رفقاً بأهل الوطن

كُل الطُرق إلى الله مُزهِرة، فالقلوب البيضاء النقية الطاهرة لا تُغيرها كثرة الشرور، فمن العدل والإنصاف الرفق بالمخالف ورفض الظلم لكل الناس مؤيدا كان أم معارضا والأحداث تجري سريعا فنرى كل يوم حكمة الله وآياته في خلقه على أرض الواقع لعل الناس لربهم يرجعون.

  • التصنيفات: التصنيف العام - قضايا إسلامية معاصرة -

أهل الحق القابضون على الجمر هم الأمل المنشود بعد الله تعالى لإيقاظ الأمة من سباتها، بل هم طوق النجاة للبشرية مما تعانيه من جور واضطراب وقلق وسيطرة المادة والخواء الروحي وغياب القيم وغيرها من مشكلات العصر، بل هم سفينة النجاة لعالم فقد فيه الإنسان مدلول الإنسانية ومشاعرها.

قال ربعي بن عامر رضي الله عنه: "لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة".

ويجب ألا يخبوا هذا الأمل ولا ينطفئ هذا المشعل حتى ينير الله به ظلمات القلوب ويحيي به جوانب النفوس ويتحرر به الإنسان وتعلوا به الأوطان. وحتى تتحقق الأهداف العظام لابد من الالتقاء على فكر يجمع ولا يفرق، نجتمع على كلمة سواء نتعاون فيما اتفقنا فيه من العقائد والكليات والثوابت والقيم والمفاهيم الثابتة الراسخة بهذا الدين وفي الضمير والوجدان الحي، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه من أراء فقهية وفروع شتى وتوجهات عدة فكل ميسر لما خلق له، فيجمعنا الوطن وتتعدد الرايات، حتى نكون يداً واحدة نصنع المستقبل لديننا وأمتنا في وجه أعدائنا الذين يعملون على تفريقنا وتمزيقنا، شعارهم "فرق تسد" يتلاعبون بنا تلاعب الصبيان بالكرة.

فالمؤامرة كبيرة وخطيرة وشاملة بلا هوادة بقدر ما نحمل من المنهج فمن حمل المنهج كاملا كانت المؤامرة عليه شاملة وفاصلة ومن حمل نصف منهج يعادى نصف عداء ومن فرط في المنهج بالكلية فتحت له المنابر والفضائيات. فما أتعس الأشقياء حينما لا ينطلقون إلا من مبادئ بطونهم وفروجهم وأهوائهم ويتركوا الحق جانباً غير عابئين بمصالح البلاد والعباد.

فلا أقل أيها الأحرار من تفويت الفرص التي يراد بها تفرقة الجموع وتشتيت الشمل وعدم الاستفادة من الأحداث وإظهارك بكل نقيصة بالاتهامات الباطلة المتناقضة فتارة بالعنف والتعصب وتارة بالانحلال والإلحاد وتارة بالثورية الفوضوية وتارة بالعمالة وعدم الوطنية والشماتة في معاناة الشعب والوطن وتارة باستكثار فرحة الناس، وكل تلك الأراجيف كذب وخداع ما أنزل الله بها من سلطان، فالقوم قومنا والأهل أهلنا والوطن وطننا نفديه بالغالي والثمين ولكن تمني فشل اللصوص لا يعني بالضرورة تمني فشل الوطن فاللهم احفظ بلادنا وقها شر الأشرار.

وكثيرا أيها الأحباب ما نخسر قضايا مضمونة النجاح، ونكتسب أعداء كنا نعدهم يوما من الأصدقاء، لضعف الحجة، أو سوء العرض، أو عدم فهم القضية، فكثيرا ما يَفتقر الحق لحسن بيان، وقد أمرنا جل وعلا
{ يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

وكُل الطُرق إلى الله مُزهِرة، فالقلوب البيضاء النقية الطاهرة لا تُغيرها كثرة الشرور، فمن العدل والإنصاف الرفق بالمخالف ورفض الظلم لكل الناس مؤيدا كان أم معارضا والأحداث تجري سريعا فنرى كل يوم حكمة الله وآياته في خلقه على أرض الواقع لعل الناس لربهم يرجعون.

ولنا في رسولنا صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة والمقام الرفيع في التعامل مع المخالف والمخطئ والمسيء على المستوى الفردي والجماعي والسياسي فكان من السياسة الحكيمة له صلى الله عليه وسلم مع المنافقين وهو الحاكم وولي الأمر المسيطر على مجريات الأحداث تركهم واحتمال أذاهم سدًا لذريعة أن يتحدث الناس أن محمدًا صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه. فالعامّة والغائبين لا يَبْلغون بعلمهم إلى معرفة حقائق الأمور الجارية في المدينة المنورة، فيستطيع دعاة الفتنة أن يشوّهوا الأعمال النافعة بما فيها من صورة بشيعة عند من لا يعلم الحقيقة.

فانظر ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الحلم والرفق والصبر على بعض المفاسد خوفا من أن تُخلِف مفاسد أعظم منها، وكان صلى الله عليه وسلم يتألف الناس، ويصبر على جفاء الأعراب والمنافقين وغيرهم لتقوى شوكة المسلمين، وتتم دعوة الإسلام، ويتمكن الإيمان من قلوب المؤلفة، ويرغب غيرهم في الإسلام.

والقاعدة الفقهية تقر بأن "دفع الضر، مقدم على جلب المنفعة".

وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها
«لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة ولجعلتها على أساس إبراهيم».

فإذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم فخشي  صلى الله عليه وسلم فتنة بعض من أسلم قريبا، فتركها صلى الله عليه وسلم تأليفا لقلوب الرعية وحسن حياطتهم.

ومن الناس من يُتقى لفحشه أو ضرره أو نقصان عقله أو عدم مناسبة الزمان والمكان والحوار حتى تنضج العقول وتلين القلوب

عن عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال:
«ائذنوا له فبئس ابن العشيرة» . أو بئس «أخو العشيرة»، فلما دخل ألان له الكلام، فقلت له: يا رسول الله، قلت ما قلت ثم ألنت له في القول؟ فقال: «أي عائشة، إن شر الناس منزلة عند الله من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه» . (رواه البخاري ومسلم).

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه (والله إنا لنبش في وجوه أقوم وقلوبنا تلعنهم).

ويوضح شيخ الإسلام أن "لو كان كلما اختلف مسلمان في شئ تهاجرا لم يسد بين المسلمين عصمة ولا أخوة" (مجموعة الفتاوى ابن تيمية 24/ 173)

فما أحوجنا إلى ما قاله أمير الشعراء:-

لقد تَخالفنا والمُخالفُ قد يُخالفه العشير                 في الرأي تَضًغِنُ العقول وليس تَضًغِنُ الصدور


فبلا أدنى شك سينجو الوطن وينجح في اجتياز المخاطر والصعاب وسيعلو فوق الجميع تحت راية القرآن وثبات أهل الإيمان.

فإن نزل القضاء بما نحب ونرضى فنحمد الله وهو الـمستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق نيته والتقوى سريرته وسيأتي أجمل يوم بالتأكيد سنرزق سنسعد سنفرح سنحيا سنبكي من شدة الفرح وسنعوض بكل جميل ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا.

ويوما ما سنلتقي جميعا، مسبحين مهللين مكبرين حامدين شاكرين الله تعالى، سنلتقي ونغنى ونشدوا للوطن.

بقلم/ ماهر جعوان