أسطول الحرية ينزع "ورقة التوت"!

ملفات متنوعة

.. "أسطول الحرية" إذًا خطوةٌ مهمَّة، سيكون لها ما بعدَها - إن شاء
الله سبحانه - بعدما أَثبت أن الشعوب لديها الكثير يمكن أن تَفعله في
مواجهة القوة الغاشمة والأكاذيب الإعلامية، وهنا يأتي دَورُنا في
الجانب العربي؛ خاصَّةً على المستوى الشَّعْبي..

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


المشهد حتَّى يومِ الأحد 30/ 5 كان يُنْذِر بوقوع (المجزرة) التي ارتكبها الكيان الصهيوني فجْرَ يوم الاثنين التالي؛ فقد توعَّد الكيان الصِّهْيَوني منذ تحرك "أسطول الحرية" بمنْعه من دخول غزة بأي ثَمَن.

ومع ذلك لم نسمع أية اعتراضات أو تعقيبات على هذا التوعُّد، سِوَى أصواتِ احتجاج أوربية، بينما التزَمَ العالَمُ العربِيُّ والإسلامي الصمْتَ، وكأنه لا يَرى ولا يَسمع!


فقد دانت "الحمْلةُ الأوربية لرفع الحصار عن غزة" بشدة قرارَ الحكومةِ الصِّهيونية المتعلِّقَ بالاستيلاء على سُفُن "أسطول الحرية" المتَّجِهِ إلى قطاع غزة، واعتقالَ المتضامنين على مَتْنها؛ معتبِرةً ذلك تصعيدًا ستكون له عَواقبُه.

وقال أنور غربي - عضْوُ الحملة، ومَقَرُّها بروكسل، ورئيس جمعية "الحقوق للجميع" السويسرية، وهي إحدى الجهات المؤسِّسة لائتلاف "أسطول الحرية" - كما نَقَل موقعُ "الجزيرة نت":

"إن الجانب الإسرائيليَّ يتصرَّف وكأنه يخوض حربًا عسكريَّةً ضد جيش آخر، لا سيَّما بعد أن صدرت أوامرُ من المستوى السياسي إلى المستوى العسكري باعتراضِ الأُسطول واستخدام القوَّة معه؛ للحيلولة دون وُصوله شواطِئَ غزة، داعيًا المجتمعَ الدوليَّ للتحرُّك لحماية الأسطول الدولي الإنساني".


وأوضَحَ أنه ستتِمُّ مقاضاةُ الجانب الإسرائيلي في المَحاكم الأوربية والسويسرية، إن قام بالاستيلاءِ على سفن الأسطول، واعتقالِ المتضامنين على متْنه، مشيرًا إلى أن "الحملة الأوربية لرفع الحصار عن غزة" ستقدِّم المساعدة في ذلك.


وكان مصْدرٌ عسكري صهيوني قال: "إنَّ البحْريَّة الصهيونية تتأهَّب لصَدِّ الأسطول، وذَكَر أنَّ توجيهاتٍ حكوميةً صدَرَت للجيش الإسرائيلي وقوَّاتِ البحرية "لمنع قافلة السفن من الوصول إلى شاطئ غزة".


وبالرغم مِن ذلك، فلم يكن أحَدٌ يتوقَّع أن يصِلَ الفعلُ الصِّهيوني إلى هذه الدرجة من الحمق، حتى يهاجِم "أسطولَ الحرية" في المياه الدولية بعنْفٍ - بالزَّوَارق البحرية والطائرات؛ ليقتل 19 شهيدًا على الأقل، ويُصِيب أكثرَ مِن 26 جريحًا.


لم يكن "أسطولُ الحرية" القافلةَ الأولى التي تحاول كَسْر الحصار، فقد سبقَتْه ثماني محاولات، لكنَّ أسطول الحرية هو الأكبر مِن حيثُ عددُ المشاركين وحجمُ المساعدات والزّخم الإعلامي؛ إذْ ضَمَّ الأسطولُ ثمانِيَ سفُنٍ؛ منها أربع للشَّحْن، وأربع للرُّكَّاب، وكان على متنه 750 ناشطًا سياسيًّا وبرلمانيًّا من 40 دولةً، بينهم عشَرَةُ نُوَّابٍ جزائريّين، إضافة طبعًا إلى أكثَرَ مِن عشرة آلاف طنٍّ من المواد الغذائية والطبِّية وبعض مواد البناء (حديد، وإسمنت، ومنازل جاهزة).


وإذا كان الكيان الصهيوني نجح في منع "الحرية" من الوصول إلى غزة، فإني أرى - كما ذكر الأستاذ إسماعيل هنيَّة - أنَّ أسطول الحرية قد حقَّق النتيجة المرجُوَّة بمجرَّد إقلاعه مِن الموانئ الأوربية، بل بمجرَّد الإعلان عن انطلاقه؛ حيث استطاع أن يخترِق "الجدارَ الإعلاميَّ" الذي يَفرضه الكيانُ الصِّهْيوني على الممارسات العُنصرية والعُدوانية التي يُمارِسها بحقِّ شعْبٍ أعزل في غزة، بعدما فَرض عليه طَوْقًا حديديًّا، وحاصره من البَرِّ والبحر.

وتلك هي القضية الأساسية، قضيةُ محاصَرةِ شعب اقتصاديًّا؛ لإجباره على قَبُول ما يرفُضه سياسيًّا، عن طريق إذلاله ومنْعه من حقوقه الإنسانية، كما أكَّد كثيرٌ من المراقبين في تعليقهم على (المجزرة).


منذ اللحظةِ الأولى لانطلاق "أسطول الحرية"، أصبحَ هذا الحدَثُ حدثًا عالميًّا، تُتابعه وسائل الإعلام ومواقع الانترنت لحظةً بلحظة، حتى حدث اعتداء الكِيان الصِّهيوني إلى ما بعد ذلك، خاصةً وأنَّ مِن بين رُكَّاب الأسطول 36 صحفيًّا يَعملون في 21 وكالةَ أنباءٍ ومطبوعة عالمية، فضلاً عن الثقل السياسي لكثير مِن الشخصيات البرلمانية والحقوقية المشاركة.

وهذا بلا شك يمثِّل عامل ضغط على الكيان الصهيوني الذي يريد يومًا بعد يوم أن يَقْلب الحقائق، ويجعل مِن حِصاره لقطاع غزة عملاً مبرَّرًا، بل ويحاول أن يَكسب التأييد الدولي باعتبار أن غزة بها إرهابيُّون على حدِّ زعْمه!!

ولذلك جاء رَدُّ فعل الكيان الصهيوني بهذا العنف وهذا الحمقِ في آن واحد؛ لأنه يرى أنَّ تسْيِير هذه القوافل يُربِكُ حساباتِه وأكاذيبَه التي يروِّجها؛ فهو يريد أن يمنعها، وأن يُرْهِب الناشطين القائمين عليها، والذين أعلنوا عن تسيِير قوافل أخرى؛ مما يؤكِّد الدور المهم الذي تؤدِّيه مثلُ هذه القوافل في إبقاء القضية حيَّةً في الضمير العربي والعالمي على حد سواء.


"أسطول الحرية" - كما أشرْتُ - لا ينْزِع "ورقةَ التوت" مِن الأكاذيب الصِّهيونية، ويعرِّيها تمامًا فحسْب، بل يسلِّط الأضواء على الموقف الأوربي والأمريكي المتواطئ مع إسرائيل التي هي صنيعةٌ لهذا الموقف بالأساس؛ ولذا فمِن الطبيعي أن يوفِّر غطاءً لممارساتِها، التي كانت سَتُدَان من قِبَل أوربا وأمريكا لو أنها صدَرَت من غير إسرائيل.


كما أن "الأسطول" نجح في كشف تخاذل الموقف العربي الرسمي تُجاه الحصار، وهو الموقف الذي يبدو أنه استمْرَأ أن يَسمع صيحاتِ المستغيثين مِن المَرْضَى والجرْحى في غزة عبر الفضائيات، دُون أن يشعر بالحَرَج والمسؤولية تُجاه الأشِقَّاء هناك! ومِن ثَم، فحتى بعد وقوع (المجزرة) اكتَفى بالشَّجْب والاستنكار دون أن يَرقى لمستوى الحدَث!!


"أسطول الحرية" إذًا خطوةٌ مهمَّة، سيكون لها ما بعدَها - إن شاء الله سبحانه - بعدما أَثبت أن الشعوب لديها الكثير يمكن أن تَفعله في مواجهة القوة الغاشمة والأكاذيب الإعلامية، وهنا يأتي دَورُنا في الجانب العربي؛ خاصَّةً على المستوى الشَّعْبي، في كيفية مَدِّ الجسور مع الشعوب الأخرى، وفي توضيح قضايانا، بعدَ أن فَشِلت الحكوماتُ والأنظمةُ في الدِّفاع عنها.
 

المصدر: السنوسي محمد السنوسي