شرح حديث: البينة على المدعي واليمين على من أنكر

هذا الحديث من أجلِّ الأحاديث وأرفعها، وأقوى الحجج وأنفعها، وقاعدة عظيمة من قواعد الشريعة المطهرة، وأصل من أصول أحكام الإسلام المحررة، وأعظم مرجع عند الخصام، وأكرم مستمسَك لقضاء الإسلام، وقيل: إنه فصل الخطاب الذي أوتيه داود عليه السلام.

  • التصنيفات: التصنيف العام - شرح الأحاديث وبيان فقهها -

عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى رجالٌ أموال قومٍ ودماءهم، لكن البينة على المدَّعِي، واليمين على من أنكر»؛ حديث حسنٌ، (رواه البيهقي وغيره هكذا، وبعضه في الصحيحين).

 

منزلة الحديث:

 

هذا الحديث من أجلِّ الأحاديث وأرفعها، وأقوى الحجج وأنفعها، وقاعدة عظيمة من قواعد الشريعة المطهرة، وأصل من أصول أحكام الإسلام المحررة، وأعظم مرجع عند الخصام، وأكرم مستمسَك لقضاء الإسلام، وقيل: إنه فصل الخطاب الذي أوتيه داود عليه السلام[1].

 

  قال النووي رحمه الله: وهذا الحديث قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشرع، ففيه أنه لا يُقبَل قول إنسان فيما يدعيه بمجرد دعواه، بل يحتاج إلى بينة، أو تصديق المدَّعَى عليه، فإن طلب يمين المدعى عليه فله ذلك[2].

 

  قال ابن دقيق العيد رحمه الله: وهذا الحديث أصل من أصول الأحكام، وأعظم مرجع عند التنازع والخصام، ويقتضي ألا يحكم لأحد بدعواه[3].

 

  هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الدين الذي يبني أحكامه على الحقائق، وإذا فقد الدليل فلا بد من اليمين، وهو فصل الخطاب[4].

 

 غريب الحديث:

 

لو يعطى الناس: لو يجاب في دعواه.

 

دعواهم: بمجرد قولهم أو طلبهم.

 

لادعى رجال: أي لاستباح الناس دماء غيرهم دون حق.

 

البينة: شهود أو دلالة.

 

اليمين: الحلف على نفيِ ما ادُّعِيَ به عليه.

 

 شرح الحديث:

 

«لو يعطى الناس»؛ أي: الأموال والدماء، «بدعواهم»؛ أي: لو كان من ادعى شيئًا عند الحاكم يعطاه بمجرد دعواه بلا بينة «لادعى رجالٌ أموال قومٍ ودماءهم»، وذكر الرجال لا لإخراج النساء، بل لأن الدعوى غالبًا إنما تصدر منهم.

 

  «لكن البينة على الـمدعِي» إنما كانت البينة على المدعِي؛ لأنه يدعي خلاف الظاهر، والأصل براءة الذمة، وإنما كانت اليمين في جانب المدعَى عليه؛ لأنه يدعي ما وافق الأصل، وهو براءة الذمة.

 

  «واليمين على من أنكر»؛ أي: مَن أنكر دعوى خصمه إذا لم يكن لخصمه بينة، فإذا قال زيدٌ لعمرو: أنا أطلبك مائة درهم، وقال عمرو: لا، قلنا لزيد: ائتِ ببينة، فإن لم يأتِ بالبينة، قلنا لعمرو: احلف على نفي ما ادعاه، فإذا حلف برئ.

 

 الفوائد من الحديث:

 

1- الشريعة الإسلامية حريصة على حفظ أموال الناس ودمائهم؛ لقوله عليه السلام: ((لو يعطى الناس بدعواهم..))؛ الحديث.

 

2- لا يُحكَم لأحد بمجرد الدعوى، وعلى المدعِي إقامة البينة، فإن عجز طولب المدعَى عليه باليمين.

 

3- قد يوجد من الناس من لا رادع عنده ولا تقوى؛ فيدعي دماء أناس وأموالهم.

 

4- الأصل براءة الإنسان المسلم من كل تهمة ونقيصة حتى تثبت بينة.

 

5- الحديث أصل في باب القضاء.

 

 

الكاتب: عبدالعال بن سعد الرشيدي


[1] الفتوحات الربانية (7/ 349).

[2] شرح مسلم للنووي (12/4 ج 1711).

[3] شرح الأربعين لابن دقيق العيد (99) المفهم شرح مسلم للقرطبي (5/ 148 ح 1802).

[4] الإلمام (351).