرفو أقباط المهجر الذين يزعمون حدوث اضطهاد للنصارى في مصر؟.

ونسألهم: هل تقبلون بحظر أبراج الكنائس والأجراس والصلبان؟

وهل تقبلون بمنع الراهبات أو القساوسة من ارتداء الملابس التي تميزهم عن غيرهم؟

وهل تقبلون بقتل محجبة في قاعة محكمة ألمانية؟

إذا كنتم لا تقبلون ذلك فلماذا تعلنون رفضكم لتلك الممارسات العنصرية المتعصبة؟.

ولماذا لم نسمع صوتكم؟

أتدرون لماذا لم نسمع صوتكم؟!

لأنكم إذا كنتم تمسكون زمام الأمور في مصرنا العزيزة فلن تكتفوا فقط بحظر المآذن والحجاب والنقاب، بل سوف تحظرون الإسلام نفسه، وأيضاً كافة الملل المسيحية المختلفة معكم.

لكن الحمد لله أن هذا لم ولن يحدث بإذن الله..

المصدر: عصام دربالة - موقع الإسلام اليوم