الوجازة في استثمار الإجازة

ملفات متنوعة

إنَّ الله -عز وجل- لَمَّا خلَق الإنسان خلَقَه لمهمَّة عظيمة؛ ألاَ
وهي عبادته -سبحانه- فقال -عز وجل-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ
وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، فهذا حصرٌ لمهمَّة
الإنسان في العبادة..

  • التصنيفات: قضايا الشباب -

إنَّ الله -عز وجل- لَمَّا خلَق الإنسان خلَقَه لمهمَّة عظيمة؛ ألاَ وهي عبادته -سبحانه- فقال -عز وجل-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، فهذا حصرٌ لمهمَّة الإنسان في العبادة؛ فينبغي أن تكون كلُّ حياة الإنسان في عبادة الله، سواء كان عمله في أمر حياته العاجِلَة التي يعيشها، أم في أمر آخِرته التي إليه مصيره.


ودخول الإجازة الصيفيَّة نعمةٌ عظيمة ومنَّة كريمةٌ امتنَّ الله بها علينا لنستثمرها ونغتَنِمها فيما يُفِيدنا وينفَعُنا؛ لذا جاءت هذه الكلمات مُوجِّهة وناصِحَة لكلِّ مَن حازَ من تلك الإجازة نصيبًا.


1 - أهميَّة الوقت في حياة المسلم:

اهتمَّ الإسلام بوقت المسلم أيما اهتِمام، ذلك لأنَّ عمر المرء هو رأس ماله، وقد تعدَّدت نصوص السنَّة النبوية وأقوال سلف هذه الأمَّة على التنبيه على خطورة الوقت وأهميَّة اغتنامه؛ فقد روى الحاكم والبيهقي عن ابن عباسٍ - رضِي الله عنهما - قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «اغتَنِم خمسًا قبل خمس: شبابك قبلَ هرمِك، وصحَّتك قبل سقَمِك، وغِناك قبل فقرك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك»[1].

وروى البخاري والترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباسٍ -رضِي الله عنهما- قال: قال النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «نِعمَتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحَّة والفَراغ»[2].

وعند الترمذي من حديث أبي برزة الأسلمي -رضِي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «لا تزول قدَمَا عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأَل عن: عمره فيمَ أفناه؟ وعن علمه فيمَ فعل؟ وعن ماله من أين اكتسَبَه وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيمَ أبلاه؟»[3].

وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ما ندمتُ على شيءٍ ندَمِي على يومٍ غربَتْ شمسُه اقتَرَب فيه أجلي ولم يزدَدْ فيه عملي".

وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "أدرَكتُ أقوامًا كان أحدُهم أشحَّ على وقتِه منه على درهمه"، وقال أيضًا: "يا ابنَ آدم، إنما أنت أيَّامٌ كلَّما ذهَب يومٌ ذهب بعضُك".

وفي الحكمة: "الوقت كالسيف؛ إن لم تقطعه قطَعَك".


قال الشاعر:

وَالْوَقْتُ أَنْفَسُ مَا عُنِيتَ بِحِفْظِهِ *** وَأَرَاهُ أَسْهَلَ مَا عَلَيْكَ يَضِيعُ
 
وقال أحمد شوقي:

دَقَّاتُ قَلْبِ الْمَرْءِ قَائِلَةٌ لَهُ *** إِنَّ الْحَيَاةَ دَقَائِقٌ وَثَوَانِي

وموسم الإجازة الصيفيَّة من مَظانِّ الأزمان التي يَضِيع فيها جزءٌ من عمر المرء دون فائدةٍ تَعُود عليه، إلاَّ إذا استَثمَرَ تلك الإجازة التي امتن الله بها عليه في شيءٍ يُفِيده، أو ينفَع أمَّته ومجتمعه.


2 - استِثمار وقت الفراغ فيما هو نافع ومفيد:

الإجازة نعمةٌ جليلة إن لم تغتنمها ربَّما تحوَّلت إلى نقمة؛ وكما قيل: "نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل"، وقيل:

إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا *** فَإِنَّ الذُّنُوبَ تُزِيلُ النِّعَمْ
وَحَافِظْ عَلَيْهَا بِشُكْرِ الإِلَهِ *** فُشُكْرُ الإِلَهِ يُزِيلُ النِّقَمْ
 
يستَطِيع المسلم أن يجني كَمًّا هائلاً من الحسنات والنَّفع بجهدٍ يَسِير يبذله في عملٍ يُقرِّبه إلى الله -عزَّ وجل- فهناك العديدُ من المشروعات التي في وُسعِ كُلٍّ مِنَّا القيام بها، ويكون عائدُها عليه عظيمًا عاجِلاً وآجِلاً، ومن تلك المشروعات:

أ - حفظ القرآن الكريم:

القرآن كلامُ الله -عزَّ وجلَّ- ليس بمخلوق، منه بَدَا وإليه يعود، ولا شكَّ في أهميَّة حفظ القرآن للمسلم الذي يَحرِص على رضا ربِّه -سبحانه وتعالى- وثمَّة نصوصٌ كثيرة وَرَدَتْ في سنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم- تحضُّ وتحثُّ على حفظ القرآن الكريم وتعهُّده، والثواب الجزيل الذي يحصِّله صاحبه من وراء حفظه لكتاب الله -تعالى- نقتَصِر من تلك النصوص على الآتي:

• روى الأمام مسلمٌ وابن ماجه من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قولَه -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ الله يرفَعُ بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخَرِين»[4].

أفلا تَرضَى يا مسلم يا عبدَ الله أن تكون ممَّن يرفَعُهم الله بهذا الكتاب؟! فاحفَظْه واعمَل به إذًا!.

• روى الإمام الترمذي وغيرُه من حديث عبدالله بن عمرو -رضِي الله عنهما- موقوفًا[5]: "يُقال لصاحب القرآن: اقرَأ وارتَقِ ورتِّل كما كنتَ تُرَتِّل في الدنيا؛ فإنَّ منزِلَتك عند آخِر آيَة تقرَأ بها"[6].

• وروى الإمام البخاري ومسلم من حديث أمِّ المؤمنين أمِّ عبدالله عائشة بنت الصدِّيق -رضِي الله عنهما- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مثَلُ الذي يقرأ القرآن وهو حافظٌ له مع السَّفَرة الكِرام البرَرَة، ومثَلُ الذي يقرَأ وهو يتَعاهَده وهو عليه شديدٌ فله أجران»[7].

أفلا نطمح لتلك المنزلة ونكون مع هؤلاء الكِرام البرَرَة؟!

• وروى الإمام أحمد في "مسنده" من حديث عبدالله بن عمرو -رضِي الله عنهما- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الصيام والقرآن يَشفعان للعبد يوم القيامة؛ يقول الصيام: أي رب، منعتُه الطعامَ والشهوات بالنهار فشفِّعني فيه، ويَقول القرآن: منعتُه النومَ بالليل فشفِّعني فيه، قال: فيشفعان»[8].

إذا كانت هذه هي منزلة الحافظ والعامل بكتاب الله فعلينا أن نبحَث عن مسجدٍ أو مركزٍ لتحفيظ القرآن ونسجِّل فيه؛ كي نحفظ كتاب ربِّنا ونعمل بما فيه.


ب - حضور مجالس الذِّكر:

كثيرٌ من الناس يُهمِلون هذا الجانب تمامًا؛ بل إنَّك تجد المرءَ بلغ العشرين أو الثلاثين أو حتى الخمسين ولا يعلَم شيئًا عن أُمُورِ دينه؛ فلكي يَربَأ المسلم بنفسه عن تلك الحال حثَّنا إسلامُنا العظيمُ على الاستِزادة دومًا من العلم؛ فقال -تعالى - مخاطبًا نبيَّه -صلى الله عليه وسلم-: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:114].

وقال -تعالى-: {يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]، وقال -سبحانه-: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9]، وقال -عز وجل-: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28].

وروى الشيخان البخاري ومسلم وغيرُهما من حديث سيِّدنا معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَن يُرِد الله به خيرًا يُفَقِّهه في الدِّين»[9].

وقال سفيان الثوريُّ والشافعيُّ: "ليس بعدَ الفرائض أفضل من طلب العلم".


فماذا تنتَظِر أخي الحبيب بعدَ ذلك؟ فعليك أن تغتَنِم فرصة وجود مسجدٍ بجوار بيتك فيه شيخٌ تحسبه من العُلماء أو من الدُّعاة العامِلين بعِلمهم الذين يُفَقِّهون الناس في دينهم، وتحضر تلك المجالس كي تفقَهَ أحكامَ دينك، فلا تُضيِّع تلك الفرصة وتفوِّتها دون أن تحصل على ذلك الأجر العظيم.


جـ - القراءة العامَّة:

نحن أمَّة أوَّل كلمة نزَلت في كتابها: {اقْرَأْ} [العلق:1]؛ لذلك كان للقراءة في الإسلام منزلةٌ كبيرةٌ، فالمرء مهما بلَغت مرتبتُه العلميَّة علوًّا لا يستَطِيع أبدًا أن يتوقَّف عن الاستِزادة من القِراءة والثقافة، فإنَّ التوقُّف نقص؛ لذا كان على المرء العاقل أن يهتمَّ بزيادة حصيلته العقليَّة والفكريَّة.

ونستطيع أن نجعل لأنفسِنا وِرْدًا من تلك المطالعات؛ فمثلاً خمسين صفحة يوميًّا أو أكثر يستطيع أحدُنا أن يكوِّن من خلالها لنفسه حصيلةً لا بأس بها من الثقافة والمعرفة.

ويمكننا هنا أن نقسِّم القراءة التي نستطيع في إجازتنا أن نقوم بها إلى صنفين:

• مطالعة كتب السيرة النبويَّة وسيرة الصحابة:

السيرة النبويَّة هي سيرةُ خيرِ البريَّة محمد -صلى الله عليه وسلم- بها يستَطِيع المرء أن يقتَفِي آثار نبيِّه -صلى الله عليه وسلم- وينتَهِج نهجَه في كلِّ صغيرة وكبيرة في شتَّي نشاطات الحياة، فكان لِزامًا علينا أن نهتمَّ بهذا الجانب في حياتنا؛ حتى يصير الاتِّباع واقتِفاء آثار النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وامتثالها في كلِّ ما جَلَّ وقَلَّ - ديدننا، فلا نُحرِّك ساكنًا ولا نُسكِّن مُتحرِّكًا إلا بسنَّة عن سيِّدنا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-.

ومن الكتب الميسَّرة المرشَّحة التي نستَطِيع قراءتها وفهمها في إجازتنا بسهولة كتاب: "هذا الحبيب يا محب"؛ للشيخ أبي بكر جابر الجزائري، وكتاب "السيرة النبوية"؛ للشيخ محمود المصري أبي عمار؛ وكتاب "صور من حياة الصحابة"؛ للدكتور: عبدالرحمن رأفت الباشا.


• مطالعة كتب تنمِّي الذوق الأدبي:

لا شكَّ أنَّ المرء الحصيف يهتمُّ دومًا بنُمُوِّ الذوق الأدبي لنفسه؛ لذلك كان ممَّا يحسن بنا أن نوجِّه أنفسنا إلى مطالعة بعض الكتب التي تُساعِد على نموِّ هذا الذوق الأدبي؛ منها مثلاً: "وحي القلم"؛ للرافعي، وكتاب "لا تحزن"؛ للشيخ عائض القرني.


د - أخذ بعض الدورات العلميَّة في مجال الحاسب الآلي:

يعلَم جميعنا أن للحاسب الآلي دورًا كبيرًا في تسيير الحياة اليوم؛ فكان علينا أن نعلم أنفسنا كيفية الاستخدام الأمثل لهذا الجهاز الذي تسير به كلُّ المؤسسات والهيئات، حتى وصَل الأمر إلى المحلات التجاريَّة، فتعلُّم فنِّ إدارة الحاسوب أصبح أمرًا ضروريًّا وملحًّا في تلك الآوِنَة.

لذا كان علينا أن نبحَث عن دوراتٍ في تشغيل وإدارة الحاسوب، وحسن التعامل معه، والتعامُل مع بعض البرامج المهمَّة فيه؛ حتى لا نكون في منأى عن مُواكَبة الحركة العلميَّة والتقدُّم في العالم.


ولا ننسى أخيرًا أنَّ العطلة الصيفيَّة راحةٌ جاءت بعد كَدٍّ وتَعَبٍ ونَصَبٍ بُذِل في عامٍ مَضَى، فلنجعَلْها وَقُودًا وزادًا لاستِقبال العام القادم.

ـــــــــــــــــ
 
[1] رواه الحاكم في "المستدرك" (4/306)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/301)، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع" (رقم 1077).

[2] "صحيح البخاري" (رقم:6412)، "سنن الترمذي" (رقم:2304 شاكر)، و"سنن ابن ماجه" (رقم:4170 عبدالباقي).

[3] "سنن الترمذي" (رقم:2417 شاكر)، وقال عنه: حديث حسن صحيح.

[4] "صحيح مسلم" (1/559)، و"سنن ابن ماجه" (رقم:218).

[5] والأثر وإن كان موقوفًا إلاَّ أنَّ له حكمَ الرفع؛ لأنَّ مثلَه لا يُقال عن اجتهاد بل عن توقيف.

[6] "سنن الترمذي" (رقم:2914 شاكر)، وانظر: "السلسلة الصحيحة"؛ للألباني (5/282).

[7] "صحيح البخاري" (6/166)، "صحيح مسلم" (1/549).

[8] "مسند أحمد" (11/199)، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع" (رقم:3882).

[9] "صحيح البخاري" (4/85)، "صحيح مسلم" (2/718).

المصدر: أحمد مصطفى عبد الحليم - موقع الألوكة