الأيدي الخفية وراء حادث كنيسة الإسكندرية

ملفات متنوعة

نضجت الحركات الإسلامية والدعوية في مدينة الإسكندرية، بعدما ارتكبت
بعضها - منذ قرابة 30 عاماـ بعض الأعمال المتسرعة لتغيير المنكر، وهذا
النضج وصلت إليه المدينة بعد تجارب عديدة وخبرات طويلة...

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -



نضجت الحركات الإسلامية والدعوية في مدينة الإسكندرية، بعدما ارتكبت بعضها - منذ قرابة 30 عاماـ بعض الأعمال المتسرعة لتغيير المنكر، وهذا النضج وصلت إليه المدينة بعد تجارب عديدة وخبرات طويلة، وبعد اتساع حلقات العلم، وانتشار المنهج السلمي في التغيير، مما جعل المدينة تبتعد عن منهج التغيير بالعنف، وتقتنع قبل غيرها من بلاد مصر بالخط الإسلامي في التغيير الذي يعتمد على المنهج الإسلامي المعتدل والمتوازن والمستمد من كتاب الله تعالى، ومن سنة الرسول الأمين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن خلال تطبيقات السيرة النبوية، التي أكدت على اتباع منهج السلف الصالح بالدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، كما قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل:125]. واختارت عدم اللجوء للعنف إلا بشروط شرعية محددة، وضوابط أصولية حازمة، لا تتوفر غالبا إلا في ظروف صعبة، سوف نوضح هذه الضوابط فيما بعد.

ولكن قد يتساءل الكثيرون من وراء هذا التفجير؟ الذي قُتل فيه أناس آمنين من أهل الكتاب، ومن غير المحاربين، و يتعبدون في إحدى الكنائس، بل وقد قتل في الحادث بعض المسلمين.

وتشير بعض الاجتهادات المدعومة بعدد من الأدلة على تورط جهات خارجية قوية، وربما استغلت حماسة بعض المتحمسين في الرد على تجرؤ بعض قادة النصارى المتطرفين الذين وجهوا بعض الشبهات للدين الإسلامي، أو قاموا بإلصاق بعض التهم للنبي الكريم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أو لغضب بعض المسلمين من احتجاز الكنيسة لبعض النساء النصرانيات اللاتي أعلن إسلامهن.


ونؤكد على الموقف الإسلامي من هذه القضية التي أصدرت فيها عدة جهات رسمية وشعبية بيانات تؤكد عدم جواز الاعتداء على أهل الكتاب المسالمين، وتفرق بين المحاربين المعتدين، وبين المحتلين غير المسالمين، وتوضح موقف المسلمين من هؤلاء وهؤلاء.

حتى لو تجرأ أحد قادة النصارى، وارتكب بعض الحماقات الفكرية، ونشر بعض الطعون في الدين الإسلامي، فهذه وبحمد لله يتم الرد عليها وإخراس قائليها، وإفحام مردد هذه الشبهات، بردود قوية، وحجج بالغة، وبراهين ساطعة تجعل كل من يبحث عن الحقيقة يختار بلا ضغط الحق، ويتوجه للصواب، وقد قال الله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة:256]، والمنصف منهم يشهد طواعية، جهرا أو سرا بألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فالإسلام بخير، ولا يهتز من ضعف المسلمين، ولا من جرأة أهل الكتاب المعاندين، ولا من جحود وتكبر اليهود الغاصبين، فالمستقبل بإذن الله لهذا الدين، مهما دبر الأعداء، أو خطط المتآمرون، قال الله تعالى: { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } [التوبة:32]، وقال تعالى مؤكدا مرة ثانية وثالثة على هذه الحقيقة ليرسخ لدينا اليقين أن المستقبل لهذا الدين في موضعين آخرين من كتابه الكريم في سورة الفتح: { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا } [الفتح:28]، وفي سورة الصف: { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } الآية التاسعة.


وسوف نحاول بيان هذه الحقائق الناصعة، ونوضح تفسير وموقف العلماء لبعض آيات الكتاب الحكيم التي تدعو لقتال أهل الكتاب.
ولكن اليوم نؤكد على حقيقة مهمة، ونتوسع في بقية الأمور في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.

ألا وهي: أن الإسلام حرم الاعتداء عن النفس بغير حق، ومن الأنفس المعصومة في الإسلام، أنفس المعاهدين وأهل الذمة والمستأمنين فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وأن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً» (رواه البخاري).


ومن أدخله ولي الأمر المسلم بعقد أمان وعهد؛ فإن نفسه وماله معصوم لا يجوز التعرض له، ومن قتله فإنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: « لم يرح رائحة الجنة»، وهذا وعيد شديد لمن تعرض للمعاهدين، ومعلوم أن أهل الإسلام ذمتهم واحدة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم » (رواه أحمد وصححه الشيخ شاكر والألباني).

ولما أجارت أم هاني رضي الله عنها رجلاً مشركاً عام الفتح وأراد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يقتله، ذهبت للنبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « قد أجرنا من أجرت يا أم هاني» (رواه البخاري ومسلم).

والمقصود أن من دخل بعقد أمان أو بعهد من ولي الأمر لمصلحة رآها، فلا يجوز التعرض له ولا الاعتداء لا على نفسه ولا ماله.

 

المصدر: علي مختار محفوظ - موقع لها أون لاين