أمريكي ويموت في مكة

منذ 2004-04-23
أمريكي ويموت في مكة د. عبد الرحمن صالح العشماوي
لم يكن يخطر بباله قبل أنْ يأتي إلى المملكة العربية السعودية أن يفكِّر في دين الإسلام، أو يشغل ذهنه بالمسلمين وبما هم عليه من هُدَى الإسلام، فهو موظف كبير في شركة كبيرة، مكانته في عمله مرموقة، وحياتُه حافلةٌ بالعمل الجاد الذي مكًّنه من الحصول على عددٍ من الشهادات والأوسمة من كبار المسؤولين في شركته وفي دولته «العظمى» أمريكا، يقول عن نفسه: «قبل أن آتي إلى الرياض مسؤولاً كبيراً في الشركة الأمريكية لم أكن أشغل بالي بالدين، ونصوصه وتعاليمه، حياتي كلُّها مادةٌ وعمل وظيفي ناجح، وإجازاتٌ أروِّح عن نفسي فيها بما أشاء من وسائل الترويح المباحة وغير المباحة، شأني في ذلك شأن ملايين البشر في هذا العالم الذين يعيشون حياتهم بهذه الصورة المملَّة من الحرية المزعومة.

ومرَّت بي شهور في عملي الجديد في مدينة الرياض وأنا مستغرق في تفاصيل وظيفتي المهمة في مجال عملي، كان همِّي الأكبر أن أنجح في هذا العمل حتى أزداد رقيَّاً في الشركة التي أعمل فيها، ومكانةً مرموقة بين الناجحين في بلدي الكبير الذي يجوب العالم طولاً وعرضاً مسيطراً متدخلاً بقوته العسكرية في شؤون الناس.

وذات يومٍ كنتُ جالساً في مكانٍ، في لحظة استرخاء، ولفت نظري لأول مرَّة منظر عددٍ غير قليل من المسلمين سعوديين وغير سعوديين يتجهون إلى مسجد كبير كان قريباً من ذلك المكان، وكنت قد سمعت الأذان أوَّل ما جلستُ، وشعرتُ حينما سمعتُه بشعور لم أعهده من قبل - هبَّت من خلاله نسائم لا أستطيع أن أصفها، وانقدح في ذهني سؤال: لماذا يصنع هؤلاء الناس ما أرى، ومن الذي يدفعهم بهذه الصورة إلى المسجد، وكأنهم يتسابقون إلى مكان يدفع لهم نقوداً وهدايا ثمينة تستحق هذا الاهتمام؟؟

كان السؤال عميق الأثر في نفسي، جعلني اهتمُّ بمتابعة ما يجري بصورة أعمق وسمعت حركة صوت مكبِّر الصوت، ثم الإقامة، وبدأت أفكَّر بصورة جدَّية، وحينما سمعت الإمام يقول «السلام عليكم»، وجهت نظري إلى بوَّابة المسجد الكبيرة فإذا بحشود المصلِّين يخرجون يتدافعون، ويصافح بعضهم بعضاً بصورة كان لها أثرها الكبير في نفسي، ووجدتني أردِّد بصوت مرتفع «يا له من نظام رائع»، وكانت تلك بداية دخولي إلى عالم الإسلام الجميل، وفهمت بعد ذلك كلَّ شيء، ووجدت جواباً شافياً عن سؤال سألته ذاتَ يومٍ وأنا غاضب ، حيث كنت في سوق كبير من أسواق الرياض وكنت أريد شراء شيء على عجلةٍ من أمري ففوجئت بالمحلات التجارية تغلق أبوابها، وحاولت أن أقنع صاحب المحل التجاري الذي كنت أريد شراء حاجتي منه أن ينتظر قليلاً فأبى وقال: بعد الصلاة إن شاء الله، لقد غضبت في حينها، ورأيت أن هذا العمل غير لائق، وبعد أن أسلمت أدركتُ مدى الدافع النفسي الدَّاخلي القوي الذي يمكن أن يجعل ذلك التاجر بهذه الصورة.

أمريكي أبيض أشرق قلبه بنور الإيمان، وعرف حلاوة الإسلام، وبدأ يتحدَّث إلى أصدقائه بالمشاعر الفيَّآضة التي تملأ جنبات نفسه، والسعادة التي لم يشعر بها أبداً من قبل، وبعد مرور شهرين على إسلامه أبدى رغبته في زيارة البيت الحرام للعمرة والصلاة أمام الكعبة مباشرة، وانطلق ومعه صديقان من رفقاء عمله من السعوديين، وهناك في رحاب البلد الأمين، وفي ساحات المسجد الحرام وأمام الكعبة المشرَّفة حلَّق بروحه في الآفاق الروحية النقيَّة الطاهرة، وقد رأى منه مرافقاه عجائب من خشوعه ودعائه وبكائه، وقال لهما: كم في هذا العالم من المحرومين من هذا الجو الروحي العظيم.

أتمَّ عمرته قبل صلاة العشاء، وكان حريصاً على الصلاة في الصف الأوَّل المباشر للكعبة، وحقَّق له مرافقاه ذلك، وبدأت الصلاة، وكان الأمريكي المسلم في حالةٍ من الخشوع العجيب، يقول أحد مرافقيه: وحينما قمنا من التشهُّد الأوَّل لم يقم، وظننته قد استغرق في حالته الروحية فنسي القيام، ومددت يدي إلى رأسه منبها له، ولكنه لم يستجب، وحينما ركعنا رأيته يميل ناحية اليمين، ولم يسلَّم الإمام من صلاته حتى تبيَّن لنا أن الرجل قد فارق الحياة، نعم، فارق الحياة، أصبح جسداً بلا روح، لقد صعدت تلك الروح التي رأينا تعلُّقها الصادق بالله في تلك الرحاب الطاهرة، صعدت إلى خالقها يقول المرافق: لقد شعرت بفضل الله العظيم على ذلك الرجل رحمه الله ، وشعرت بالمعنى العميق لحسن الخاتمة، وتمثَّل أمام عيني حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، عن الرجل الذي يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، لقد عرفت هذا الرجل الأمريكي كافراً قبل أن يسلم، ورأيت كيف تغيَّرت ملامح وجهه بعد أن أسلم، ورأيت خشوعه لله في صلاته، ورأيته طائفاً ساعياً، ورأيته مصلَّياً ورأيته ميتاً في ساحة الحرم المكي الشريف، وودَّعته مشيعاً حيث تم دفنه في مكة المكرمة بعد استئذان أهله في أمريكا.

يقول مرافقه: حينما علم زملاؤه الأمريكان وهم غير مسلمين بما حصل له.

قال أحدهم: إنني أغبطه على هذه الميتة، قلت له: لماذا؟

قال: لأنه مات في أهم بقعة، وأعظم مكان في ميزان الدين الإسلامي الذي آمن به واعتنقه.

اللهم إنا نسألك حسن الختام ياربَّ الأَنام.

عبد الرحمن بن صالح العشماوي

الشاعر المعروف أستاذ النقد الحديث بجامعة الإمام محمد بن سعود

  • 20
  • 4
  • 16,456
  • nada

      منذ
    الله نسال ان يرزقنابعد العوج اْْستقامة لا عوج بعدهاوخاتمة كخاتمة اخونا الامريكي ان شاء الله
  • nada

      منذ
    أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يرزقنا حسن الخاتمة فى هدا المكان الطاهر آمين
  • nada

      منذ
    تذكرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم " إن أحدكم ليعمل بعمل اهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " الله أكبر ما أجمل ميتته يموت وهو يشتهد وفي أعظم عبادة وفي أطهر مكان أسأل الله الذي أماتهفي أحب البقاع إلية أن يرزقني شهادة في مسجد رسوله صلى الله عليه وسلم.
  • nada

      منذ
    رحمه الله وغفر له ذنوبه وابلدها حسنات.امين
  • مجدى الشريف

      منذ
    ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وأقول أحبوا الله عباد الله ، والله يريد أن يتوب عليكم ويتودد إليكم وهو فى غنى عن جميع عباده أخوكم مجدى الشريف
  • ابو حمزة

      منذ
    [[أعجبني:]] اقشعر بدني بعدسماع هذه القصة وازدت فخرا بديني يوم ان تخلي كثيرا من شباب المسلمين عنه
  • sinan

      منذ
    [[أعجبني:]] فعلا لقد تاثرت بهذه القصة الجميلة وجزا الله خيرا من اعان على هداية هذا الرجل بعد الله سبحانه وتعالى ونسال الله ان يرحمه رحمة واسعة وهنيئا له على هذه الميتة الحسنة والخاتمة الحسنة
  • أم أفنان

      منذ
    [[أعجبني:]] سمعت لقصص عديدة عن المهتدين ... ولكن لم تهز قصة كياني بهذا الشكل من قبل... ولم يحصل أن أغرورقت عيناي بالدموع مثلما حصل لي الآن... متى نحظى بهذا القرب من الله؟؟؟ اللهم حسن الخاتمة...آمين
  • osama

      منذ
    [[أعجبني:]] اننا نتسائل كيف نعود لديننا و الواقع اننا ولدنا مسلمين اسما و نحتاج فعلا ان ننطق الشهادتين بصدق من جديد و نتجه مخلصين لله نتعلم ديننا
  • عبده من عباد الله

      منذ
    [[أعجبني:]] اللهم ارزقنا حسن الخاتمة0 وامتنا موته هنيه في الأراضي المقدسة 0 وادعو له ان يتغمده الله بواسع رحمته ويغفر له على ما فات ويدخله فسيخ جناته ويجعل قبره روضه من رياض الجنه ويجعل مسكنه في الجنه إن شاء الله تعالى بجوار الحبيب (محمد0صلى الله عليه وسلم)0 إن لله وإن إليه راجعون0 رضاك علينا يا رب 0 أشهد أن لا إله إلا الله 0 وأشهد أن محمد رسول الله 0 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته0

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً