عن الجدار والأزهر

منذ 2010-01-03

فكرة "الجدار" الذي يفصل دولة عن دولة أو قوة عن قوة ليس من وارد الفكر المصري أبدا في العصر الحديث، وفكرة "الجدر" الفاصلة التي يتحصن بها المقاتلون هي فكرة يهودية بالأساس، قديما وحديثا..


فكرة "الجدار" الذي يفصل دولة عن دولة أو قوة عن قوة ليس من وارد الفكر المصري أبدا في العصر الحديث، وفكرة "الجدر" الفاصلة التي يتحصن بها المقاتلون هي فكرة يهودية بالأساس، قديما وحديثا، وعندما وصل اليهود إلى حدود قناة السويس كان أول ما فكروا فيه إنشاء جدار "خط بارليف" لتحصين حدودهم الجديدة، وكذلك عندما تزايدت ضربات المقاومة الفلسطينية أنشأوا جدارا للفصل بين المستوطنات وبين الأراضي المأهولة بالسكان الفلسطينيين وهو ما أثار استياء العالم.

في المقابل لم يحدث أن طرأت فكرة إنشاء جدار على عقلية أي سياسي مصري منذ تأسيس الدولة الحديثة في مصر، ومن ثم أتصور أن فكرة الجدار الذي يفصل بين الحدود المصرية ورفح الفلسطينية هي فكرة يهودية في الأساس، بغض النظر عن السياق الذي طرحت فيه والعراب الذي قدمها، لا أتصور على الإطلاق أن سياسيا مصريا الآن مهما بلغ به الشطط أو قيادة أمنية أو عسكرية مصرية يطرأ على باله هذه الفكرة نهائيا، وللأمانة فإن تحمل مصر عبء تنفيذ هذه الفكرة "اليهودية" يشين القيادة المصرية ويشين مصر الوطن نفسه، مصر ليست دولة هشة حتى تفكر في حماية حدودها بالجدر العازلة مع جيوش دول أخرى فضلا عن أن تكون ضد "مهربين" للسلاح والمخدرات المزعومة، أضف إلى ذلك أن يكون هذا الجدار ضد الشعب المحاصر والمعزول أصلا، وهو شعب عربي مسلم، له علينا وعلى الأمة كلها حق العون والدعم والحماية وفتح أبواب الحياة عليه وليس غلقها.

ومهما دجل الإعلام الرسمي في مصر للدفاع عن فكرة الجدار فإنه لن يقنع أحدا، ولن يمحو إحساس مواطن مصري واحد بالعار من مجرد ورود هذه الفكرة على القرار السياسي المصري فضلا عن تنفيذها بالفعل، وأما المهزلة التي حدثت مؤخرا بتوريط مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر في الدفاع عن الجدار وإنشائه، فهو جزء من مسلسل هدم الأزهر وإهانته وتشويهه، والأزهر بريء من هذا كله، وما حدث مع حكاية الجدار والبيان الصادر فيه نسخة طبق الأصل مما حدث مع البيان المستهتر والأرعن في واقعة كتاب الدكتور محمد عمارة "تقرير علمي"، هناك أمر سياسي مباشر يتم توجيهه إلى قيادة الأزهر مرفقا به نص مكتوب للختم والتوزيع لا أكثر، ولذلك لاحظ كثيرون أن بيان مجمع البحوث الإسلامية لم يرفق به أي أدلة شرعية، مجرد كلام سياسي عام وفضفاض عن حماية حدود الدولة وحق الدولة في حماية حدودها من مهربي المخدرات و"الأمور الأخرى"، وهو كلام متطابق مع الكلام الذي يردده أحمد أبو الغيط وزير الخارجية أو بعض رؤساء تحرير الصحف القومية، ولا تستطيع أن تشتم منه رائحة العلم الشرعي أو النفس الديني، إضافة إلى أن الشيخ طنطاوي نفسه لا علم له بالجدار وربما بحدود فلسطين والدولة، وهو رجل مغيب عن الواقع وهموم الأمة بشكل أسطوري، لدرجة أنه عندما حدثوه عن حصار غزة الذي كان يتابعه العالم كله بالمشاهد الحية كان يتساءل باندهاش : ومن الذين يحاصرونهم، ولماذا يحاصرونهم ؟!

فهل هذا الشخص يعرف ما هو الجدار وما قصة الجدار وما هي خلفيات القضية، لا نخدع أنفسنا، الأزهر ليس طرفا في هذا الجدار ولا في كثير من المواقف التي صدرت باسمه مؤخرا في قضايا سياسية شائكة، هناك موظف أو اثنان فقط في الأزهر ومجمع البحوث، بصمجية، ترسل إليهم البيانات لوضع ختم الأزهر عليها فقط لا غير، والمرجعية الدينية الإسلامية انسحبت حاليا من الأزهر ومن مصر، وتوجهت أفئدة الناس إلى عواصم أخرى ومنابر أخرى، لا أقصد بذلك موت الأزهر، حاشاه ذلك، فسوف يبقى درة في جبين مصر، ولكن الأزهر "بعافية" هذه الأيام، حتى تنكشف الغمة عن الوطن كله، فيعود برجاله الأبرار المهمشين، ليمحو وجوه العار وتراث الخيانة، ويعلن عن نفسه من جديد، حصنا للإسلام ونصيرا للمستضعفين .

 

03-01-2010 م

المصدر: جمال سلطان
  • 0
  • 0
  • 3,066

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً