معركة التعديلات الدستورية المصرية .. الإسلاميون (نعم) .. الأحزاب القديمة (لا) !

محمد جمال عرفة

التعديلات المقترحة تلزم «مجلسى الشعب والشورى» بانتخاب جمعية تأسيسية
خلال ستة أشهر، وعلى هؤلاء أن يضعوا دستورا جديدا خلال ستة أشهر أخرى،
ثم يتم استفتاء الشعب عليه خلال 15 يوما ، في حين أنه لا توجد آلية
أخرى واضحة ومحددة لإلغاء الدستور الحالى..

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


جمال عرفة | 12/4/1432 هـ
برغم تصاعد الخلافات بين الأحزاب والقوى السياسية التلقليدية والأخري الشبابية التي ظهرت عقب ثورة 25 يناير ، حول الموقف من التعديلات الدستورية، والاستفتاء عليها، المقرر إجراؤه يوم السبت 19 مارس ، يغفل كثيرون مادة هامة وردت في هذه التعديلات ربما تحل الاشكالية بين الرافضين لـ "ترقيع" دستور 1971 القديم ، والداعين لدستور جديد تماما ، وهؤلاء الذين يؤدون التعديلات المؤقتة .



هذه المادة هي المادة (189) مكرر، التي أضافتها لجنة التعديلات برئاسة المستشار طارق البشري ، والتي تنص علي أن : (يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسي شعب وشورى تاليين لإعلان نتيجة الاستفتاء على تعديل الدستور لاختيار الجمعية التأسيسية المنوط بها إعداد مشروع الدستور الجديد خلال ستة أشهر من انتخابهم، وذلك كله وفقا لأحكام الفقرة الأخيرة من المادة 189) .

معني هذه المادة ببساطة هو أنه عقب الاستفتاء علي هذه التعديلات الدستورية بالموافقة سوف يتم إجراء أنتخابات رئاسية ثم برلمانية ، وبعدما بستة أشهر - أي في غضون عام تقريبا من الان - سوف يجتمع هؤلاء النواب المنتخبون من الشعب (باستثناء الثلث الذي يعينه الرئيس في مجلس الشوري ) لوضع دستور جديد بالكامل لمصر .


وبالتالي فليس هناك خلاف بين المؤيدين والمعارضين علي مسألة تغيير الدستور الحالي بالكامل .. وإنما الخلاف يتركز في أن أنصار الحالة الثورية المستمرة يرون ضرورة استمرار الثورة حتي تغيير الدستور بالكامل وإنتخاب أعضاء البرلمان بموجب الدستور الجديد .


في حين أن أنصار قبول التعديلات الجزئية الحالية يرون أن تأخير عودة الاوضاع لطبيعتها وإطالة الفترة الأنتقالية تعطي الفرصة لأنصار الثورة المضادة والمظاهرات الفئوية ودعاة الفتنة الطائفية والحزب الحاكم سابقا وكذا القوي الخارجية لإشعال مزيد من الازمات !

بل أن الرافضين للتعديلات الدستورية المؤقتة يركنون في رفضهم لنفس مخاوف الطرف الاخر المؤيد لهذه التعديلات من زاوية التخوف من عودة انصار النظام السابق .. فأحزاب الوفد والتجمع والجبهة والناصرى والغد ومعها الدكتور محمد البرادعى، مؤسس الجمعية الوطنية للتغيير، وعمرو موسي أمين عام الجامعة العربية يرفضون التعديلات الجزئية الحالية ويطالبون بإلغاء الاستفتاء وتشكيل لجنة دستورية لوضع دستور جديد لهذا السبب ، وزاد من مخاوفهم أن الحزب الوطني البائد ايد التعديلات الدستورية .

وبالمقابل أعلنت جماعة الإخوان المسلمين تأييد التعديلات، ودعا المفكر الإسلامى الدكتور محمد سليم العوا المواطنين إلى المشاركة فى الاستفتاء والتصويت بـ«نعم» ، كما أيدها حزب العمل والقوي الاسلامية المختلفة ( الوسط - الجماعة الاسلامية - عبود الزمر) ، وقال الدكتور محمد سليم العوا «الذى يحب مصر عليه أن يصوت بالإيجاب لتعديل الدستور»، مؤكداً أنه لا يمكن أن يتم وضع دستور جديد فى المدة المتبقية من الفترة الانتقالية التى لا تتجاوز ٤ أشهر ونصف الشهر.


ماذا لو قال المصريون لا ؟

لا شك أن تصويت أغلبية المصريين بـ (لا) علي التعديلات الدستورية سوف يزيد الازمة ضبابية ، ويطيل أمد الفترة الانتقالية وتواجد الجيش في السلطة ، وما يتبع عدم الوضوح في الدولة من حالة من عدم الاستقرار والمظاهرات المتنوعة وتعطيل الانتاج وتدهور الاقتصاد .
هنا يؤكد المستشار محمد أحمد عطية، رئيس اللجنة القضائية العليا المشرفة على الاستفتاء، أنه «فى حال التصويت على التعديلات بـ (لا) سنكون أمام فراغ تشريعى، ويصبح القرار للمجلس الأعلى للقوات المسلحة».
ويقول المستشار "عطية" أنه إذا خرجت نتيجة الاستفتاء برفض التعديلات المقترحة فسيعود الأمر فى هذه الحالة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم حاليا لتحديد طبيعة الفترة المقبلة من الناحيتين السياسية والدستورية.
أما الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء فيقول إنه فى حالة تصويت الأغلبية بـ«لا» على التعديلات الدستورية فى الاستفتاء، سيتم إصدار إعلان دستورى لإدارة البلاد فى المرحلة المقبلة .


التعديلات بمثابة "إعلان دستوري " !

أحد أسباب الخلاف الأخري بين المؤيدين للتعديلات الدستورية المؤقتة والرافضين لها هو أن المؤيدين يعتبرون هذه التعديلات في حد ذاتها (إعلان دستوري) في حين لا يراها الرافضون هكذا ويؤكدون أن الموافقة علي هذه التعديلات معناها القبول بالدستور القديم كما هو بباقي عيوبه باستثناء ما جري تعديله من مواده .


وقد اقترح فقهاء دستوريون ونشطاء، لحل مشكلة التصويت بـ (لا) ، انتزاع المواد الدستورية التي سيتم الاستفتاء على تعديلها ، من دستور 71، ووضعها في إعلان دستوري من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة ينظم للمرحلة الانتقالية لحين انتخاب رئيس للجمهورية أو لجنة تأسيسية لصياغة الدستور، وذلك تجنبا لمعضلات دستورية وسياسية كثيرة سيسببها استدعاء الدستور الذي عطل منذ ما يقرب من الشهر لحين استكمال التعديلات الدستورية.
وقال المحامي صبحي صالح عضو لجنة تعديل المواد الدستورية أن الاستفتاء بلا على التعديلات يوم 19 مارس، سيجعل الاختيارات مفتوحة أمام المجلس الأعلى للقوات المسلحة والذي يدير البلاد، ما بين تعيينه لأعضاء لجنة تأسيسية لصياغة دستور جديد، أو دعوته لانتخاب اعضاء هذه اللجنة، أي أن القرار سيكون بيد المجلس الأعلى وليس بيد الشعب أو القوى السياسية، إذا ما تم رفضنا استلام السلطات التي يمسك بها الجيش تباعا .
وأضاف صالح ، أن المطالبات بإصدار المجلس العسكري لإعلان دستوري، وتشكيل مجلس مؤقت لإدارة البلاد و وضع إطار زمني لانتقال السلطة، ليست ذات معنى، إذ أن الإعلان الدستوري موجود بالفعل ومنشور في الجريدة الرسمية، والمجلس الانتقالي ممثل في قيادة المجلس العسكري، والإطار الزمني موضوع ومعروف.



ويقول خبراء قانون أن إعادة استدعاء دستور 71 الذي يتخوف منه المعارضة للتعديلات الدستورية المؤقتة ، لن يحدث لأن البيان الخامس للمجلس الأعلى للقوات المسلحة قرر تعطيل العمل بأحكام الدستور، لكنه قرر، في البيان نفسه، تكليف لجنة لتعديل بعض مواد الدستور، أي أننا أمام إعلان دستوري يضم تلك المواد المعدل لا الدستور القديم ككل !.

ولقد أوضح هذه النقطة اللواء ممدوح شاهين، مساعد وزير الدفاع للشؤون الدستورية والقضائية، عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، يوم 12 مارس الجاري بقوله إنه بموجب "الإعلان الدستوري" الذي أصدره المجلس منذ توليه إدارة شؤون البلاد تم تعطيل دستور 71، وبالتالي فإن المواد التسعة المعدلة والمقرر إجراء الاستفتاء عليها سوف تشكل دستورًا مؤقتًا لحين إعداد الدستور الجديد بعد انتخاب الرئيس القادم.

ثم أصدر المجلس الأعلى "رؤية حول التعديلات الدستورية"، نشرها على صفحته الرسمية في موقع "فيس بوك" قبل 5 أيام من الاستفتاء، جاء فيها أن القوات المسلحة قامت في 13/2/2011 بإصدار الإعلان الدستوري متضمنا المقومات الأساسية للإعلان، وأكد أن التعديلات تتضمن وجوب قيام كل من رئيس الجمهورية وأعضاء مجلسي الشعب والشورى بانتخاب جمعية تأسيسية خلال 6 أشهر على أن تقوم الجمعية التأسيسية بإعداد مشروع دستور جديد خلال الستة أشهر التالية ثم عرض مشروع الدستور على الشعب خلال خمسة عشر يومًا من إعداده للاستفتاء عليه.


من يختار لجنة تشكيل دستور جديد ؟

أيضا من نقاط الخلاف القوية بين المؤيدين للتعديلات المؤقتة (اي الاعلان الدستوري) والرافضين لها هو مسألة الخلاف حول من يعين أعضاء لجنة وضع دستور جديد بالكامل علي فرض رفض فكرة التعديلات المؤقتة .
فالمعارضون للتعديلات الدستورية المؤقتة يختلفون في تحديد من يتم إختياره في عضوية هذه اللجنة وبالانتخابات أم التعيين ، في حين أن مؤيدي هذه التعديلات الدستورية يرون أن التعديلات حسمت الأمر وحددت من يضعون الدستور الجديد بأنهم أعضاء البرلمان المنتخب الجديد .
وهو ما سوف يعفينا من الجدل هو : من ينتخب لجنة وضع الدستور الجديد أو يختار أعضاءها؟ وهل يختارهم المجلس الأعلى حاليًا أم يختارهم رئيس الجمهورية المنتخب أولا؟
فقد أعطت التعديلات على المادة 189 والمادة 189 مكرر، الحق لمجلسي الشعب والشورى، في عقد اجتماع مشترك لانتخاب الجمعية التاسيسية المنوط بها إعداد مشروع الدستور الجديد، ويعرض رئيس الجمهورية (الذي سيكون قد تم انتخابه) المشروع، على الشعب لاستفتائه في شأنه، ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء.


أهمية أن نقول نعم

ويقول أنصار تأييد هذه التعديلات وضرورة أن نقول (نعم) أن التعديلات الجديدة المؤقتة ستسد الفراغ الدستوري لحين الاتفاق على دستور جديد، وتسرع تسليم المجلس العسكري للسلطة، كما تسرع من رفع حالة الطوارئ، وتحد من اللجوء إليها مستقبلا، وتعطي القضاء الحق في إدارة الانتخابات والإشراف عليها، وتحمي إرادة الشعب من التزوير، وتتيح إجراء انتخابات واستفتاءات حرة ونزيهة.
كما أنها تلزم البرلمان والرئيس القادمين بانتخاب هيئة تأسيسية لوضع دستور جديد في غضون ستة أشهر فقط ، والأهم أنها تخفف شروط الترشح لرئاسة الجمهورية، وتحدد مدة الرئاسة، وتلغي قاعدة أن مجلس الشعب هو سيد قراره، وتؤكد احترام رأي القضاء، وتلغي المادة 179 من الدستور الخاصة بالإرهاب، وتلزم الرئيس المقبل بتعيين نائب له .
والأهم أن رفض هذه التعديلات معناه أن يستمر عدم الاستقرار لمدة تزيد علي عام حتي وضع دستور جديد قد تحدث فيها مشكلات كثيرة وتدخلات خارجية وداخلية قد تعصف باستقرار البلاد في ظل حالة الهلام والضباب الدستورية .
ويقول هؤلاء المؤيدون للتعديلات الدستورية أن الجيش له وظيفة أخري لحماية البلاد يجب أن يتفرغ لها ويعود لثكناته في ظل حالة التوترات الاقليمية والدولية الحالية ، كما أن بقاء الجيش مدة أطول في السلطة - برغم رغبته في تسليمها بسرعة - قد يغري قيادات عسكرية بالبقاء .


أهمية أن نقول لا

وفي المقابل يري الرفضون لهذه التعديلات المؤقتة والداعين لدستور جديد بالكامل أن الشرعية الثورية الجديدة تتطلب دستور جديد بالكامل لا ترقيع للدستور القديم ، وأن الدستور الجديد سيكون معناه حدوث تغييرات جذرية في النظام السياسي، وربما تحوله من نظام رئاسي إلى نظام برلماني، وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، وإلغاء نسبة العمال والفلاحين في البرلمان أو الإبقاء عليها، وغير ذلك، علما أنها أمور تحتاج إلى حوار وطني واسع لحسم الاختيارات وهناك صعوبة في حسمها في ظل حالة السيولة والضبابية السياسية .
كما يري هؤلاء الرافضون للتعديلات الدستورية المؤقتة أن الأوضاع لا تزال غير ملائمة على المستويين السياسي والأمني، وأنه من الأولى تأجيل تسليم السلطة سنة أو سنتين من الجيش الفترة المتبقية على الانتخابات لا تكفي لاستعداد الأحزاب القائمة أو ظهور أحزاب جديدة تعبر عن الثورة ، وإلا لفاز المنظمون حاليا فقط في الشارع وهم أنصار الحزب الحاكم وجماعة الاخوان المسلمون .


لماذا نصوت بنعم على التعديلات الدستورية؟

ومع هذا تبقي حقائق لا بد أن يضعها كل طرف في ذهنه قبل التصويت منها :
1.أن التعديلات المقترحة تلزم «مجلسى الشعب والشورى» بانتخاب جمعية تأسيسية خلال ستة أشهر، وعلى هؤلاء أن يضعوا دستورا جديدا خلال ستة أشهر أخرى، ثم يتم استفتاء الشعب عليه خلال 15 يوما ، في حين أنه لا توجد آلية أخرى واضحة ومحددة لكل الراغبين فى إلغاء الدستور الحالى وإعداد دستور جديد.
2.ـ أن فكرة تسليم البلاد إلى مجلس رئاسى مختلط فكرة هلامية لأن إقرارها يعنى فتح أبواب تساؤلات عديدة، من الذى يختار هؤلاء، وما هى صلاحياتهم؟ وماذا يحدث عند اختلافهم؟ وإذا كان هناك ممثل للجيش فهل سيكون صاحب القدرة على تنفيذ ما يريده الجيش عند الاختلاف لأنه صاحب السلطة الحقيقية على الأرض !؟.
4.أن الإعلان الدستورى الذى يقترحه البعض من السياسيين سيضطر فى غياب البرلمان إلى إعطاء الرئيس حق تشكيل الحكومة منفردا، وحق سن التشريعات منفردا إلى حين انتخاب برلمان يقر هذه التشريعات جملة أو يلغيها دون قدرة على إدخال تعديلات عليها، أو يقترحون تعيين برلمان.
5.أن الرئيس الجديد دون برلمان سابق عليه يعنى استمرار الجيش فى مراقبة الرئيس حتى لا ينحرف وهو فى نفس الوقت القائد الأعلى للقوات المسلحة مما يضع البلاد فى مأزق، وهو نفس التصور مع المجلس الرئاسى المقترح .
6.التصويت بنعم يقطع الطريق على فلول الحزب الوطنى والمنتفعين من النظام البائد من إعادة ترتيب أنفسهم بعد الضربات التي تعرضوا لها ، وليس العكس من أنهم سيفوزون بغالبية مقاعد البرلمان .
7.في حالة رفض التعديلات ستدخل البلاد في حالة من الفراغ الدستوري وقد يتم فرض الأحكام العرفية ، ومن ثم يدخل البلاد فى دوامة الفوضى التى تغيب فيها المرجعية التى يحتكم إليها فى ضبط مسيرة الانتقال إلى الوضع المستقر وكل إطالة للفترة الانتقالية تصبح سحبا من رصيد الثورة، وفرصة مواتية للثورة المضادة.
 

المصدر: موقع المسلم