أسير سابق: إهانة القرآن في جوانتانامو

ملفات متنوعة

لم يكن الأردني وسام عبد الرحمن أحمد الذي اعتاد الخروج كل عام إلى
باكستان للدعوة ضمن جماعة التبليغ والدعوة الأردنية، يتخيّل أن ينتهي
به المطاف في معتقل جوانتانامو الأمريكي في كوبا بتهمة الانتماء
لتنظيم القاعدة..

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

 

لم يكن المواطن الأردني وسام عبد الرحمن أحمد "أبو عبيدة" الذي اعتاد الخروج كل عام إلى باكستان للدعوة ضمن جماعة التبليغ والدعوة الأردنية، يتخيّل أن ينتهي به المطاف في معتقل جوانتانامو الأمريكي في كوبا بتهمة الانتماء لتنظيم القاعدة، حيث شاهد صنوفاً من العذاب والتنكيل، كان أقساها وأشدها إيلاماً إهانة بالقرآن الكريم من قبل حراس المعتقل الذين لم يتورّعوا عن البول عليه.
"إسلام أون لاين.نت" التقت بأول معتقل أردني يخرج من "جوانتانامو" في مارس 2004، فكان هذا الحوار حول ظروف اعتقاله وما تعرض له من تعذيب وإهانة قاسية والذي حالت ظروف أمنية دون إتمامه بعد الإفراج عنه مباشرة.

البداية في باكستان!

- كيف تم اعتقالك وكيف بدأت قصة هذا الاعتقال؟
- اعتدت الخروج في سبيل الله إلى باكستان والعودة إلى الأردن عبر إيران فالعراق فالأردن، لكن في إحدى المرات، قامت الأجهزة الأمنية الإيرانية باعتقالي من داخل منزل أحد رجال التبليغ السنة في إيران في منطقة مشهد، على الرغم من حصولي على تصريح مرور ليتم تسليمي بعد ذلك إلى الأفغان من قبل الإيرانيين في 3-1-2002.
وفي أفغانستان، سرقت أموالنا وأغراضنا، وقام محققون أمريكيون بالتحقيق معي واستجوبوني عن أمور طبيعية وأسئلة عامة في سجن أفغاني تحت الأرض في مدينة كابول لمدة سنة وشهرين، مع 10 أشخاص من بينهم أوزبكي ويمنيان وتونسي وعراقي وأردني وطاجيكي واثنان من الأفغان.
ووضعونا في غرفة ضيقة ليس فيها إضاءة، وكان طعامنا عبارة عن ثلاث قطع خبز واحدة في الصباح وأخرى في فترة الظهيرة وثالثة في المساء وبقينا لمدة شهرين ونصف في هذه الغرفة لم نر فيها الشمس مطلقاً، وكنا ننام فوق بعضنا البعض.
بعد ذلك نقلونا إلى سجن آخر اسمه بالفارسية "رئاسة نمبر سي" ووضعوني في زنزانة انفرادية وعانيت في هذه الزنزانة من أمراض كثيرة من بينها جرثومة في المعدة وارتفاع الضغط، أما وزني فقد هبط إلى 40 كيلوجراماً فقط، وبقيت سنة كاملة على هذا الحال بدون تحقيق. وبعد هذه السنة جاءنا محقق أمريكي ومعه مترجم لا يعرف من العربية إلا القليل، وسألني عن أسباب تواجدي في إيران وقبلها في باكستان وعن علاقتي بتنظيم القاعدة.

- حدثنا عن ظروف اعتقالك في أفغانستان؟
- هنالك أساليب كثيرة للإهانة والتعذيب تعرضت لها أنا وإخوتي في المعتقل، من بينها أن بعض الإخوة كانوا يبقون 3 شهور بدون استحمام، وعندما يسمحون لنا بالاستحمام نستحم بالماء البارد. كانوا يتعمدون إهانتنا وكانوا يتلفظون بشتائم كلما رأونا، أما الضرب والركل فكان أمراً طبيعياً. لكن ظروف الاعتقال الأصعب كانت في معتقل جوانتنامو ومن قبله في بإجرام.

المحنة والعذاب في "باجرام"

- لماذا تم نقلك مع الباقين إلى "باجرام"؟
- لا أعلم تماماً لكنني كنت موقناً بأن نهايتي ستكون إما السجن طويلاً أو القتل، وما حصل معنا في باجرام كان أبشع بكثير مما حصل في أبو غريب من عمليات تعذيب تكشفت.
عندما دخلنا باجرام، مددونا على الأرض، وكانت أعيننا وأذننا أيضاً مغطاة فيما كممت أنوفنا ولا أدري لماذا كل هذا، وتم تقييدنا أيضاً بسلاسل وقيود في اليدين والرجلين ووسط ذلك كله كانت تنهال علينا الشتائم من الجنود والمجندات.
ثم كانوا يأتون بالكلاب لتقوم بملامستنا والنباح علينا وشمّنا، ونحن في رعب حقيقي خوفاً من أن تهاجمنا، وفي نفس الوقت كانوا يستعملون معنا أسلوب الترهيب على سبيل المثال كانوا يقومون بتشغيل مناشير خشبية وسط صياح بعض الإخوة من الضرب لإيهامنا بأنهم ينشرونهم بهذه المناشير أو يقطعون أطرافهم.
في ذات اليوم أدخلوني إلى غرفة في معتقل باجرام ورفعوا عني عصابة العينين فوجدت غرفة فيها أكثر من 30 جندياً أمريكياً ومجندة وسط أعلام أمريكية كبيرة وفي وجهي رجل أسود ضخم يصرخ: "أنت الآن في سجن أمريكي، وأتعهد لك بأن تمضي بقية حياتك هنا". كان يلقنني قواعد الاعتقال أمريكيا فيقول بأن السؤال ممنوع، والاعتراض على أي شيء ممنوع، والنظر إلى أعلى ممنوع، كما أن محادثة أي معتقل آخر أمر ممنوع.

- ماذا فعلوا لك وللباقين في باجرام؟
- ببساطة تعمّدوا إهانتنا وإذلالنا عبر إجبارنا على التعري من ملابسنا بوجود المجندات الأمريكيات؛ ومن ثم تصويرنا ونحن عراة تماماً من الإمام والخلف ثلاث صور.
أما الأكثر إهانة وإذلالاً فهو الفحص الطبي الإجباري أسبوعياً، وهو فحص وحيد لا علاقة له بأوضاعنا الصحية وهو فحص الشرج.
في "باجرام" التي قضينا فيها 40 يوماً، وتحديداً في شهر إبريل 2003 ألبسونا ملابس سجن حمراء، وطلبوا منا الحديث عن علاقتنا بتنظيم القاعدة فرفضنا وتعرضنا للضرب والإهانة عبر حلق لحانا وشعر الرأس، وإجبارنا على الاستحمام ونحن عراة، وبشكل جماعي أمام المجندات مرة أخرى وهن يطلقن النكات ويضحكن ويتفوهن بكلمات بذيئة.
لم يكن لدي أي أمل بالخروج من باجرام حيا فالمعاناة كبيرة والتعذيب شديد على سبيل المثال كانوا ينادوننا كل 3 ساعات ليس بأسمائنا وإنما بأرقامنا فقد تحولنا هناك إلى مجرد أرقام ولم نكن نعرف طعم النوم بسبب آلام التعذيب والشبح والضرب.

أكثر من 70 شخصاً كانوا معي في نفس المعتقل الذي كان على شكل سياج حديدي كل 6 أشخاص في غرفة حديدية خالية من كل شيء.

ولم يُسمح لنا بالصلاة في كثير من الأحيان، وكذلك قراءة القرآن الكريم الذي كانوا يتعمدون إهانته عبر وضعه في المرحاض أو البول عليه. وكانوا يعلمون أن هذه الإهانة لها أثر أكبر من تعذيبنا جسدياً.
أما التعذيب الجسدي فكانوا يتفنون في استعماله ضدنا على سبيل المثال كان المحققون الأمريكيون يتعمدون تشغيل "مكيفات الهواء ليلاً في فصل الشتاء حيث البرد القارس".
أيضاً هنالك التفتيش اليومي عند الدخول أو الخروج من الزنازين أو حتى عند التوجه إلى المرحاض، في كل مرة كان يتم تفتيشنا، والتفتيش هنا يتم من خلال تفتيش العورات لتعمد إهانتنا وإذلالنا. حتى عندما كنا نطلب الذهاب للمرحاض الخارجي كانوا يتعمدون مرافقة المجندات لنا.


العلاقة بتنظيم "القاعدة"!

- ماذا عن التحقيق معكم كيف كان؟ وعن ماذا كانوا يحققون؟
- التحقيق معنا كان مزاجياً في بعض الأحيان، كان بشكل يومي وأحياناً بشكل أسبوعي كنا نتعرض للتحقيق فجراً، وكانت الأسئلة في البداية حول أسباب تواجدنا في إيران وباكستان وعن أسمائنا والبلاد التي نشأنا فيها وعن انتماءاتنا. لكنهم كانوا معنيين بانتزاع اعترافات كاذبة منا حول علاقتنا بتنظيم القاعدة، لكننا كنا ننفي هذه العلاقة دائماً، ونجيب بأننا من جماعة التبليغ والدعوة التي ليس لها أي نشاط إلا القيام بدعوة الناس إلى الإسلام.
هنالك مجموعة من الحراس في المعتقل تدعى مجموعة التدخل السريع مهمتها تعذيب من يرفض التعاون أو الإجابة على أسئلة التحقيق.
في نهاية المطاف.. وعندما ملوا من التحقيق معي وضعوني على جهاز كشف الكذب الذي أكّد صدقي في إجاباتي، لكن المحقق قال لي بسخرية: "نعلم أنك صادق، لكننا سنأخذك في نزهة إلى "جوانتنامو".. هذه هي أمريكا.. تفعل ما تريد!

- ما هي انتماءات أغلب الذين تواجدوا معك في المعتقل في "باجرام"؟
- معظمهم بدون أي انتماءات، والباقون إما من جماعة التبيلغ والدعوة أو من السلفيين وقليل من الإخوان المسلمين. أما جنسياتهم فهي متنوعة، لكن أكثرهم من السعوديين، وهنالك أردنيون ومصريون وكل الجنسيات العربية تقريباً ما عدا اللبنانيين بالإضافة إلى أفغان وباكستانيين وشيشان.

- ما هي مشاعرك ضد الأمريكيين بعد الذي عانيته؟
- ازددت حقداً وكرهاً للأمريكيين أكثر من أي وقت مضى، وبعد أن كنا نسمع بمعاناة المسلمين عشنا هذه المعاناة وذقناها، لا يمكن أن أغفر للأمريكيين ما فعلوه بي وبإخوتي وما سيفعلونه بالباقين الذي ظلوا في المعتقل. لقد تعمدوا إذلالنا وإهانتنا وأساءوا إلى ديننا وعذّبونا بشكل يفوق ما حدث في أبو غريب.. ما حدث في أبو غريب ليس إلا نزهة بالنسبة لما يحدث في باجرام وجوانتنامو لإخواننا العرب والمسلمين. وهنا أود القول إنني لا أتفق كمسلم مع تنظيم القاعدة، لكنني أبرر لهم عداءهم وكرههم للأمريكيين، فهؤلاء -الأمريكان- ليس لديهم حتى أخلاق الحرب والأسر، وهم مجردون من إنسانيتهم. أنا ببساطة ضحية التبجح والظلم والغطرسة الأمريكية والعداء للإسلام والمسلمين فقد كانت تهمتي الوحيدة في جوانتانامو أنني مسلم.

- كيف كانت حياتك اليومية في المعتقل؟ وهل كنتم منقطعين عن العالم؟
- لمدة سنتين ونصف في الاعتقال لم نكن ندري بما يدور حولنا في هذا العالم، ولم نعلم إلا بخبرين سربهما لنا الأمريكيون بقصد الإمعان في إذلالنا، وتحطيم معنوياتنا فقالوا لنا إن القوات الأمريكية في بغداد ثم بعد أشهر أبلغونا أن (الرئيس العراقي المخلوع) صدام وقع في الأسر، وما دون ذلك لم نكن نسمع أو ندري بأي شيء، لكن في المقابل كان يسمح لنا بإرسال الرسائل إلى أهالينا عبر الصليب الأحمر.


نهاية المطاف في "جوانتانامو"

- كيف كانت الأمور في "جوانتانامو"؟
- في تلك الليلة لم نستطع النوم بعد أن أبلغونا بنيتهم ترحيلنا إلى معتقل جوانتنامو، وكنا نسمع عن الظروف الصعبة للمعتقلين هناك. قيّدونا فجراً بسلاسل وحملنا الجنود ورمونا رمياً داخل إحدى الطائرات، وكانت القيود مثبتة بأخرى داخل الطائرة؛ مما سبب لنا آلاماً وجروحاً. وخلال 26 ساعة من الطيران المتواصل في الرحلة إلى "جوانتنامو" عانينا الأمرّين. بعد أن وصلنا إلى كوبا وتحديدا معتقل "جوانتنامو" أخذنا مباشرة إلى التحقيق، رغم أننا كنا متعبين بسبب القيود، وبسبب إجبارنا على الجلوس في أوضاع مرهقة ومتعبة لدرجة أن البعض أغمي عليه، ومع ذلك حققوا معنا لثلاث ساعات متواصلة ووجهوا لنا نفس التهم ونفس الأسئلة، وأجبنا بدورنا بنفس الإجابات ليأخذونا بعدها إلى الزنازين. وفي جوانتنامو كان الوضع أكثر سوءاً، حيث الزنازين عبارة عن أقفاص حديدية مغلقة لا نوافذ لها مطلقاً وبدون أي فراش للنوم، أما الطعام فكان قليلاً ومن صنف واحد وفي كل يوم كان يزداد سوءاً. دون غيري من الإخوة تم عزلي في زنزانة انفرادية، والقيد في يدي وقدمي طوال اليوم وكان يتم تفتيش عورتي بشكل إجباري يومياً لإهانتي.

- وسائل الإعلام صوّرت "جوانتانامو" بغير ما تتحدث عنه أنت؟
- كل ما قيل عن ظروف اعتقال جيدة في جوانتنامو غير صحيح وكذب.. فالمرشد الديني الذي عيّنوه لنا مثلا أمر وهمي، وهو مجرد ضابط أمريكي يجيد العربية أراد أن يتجسس علينا، أما المكتبة الدينية التي وفروها لنا فتم إلغاؤها بعد ذلك بقليل.
ما فعلوه هو أنهم أرادوا أن يصوّروا للعالم أننا في ظروف جيدة ونحصل على كافة حقوقنا فقاموا بإنشاء مكان في المعتقل أطلقوا عليه اسم "كامب فور"، ووضعوا فيه أناساً ليسوا من المعتقلين وصوّروهم وهم يمارسون الرياضة ويلعبون كرة القدم حتى يوهموا الناس بأننا في أحسن حال.


جوانتانامو خالٍ من القاعدة

- ذكرت أن معتقل جوانتنامو كان يضم في أغلبه معتقلين لا علاقة لهم بالقاعدة هل يمكن التوضيح؟
- نعم هذا صحيح وهذا باعترافهم، هم فلم تكن نسبة المنتمين إلى تنظيم القاعدة في جوانتنامو تزيد عن 5% من المعتقلين. وقد تعرفت شخصياً على معتقلين من كل الجنسيات، ولم ألتق طوال مكوثي في "جوانتانامو" بأي من معتقلي القاعدة أغلب من التقيت بهم كانوا إما يدرسون في باكستان أو يعملون مع منظمات إغاثة إسلامية، وكان هنالك بعض المعتقلين الذين تم نقلهم من العراق، وأؤكد لك أن جوانتانامو لم يكن يضم أياً من كبار قادة القاعدة، وأنا شخصياً التقيت بأربعة من الأردنيين كانوا معي في جوانتنامو من أصل 8 معتقلين وهم:
خالد الأسمر المعروف بـ عبد الله جعفر، وأبو عبد الرحمن من مدينة إربد شمال الأردن وأسامة أبو كبير من منطقة الرصيفة بمدينة الزرقاء الأردنية وأبو حذيفة الفلسطيني من منطقة جبل التاج في عمان العاصمة وإبراهيم زيدان من منطقة إربد، وهنالك أردني آخر يدعى عاصم وهو مضرب عن الطعام منذ 3 شهور.

- وما هي جنسيات المحققين هل كانوا كلهم من الأمريكيين؟
- في الأغلب كانوا من الأمريكيين كما جاء محققون أردنيون ويمنيون وسعوديون للتحقيق مع المعتقلين.. أنا شخصياً لم يتم التحقيق معي من قبل محققين أردنيين، لكن هنالك آخرين تم التحقيق معهم من قبل أردنيين وفي غرف التحقيق كانوا يعرضون لنا أشرطة فيديو تظهر أساليب تعذيب بعض قادة القاعدة للتأثير علينا نفسياً ودفعنا للاعتراف بعلاقتنا بالقاعدة.

- كيف تم الإفراج عنك في جوانتانامو؟
- تم إطلاق سراحي في مارس الماضي (2004) بعد أن تأكدوا من صدق أقوالي وعدم ثبوت أي علاقة لي بالقاعدة وأخذتني طائرة أمريكية من جوانتانامو إلى إستانبول بتركيا ووضعوني من هنالك في طائرة إلى الأردن.

 

المصدر: موقع إسلام أون لاين