العُجْب (2)

خالد سعد النجار

قال الشافعي: التواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من أخلاق اللئام. وقال أيضا: أرفع الناس قدرا من لا يرى قدره، وأكبر الناس فضلا من لا يرى فضله.

  • التصنيفات: التصنيف العام - مساوئ الأخلاق -

بسم الله الرحمن الرحيم


عن أنس -رضي الله عنه-  قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:  «لو لم تكونوا تذنبون لخفت عليكم ما هو أكبر من ذلك: العُجْب، العُجْب» 

                                          يا من غلا في العجب والتيه        وغــره طـول تمـاديه

                                          أملى لك الله فبارزته          ولم تخف غب معاصيه (10)


قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنه-: لو كان العجب رجلاَ لكان رجل سوء. (11)


وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: التوفيق خير قائد، وحسن الخلق خير قرين، والعقل خير صاحب، والأدب خير ميراث، ولا وحشة أشد من العجب. (12)


وقال أبو الدرداء: لو أن عبداَ من عباد الله عز وجل قدم على الله بعمل أهل السماوات والأرضيين من أنواع البر والتقوى لم يزن ذلك مثقال ذرة مع ثلاث خصال: العجب، وإيذاء المؤمنين، والقنوط من رحمة الله. (13)


وكان يحيى بن معاذ يقول: إياكم والعجب، فإن العجب مهلكة لأهله، وإن العجب ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. (14)


وكان ذو النون يقول: أربع خلال لها ثمرة: العجلة، والعجب، واللجاجة، والشره. فثمرة العجلة الندامة، وثمرة العجب البغضة، وثمرة اللجاجة الحيرة، وثمرة الشره الفاقة. (15)


وقال عبد الله بن المبارك: اثنتان منجيتان واثنتان مهلكتان، فالمنجيتان: النية والنهي، فالنية أن تنوي أن تطيع الله فيما يستقبل، والنهي أن تنهى نفسك عما حرم الله عز وجل، والمهلكتان: العجب والقنوط. (16)


قال السري: إنما أذهب أكثر أعمال القراء العجب وخفي الرياء. (17)


وكان محمد بن واسع يقول: واصاحباه ذهب أصحابي، قيل له: يرحمك الله أليس قد نشأ شباب يقرءون القران ويقومون الليل ويصومون النهار ويحجون ويقرءون؟ فبزق وقال: أفسدهم العجب. (18)


ودخل رجل على عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- فقال من سيد قومك؟ قال: أنا، فسكت عمر ثم قال: لو كنت سيدهم ما قلته. (19)


وقال الشافعي: التواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من أخلاق اللئام. وقال أيضا: أرفع الناس قدرا من لا يرى قدره، وأكبر الناس فضلا من لا يرى فضله. (20)


قال حاتم: لا أدري أيهما أشد على الناس: اتقاء العجب، أو الرياء، العجب داخل فيك، والرياء يدخل عليك، العجب أشد عليك من الرياء، ومَثلهما أن يكون معك في البيت كلب عقور، وكلب آخر خارج البيت، فأيهما أشد عليك الذي معك أو الخارج؟ فالداخل العجب، والخارج الرياء. (21)


وكسر العجب بأربعة أشياء:

أولها: أن يرى التوفيق من الله تعالى، فهذا يحمله على الاشتغال بالشكر، ولا يعجب بنفسه.

الثاني: أن ينظر إلى النعماء التي أنعم الله بها عليه، فإذا نظر في نعمائه اشتغل بالشكر عليها، واستقل عمله ولا يعجب به.

الثالث: أن يخاف أن لا يتقبل منه، فإذا اشتغل بخوف القبول لا يعجب بنفسه.

الرابع: أن ينظر في ذنوبه التي أذنب قبل ذلك، فإذا خاف أن ترجح سيئاته على حسناته، فقد كسر عجبه، وكيف يعجب المرء بعمله ولا يدري ماذا يخرج من كتابه يوم القيامة، وإنما يتبين عجبه وسروره بعد قراءة الكتاب.


كان أبو عثمان سعيد بن إسماعيل يقول: صِدق الإخلاص نسيان رؤية الخلق لدوام النظر إلى الخالق، والإخلاص أن تريد بقلبك وبعملك وعلمك وفعلك رضا الله تعالى، خوفا من سخط الله، كأنك تراه بحقيقة علمك، فإنه يراك حتى يذهب الرياء عن قلبك، ثم تذكر منة الله عليك إذا وفقك لذلك العمل حتى يذهب العجب من قلبك، وتستعمل الرفق في عملك حتى تذهب العجلة من قلبك. فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه» (22) (23).


وقال أبو ذر الغفاري: زر القبور تذكر بها الآخرة، واغسل الموتى فإن معالجة جسد خاو موعظة بليغة، وكل مع صاحب البلاء تواضعاَ لربك وإيماناَ به، والبس الخشن الضيق من الثياب لعل العجب والكبر لا يكونن لهما فيك مساغاَ. (24)


وقال سهل بن عبد الله التستري: لم يتخلص من هذه الثلاثة إلا صدّيق: (العجب، والذكر، والدعوى) ولم يتخلص منها إلا من عرف نعم الله عليه في مسالك الروح، وعرف تقصيره في أداء الشكر، فمن كان هكذا سلم. (25)


وقال إبراهيم بن أحمد: حلاوة الطاعات للمخلص مذهبة لوحشة العجب (26)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
(10) أبو بكر بن طاهر الأبهري / تفسير القرطبي ج: 19 ص: 246. 

(11) الفردوس بمأثور الخطاب ج: 3 ص: 340  برقم  5026.  

(12) شعب الإيمان ج: 4 ص: 161 برقم 4661.  

(13) الفردوس بمأثور الخطاب ج: 3 ص: 364 برقم  5102 .

(14) شعب الإيمان ج: 5 ص: 452 برقم  7248. 

(15) شعب الإيمان ج: 6 ص: 294 برقم 8215. 

(16) حلية الأولياء ج: 7 ص: 298. 

(17) شعب الإيمان ج: 5 ص: 356 برقم 6925.   

(18) كتاب الزهد لابن أبي عاصم ج: 1 ص: 276. 

(19) شعب الإيمان ج: 6 ص: 304 برقم  8262 .   

(20) شعب الإيمان ج: 6 ص: 304 برقم  8263 .

(21) حلية الأولياء ج: 8 ص: 76 .

(22) أورده السيوطي في الجامع الصغير عن أنس. وقال الألباني (صحيح) انظر حديث رقم: 5654 في صحيح الجامع.‌

(23) شعب الإيمان ج: 5 ص: 348 برقم 6885.  

(24) الفردوس بمأثور الخطاب ج: 2 ص: 294  برقم 3343 .

(25) شعب الإيمان ج: 5 ص: 348 برقم 6887.   

(26) حلية الأولياء ج: 10 ص: 364.