جدار الذل والعار

عوض بن محمد القرني

ما كان يخطر ببال حرٍ منصفٍ من أي دين أو أي عرق- أنّ دولة عربية
مركزية كمصر ستقوم ببناء جدار حديد فولاذي يفوق ما يقوم ببنائه
الصهاينة لحصار الشعب الفلسطيني!

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


ما كان يخطر ببال مسلمٍ، أوعربي، أو عاقل حرٍ منصفٍ من أي دين أو أي عرق- أنّ دولة عربية مركزية كمصر ستقوم ببناء جدار حديد فولاذي يفوق في قوته، ومواصفاته ما يقوم ببنائه الصهاينة لحصار، وقتل، وخنق الشعب الفلسطيني!

إنّ هذا الجدار غير مسبوق في التاريخ في قوته، وضرره، وشراسته -و هو تنفيذ لرغبةٍ إسرائيلية وقرارٍ أمريكي- للقضاء على الشعب الفلسطيني في غزة عقاباً له على احتضانه للمقاومة الإسلامية والوطنية، وعقاباً له، وكسراً لشوكته التي استعصت على العدوان الصهيوني الماضي، وتمهيداً لعدوانٍ متوقعٍ جديد من أجل تركيع هذا الشعب، وإذلاله، ودفعه إلى الاستسلام.


لقد تحوّل النظام المصري -مع الأسف الشديد- إلى خادمٍ للمشروع الصهيوني في المنطقة، يستقبل الصهاينة بالسجاد الأحمر، والضيافة الفاخرة في أرقى القصور على حساب الشعب المصري المضطهد الذي يشرب أكثر من 40% منه الماء ملوثاً بالمجاري، والملايين منه يسكنون في المقابر مع الأموات!!

لقد تحوّل هذا النظام إلى عرّاب ومسوّق للكيان الصهيوني المجرم..!!


هل يُعقل وهل يُتصوّر أن تقوم حكومة عربية بمد الكيان الغاصب بالغاز المصري بأسعار مخفضة لا يُباع بها في أي مكان في العالم، ولا حتى للشعب المصري المغلوب على أمره، وفي الوقت نفسه تُمنع أكثر المعونات الغذائية والدوائية القادمة من أي مكان في العالم من الدخول إلى الشعب الفلسطيني المحاصر، وتُصادر أو تُترك حتى تُتلف في السفن والشاحنات؟!

بل هل من المعقول أن يحوّل الجيش المصري العظيم إلى حارسٍ للكيان الصهيوني الغاصب المجرم؟! فها نحن نسمع كل يوم في الأخبار عن قتل جنود النظام المصري لأفارقة يحاولون دخول ما يُسمّى بإسرائيل بحثاً عن لقمة العيش، ولم نسمع في أي يوم أنهم قتلوا متسللاً واحداً إلى مصر من أي جهةٍ من حدودها، وبخاصةٍ اليهود الصهاينة الذين يتدفقون على مصر بعشرات الآلاف كل شهر، وبالذات في العطل اليهودية؛ للأنس والعربدة في أرض مصر العزيزة.

لمصلحة من يتم كل هذا؟ أترك الإجابة على هذا لشعب مصر العظيم وأحراره الشامخين!


إنّ بناء هذا الجدار جريمةٌ بكل المقاييس والمعايير؛ فهو جريمةٌ بالمعيار الشرعي؛ فلا يُعقل أن يجرّم و يحرّم الشرع حبس هرة، ويدخل فاعل ذلك النار، ثم لا يجرّم و يحرّم حبس شعب مستضعف بأكمله، وحرمانه من الغذاء، والدواء، وكل ضرورات الحياة من غير ذنبٍ و لا جريرةٍ وقعت منه!!


إن بناء هذا الجدار هو حربٌ لله ورسوله، وإفساد في الأرض، قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة المائدة: 33].

وهو جريمة أخلاقية؛ فلا يجوز لا عقلاً، ولا خلقاً أن يُحاصر شعب معتدى عليه بنسائه، وأطفاله، ومدنيّيه، ولا يجوز الوقوف مع الغاصب المعتدي الظالم حتى لو كان الظالم من بني جلدتنا والمظلوم من غيرنا، فكيف والمظلوم شعبنا، و بنو ديننا، والخط الأول للدفاع عن سيادتنا، ومصلحتنا، ومستقبلنا، وهو جريمة بمعايير القانون الدولي بل جميع القوانين الأرضية؛ فهو يصنف حسب القوانين الدولية المعاصرة -كما ذكر الدكتور عبد الله الأشعل الخبير العالمي الشهير في القانون الدولي، وَوكيل وزير الخارجية المصري سابقاً- بأنه جريمة إبادة جماعية، ويُصنّف بأنه جريمة ضد الإنسانية، ويُصنّف من جرائم الحرب!!

وبالتالي فبناء هذا الجدار، أو تأييده، أو عدم الإنكار عليه مع الاستطاعة، كل ذلك حرام، وجريمة يأثم من قارفها من المفسدين.


والواجب على علماء الأمة، ومثقفيها، وسياسييها، وشعوبها، وأحرار العالم في كل مكان -الوقوف في وجه هذه الجريمة الشنعاء، والفعلة النكراء، والسعي لمنعها بجميع الوسائل الممكنة المشروعة، وتقديم القائمين عليها للمحاكمة العادلة، و هذا الواجب يتأكد، ويتضاعف على الشعب المصري العظيم؛ وأذكر هذا الشعب العظيم بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يخونه، ولا يكذبه، ولا يخذله؛ كل المسلم على المسلم حرام: عرضه، وماله، ودمه» [رواه الترمذيّ، و صححه الألبانيّ]، وأُذكّر المسلمين في كل مكان بقوله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر، والحمى» [متفقٌ عليه، واللفظ لمسلم].


وأذكّر أحرار أمتنا في كل مكان بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس! إنما أهلك الذين قبلكم، أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد» [متفق عليه، واللفظ لمسلم].

اللهم إننا نبرأ إليك من هذا الجدار، ومن القائمين عليه، ونعوذ بك من الرضا به أو السكوت على هذا المنكر.

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ، وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [سورة يونس: 81-82].


الخميس 21 محرم 1431 هـ - الموافق 07 يناير 2010 م