فرعون ..7

محمد علي يوسف

ألهذه الدرجة ثقل لسانك الأثيم عن النطق باسم الله؟!
تدعى الإيمان الآن؟
آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ , وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن , فليزداد الاختناق
ولتتوالى السكرات والحسرات والندم على ما فات
لكن هيهات هيهات

  • التصنيفات: دعوة المسلمين -

وإن الحماقة والغباء حين يجتمعان  مع الغرور ويمتزجان بالكبر  والعجرفة الفارغة فإن المنتج النهائي = كارثة 
كارثة تسمى فرعون
لقد عرف فرعون وأعوانه  الحقيقة كما سبق وبيّنا واستيقنتها أنفسهم
لم يكونوا في حاجة لمزيد من المعجزات بعد كل هذه البينات والآيات التي توالت عليهم
كانت الآيات والمعجزات كافية للغاية كي تستيقن الأنفس 
فلماذا إذن لم يتحول اليقين لامتثال وتسليم واتباع؟؟ 
إنها الحماقة الممتزجة بالكبر
حماقة تجعلهم لا ينتبهوا لتلك الرسائل التي احتوتها الآيات الأخيرة
رسائل العذاب
الخطر المحدق بهم 
المصير الذي ينتظرهم
إنها لم تعد فقط معجزات للتحدي وإثبات القدرة كالعصا واليد البيضاء للناظرين
لقد صارت تمس حياتهم وواقعهم 
لكن الغباء مستحكم
{وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ  }

أي سحر أيها الحمقى؟ 
إنها السنين
المجاعة
 الجدب والقحط بسبب قلة مياه النيل وانحباس المطر عن أرض مصر ونقص الثمرات 
{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَنْ مَعَهُ ۗ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }

لا فائدة 
الغباء لم يزل سيد الموقف جنبا إلى جنب مع رفيقه الكبر
{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ }

ها هو الطوفان  يتلف المزارع ويهدم البيان ويخرب المدن
والجراد الذي لا يدع أخضر ولا يابس في طريقه يبدو في الأفق
والقمّل 
والضفادع 
والدم 
وزيد فى التوراة في سفر الخروج ما نذكره استئناسا دون تصديق أو تكذيب كما أمرنا: البعوض  والذباب والوباء والدمامل والبثور والرعود والبَرَد والظلام وموت الأبكار

 الأمر كما هو واضح ليس فقط تحديا
إنه العذاب 
الرجز
ألم يأن الأوان إذن ليعيدوا حساباتهم؟ 
لكن أنّي لغبي متكبر أن يفكر؟ 
 
و الحماقة والغباء جنبا إلى جنب مع الغرور والكبر لم تكن هي السمات الوحيدة التي ميزت شخصية فرعون وملأه

لقد انضمت إلى تلك الصفات صفة أخرى ظهرت بعد أن أعيتهم الآيات الأخيرة
صفة الخسة
النذالة
الوضاعة
{ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ ۖ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ  }

هو عهد ووعد إذن
وعد بالإيمان مشروط بكشف العذاب! 

هل لانوا واقتربوا؟ 
ها هم يذكرون رب موسى؟ 
إذن فإن فرعون يغير موقفه ولم يعد غير عالم أن لهم إلها غيره
يبدو أن الوضع سينفرج وقد ذكروا إله موسى بتصريح واعترفوا ضمنيا بقدرته على كشف الرجز والعذاب الذي ألمَّ بهم

فلينكشف العذاب إذن
ولتبرز السمة القبيحة الأخيرة التي لن تكون بعدها فرصا أخرى
الخسة
خلف الوعد
نكث العهد
{فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ }

لم ينصلحوا إذن ولم تلن قلوبهم
كانت مجرد مناورة غبية وحيلة حمقاء هدتهم إليها نفوسهم الدنيئة التي لا تعرف لوعد قيمة ولا تدرك لعهد أهمية
حتى لو كان عهدا مع الله
فليلاقوا إذن ما اكتسبوه بكامل إرادتهم واستحقوه بدناءتهم ووضاعتهم

{فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ

وإن مآل إرادة فرعون إلى نقيض قصده ونهاية مطمعه ستكون ضد هدفه وعكس مطلبه
 ولو بعد حين..
 
إن ممتطي الباطل ومنتعل البغي وراكب الظلم ظنا منه أن تلك هي الوسائل الموصلة لعلوه المبتغى سيفاجأ في النهاية أن السحر ينقلب على الساحر وأن يوما سيأتي سيقع فيه به ما كانوا يحذر ومن جنس ما كان يحذر.

هذه قاعدة محكمة من قواعد القرآن ووعد رباني قاطع أعلنه في شأن فرعون

لقد وعد الرحمن أولئك المستضعفين أن مآل بطش فرعون بهم وعاقبة ظلمه لهم ستكون وقوع ما يحذر 
وبشرهم أن الطاغية سيرى ما كان يتقيه ويهرب منه من خلال هذا البطش والقمع

وسيراه منهم.. 

ممن كان يحذرهم ويقتل أبناءهم خوفا من تلك اللحظة
"ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون"

تدبر الكلمة مرة أخرى
منهم...
سيرى ما كان يحذر وسيلاقي ما كان منه يهرب وسيبور ما كان له يمكر
وكذا كل من طغى وتجبر
سيرى ما كان يحذر
وسيلاقي ما كان منه يهرب
وسيبور ما كان له يمكر

وسيعامل بنقيض قصده
ولو بعد حين

 الكلمة نفسها طرقت مسامع ملك الأخدود بعد أن قتل الغلام ليكتم صوت الحق المنبعث من بين شفتيه
 فكانت دماء الشهيد نورا يضىء للناس درب يقينهم برب الغلام وصاحوا : آمنا برب الغلام 

هنا قالها رجل من بطانته مقرا بذلك المآل الحتمي: 
أرأَيْتَ ما كُنْتَ تحذَرُ.. 
قد واللهِ نزَل بكَ حَذَرُكَ! 

أجزَعتَ أن خالفَكَ ثلاثةٌ؟! 
ها هي أمة بأكملها قد خالفتك وعن عبادتك أعرضت وبألوهيتك كفرت
قد آمَن النَّاسُ ..

لقد قتل الملك ذلك الغلام ليمنع إيمانهم فكان قتله طريقا لإيمانهم ووقع ما كان يحذر 
وبما كان يحذر
 وبين جنبات التاريخ تتكرر تلك السنة التي يستبطئها البعض ويغفل عنها البعض أو يتغافلون وينسونها أو يتناسون لكنها وإن تأخرت  فهي لا محالة واقعة شكك من شكك وتعجل من تعجل
المهم أن يريد الله 
وفي تلك المواجهة بين فرعون وموسى كانت تلك الإرادة واضحة معلنة من البداية
{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }

{وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ }

ونريد ..

وإرادة الله فوق إرادة فرعون ومنته ورحمته لا ممسك لها ولا مانع من تنزلها

هذه المنة لها خطوات أيضًا أولها الإمامة
{وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً}
أن يوجد في الأمة الأئمة والقادة والقادرون على الإصلاح في الأرض
من هنا تأتي الوراثة
{وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}
ثم التمكين
 ومن بعده يرى الفرعون ما كان يحذر
{وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُون }

لكن كل ذلك كما قلت يبدأ بإرادة المن وهي مرتبطة بوجود الاستحقاق

لكن متى؟ 

هذا علمه عند الله 

قيل أن أعواما مرت حتى استجاب الله دعاء موسى عليه السلام على فرعون وقومه 

{وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }

{ رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ  }

{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ }

وقد كان.. 

طمس الله على أموالهم وشدد عليهم وأذاقهم العذاب الأليم
وفتح بين موسى وبينهم بالحق وهو خير الفاتحين

لكن متى؟ 
الإجابة عنده وحده
تأتي متى شاء وكيف شاء وإن طال الزمان واستيأس الناس فإنه يأتي في النهاية
المهم أن يوقن العبد ويثبت على الحق ولا يحملنه استبطاء الفتح على التفريط أو الشك
وأن يصبر
{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ }

ولقد حان الوقت وأزفت ساعة الانتقام

إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون

هكذا بدأ فرعون خطبته الختامية وشرع في رحلة التحريض الأخيرة لأتباعه ضد موسى عليه السلام وقومه 
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يلبس على الناس تصوراتهم من خلال المصطلحات
لقد استعملها كثيرًا من قبل
 فتارة هي مؤامرة وهو كبيرهم الذي علمهم إياها 
وتارة أخرى هو مجنون
وتارة  هم أراذل القوم بادي الرأي 
وتارة هم سفهاء ماكرون
وتارة هم مفسدون يريدون تبديل الدين وإظهار ذلك الفساد
وتارة هم شرذمة قليلون هم له غائظون 
عذرا.. 
ليس له.. 
بل لنا
للجميع
لابد أن يتحدث فرعون بلسان الكل
لابد أن يوحي لهم بأن الجميع على قلب رجل واحد
ولابد أن يكون هو طبعا هذا الرجل الواحد
ماداموا لفرعون غائظين فهم للجميع غائظين 
لا يحق لأحد أن يخرج عن تناغم المنظومة الفرعونية أو أن يفكر بشكل مختلف عنها أو أن يكون له رأي حسن فيمن يرى فرعون  السوء فيهم

{وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ }

إن فرعون لم يزل بعد حريصًا على أن يبدو في مظهر الحريص على الجماعة والذى لا يتخذ قرارا بمفرده 
في خطبته الأخيرةلم  يزل  يتحدث بلسانهم ويسيطر على أفكارهم ولا يريهم إلا ما يرى ولا يهديهم إلا سبيل الضلال 

ويا ليت تلك الخطبة الخاتمة كانت  عصماء أو ذات قيمة تذكر 

 إنها بضع كلمات تأثيرية خاوية من المعاني خدع بها شعبا من المستخفين استحقوا أن يكونوا بذلك من الفاسقين

وهكذا دوما يغلف الطغاة قمعهم لمعارضيهم بوصفهم وتسميتهم بمستبشع الألفاظ ومستقبح النعوت وقميء الأوصاف 
وهذا دأب معروف في صراع طويل بين الحق والباطل 
لم يحدث في التاريخ قط أن سمى طاغية معارضيه باسم مستحسن أو حتى غير مستقبح

ولقد كانت دائمًا من أهم أساليب واستراتيجيات أهل الباطل تسمية الأشياء بغير مسمياتها وترسيخ المفاهيم المغلوطة وتكرارها حتى تصير هي الأصل بينما تضمحل الحقائق وتنزوي بعيدًا رويدًا رويدًا حتى تكاد تختفي خلف سحابة كثيفة من الغبار.. 
غبار الكذب والتحريف

لكن لماذا اقتحم فرعون البحر بعد أن انشق لموسى؟!

ألم يلحظ هذا الذى يحدث؟!
ألم يفكر هنيهة أن هذا المشهد المهيب الذي يراه ليس أبدا مشهدا عاديا؟!
 ألم يوقفه هذا الصوت الهادر الذى يصم الآذان؟
 لا أشك أن جيشه قد تسمر فى مكانه لهول المنظر ولعل الخيل قد أجفلت وتعالى صهيلها، و كادت أن تسقط براكبيها لعظم المشهد 

 إنه الموج يتعالي 
 ما يحدث وتراه عين فرعون شيء مستحيل بكل المقاييس 

  لقد صار الموج يصافح السحاب و كأنه طود شاهق !
لماذا لم يحجم؟ 
هل بلغ غباؤه تلك الدرجة المذهلة؟! 
  لكأني أسمعه رغم كل هذا الهول يصيح: هلموا أيها الرعاع
 تحركوا
 أدركوهم 
 لا يمكن أن يفلتوا  
 أسرعوا فلقد كادوا أن يغيبوا عن البصر و تطويهم ظلال جبلي الماء 
  هيا اقتحموا ، ما لكم تترددون ؟
 إن كان موسى قد عبر فما يمنعنا من العبور خلفه ؟!
 إنها مجرد ظاهرة طبيعية لعلنا فقط لم نسمع بها من قبل 
 هيا أيها الجبناء 
 ها أنا ذا  أتقدمكم و لا يرهبنى هدير الماء ولا ظلال  الحيتان 

يا لحماقته.. 
بل هو على الأرجح خداعه لنفسه الذي بلغ أفظع مستوياته حتى يقدم على هذا الفعل الأرعن
ليست معجزات موسى بجديدة على ناظريه فكيف تصور أن تسخر له وأنه قد يستعملها لصالحه
الحقيقة أن إمكانيات فرعون العقلية ومواهبه كانت دوما محل شك بالنسبة لي خصوصا بعد تأمل هذا الموقف
والأكثر إثارة للعجب والدهشة هو ذلك التسليم المدهش والاتباع الأعمى لشخص محدود الموهبة وضعيف التفكير لهذه الدرجة

لكأني أرى بعيني تقدم أتباعه على مضض حين رأوا قائدهم الأرعن يقتحم تلك المخاضة المرعبة 
 لعلهم   تقدموا يهمهمون باعتراضات مكتومة لم تمكنهم نفوسهم المستخفة الفاسقة من البوح بها رغم أنهم يشعرون بقدر الحماقة التى هم مقبلون عليها 

 إنهم يعلمون جيدا أن هذه معجزة جديدة من معجزات موسى فكيف يأمنون ألا تسلط عليهم ؟

يا لكبر قائدهم و غروره !
ويالخفتهم ورعونتهم أن اتبعوه على ما كان من غباء يطفح من أقواله وأفعاله

هلموا... أسرعوا الخطي فهاهو موسى و قومه يظهرون على الضفة الأخرى و قد عبروا بسلام 
   ها هو فرعون يحث الخطي و يكاد يطير بفرسه 
 
هل هو قلق ؟
هل هو خائف أن يصير وجنوده وحدهم بين جبلى الماء بين جبلي الماء بعد عبور موسى وقومه؟ 
 أين ثقته التى كانت تقطر دوما من حروفه ؟!
أين كبره وعجرفته؟ 
أين ألوهيته المزعومة؟
أين ملكه وأنهاره التي تجري من تحته؟ 

ها هي تجري من فوقه
لقد التأم البحر
انطبق 
 هكذا وبدون مقدمات 
  عاد البحر لسابق عهده و ارتطم جبلا الماء !
وقضي الأمر 

{ فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين

لكن ما القيمة الآن؟ 
فات الوقت

  {فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون

 ها قد   غاب جيش فرعون فى الأعماق و كتمت الأمواج صرخاتهم فهل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا؟ 
الجواب لا
قد هلك الجميع وساد الصمت الذي لم يقطعه إلا هدير الأمواج المتلاطمة

لكن الأمر لم ينته بعد 

ثمة صوت واهن يظهر بصعوبة خلف هدير الأمواج
صوت يتخافت تدريجيا ويزداد وهنا حتى تكاد لا تميز ما يقول
صوت يغرغر مختنقًا بعبرات تختلط ملوحتها بملح البحر وطميه الذي يدسه المَلَك الأمين في الفم الفرعونى الذي طالما تمرغ في النعيم

لعلك ببعض الجهد تتبين فحوى تلك العبارة الطويلة من بين حشرجات الموت وتقطع السكرات

{آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }

يا لها من عبارة طويلة بالنسبة لهذا الموقف العصيب
كل هذه الحروف والكلمات وليس فيها الكلمة الأعظم

ليس فيها اسم الله!

ألهذه الدرجة ثقل لسانك الأثيم عن النطق باسم الله؟!
تدعى الإيمان الآن؟
{آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ }

وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن

فليزداد الاختناق
 ولتتوالى السكرات والحسرات والندم على ما فات
لكن هيهات هيهات،
لقد هلك، 
ومات،
مات أفجر طاغية عرفته البشرية
مات من قال أنا ربكم الأعلى وما علمت لكم من إله غيري
مات الذي قال أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي
فلتجرِ اليوم من فوقه ولات حين مناص.. 

ها هو يغيب رويدًا رويدًا تحت الأمواج

ولكن كلَّا.. 
لابد أن يكون آية
لابد أن يعرف الخلق أنه قد هلك لا يقولن أحدهم إله علا في سماء. 
لا بد أن يروه والطين في فمه والرعب على قسماته. 

{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }

اليوم
 عاشوراء
الذى ظن فرعون أنه سيكون يومه وعيده الذي سيتحاكى فيه الناس عن بطولاته وأمجاده وكيف كان وجنوده فوق عدوهم قاهرين

لقد ظل يومًّا مشهودًا
يومًا من أيام الرب الذي جحده فرعون واستكبر عن عباده 
يومًا أظهر الله فيه عبده عليه، وتركه آية لمن خلفه 
وصدق الموقن الكليم في حرفه الواثق
كلَّا إن معى ربى سيهدين
وقد كان
 هداه الله ونصره 
وأهلك عدوه
ونجى فرعون ببدنه
ليكون لمن خلفه آية يعتبر بها من أراد العبرة ويوعظ بها من ابتغى الذكرى.. 

فهل تراهم فعلوا؟!