عصيد يحتج بـ”الإسلام الشعبي”

إبراهيم بيدون

عصيد يحتج بـ”الإسلام الشعبي” عند هجومه على “التدين” لكن مع زوبعة “مقال التراويح” صار يعتبره “فوضى وبَدونة”!!

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

 

يستغرب المتابع لما ينتجه رئيس “حركة ضمير” العلماني أحمد عصيد، سواء كان هذا المنتج مكتوبا أو مرئيا (خصوصا وأنه ضيف مرحب به دوما عند من يسيطر على الإعلام المُغَرَّب)، وما يخوضه من معارك بكل قوة وجرأة ومغالطة تارة و”تسنطيح” تارات أخرى.. كل ذلك بدعوى التنوير والحداثة والدولة الحديثة وما شابهها من الاصطلاحات والمشاريع بمفاهيم غربية مادية..؛ إذ أنه لا يتحلى بمبادئ الشرف والصدق والشفافية والاتزان، فقد يقول الكلام في سياق ليواجه به خصومه الإيديولوجيين -هم من يدافعون عن إسلام كمنهج حياة في المسجد والبيت والعمل والحياة العامة وجميع المجالات-، ثم ينقلب عليه وهو يتحدث عن ما توافق عليه الناس سواء كان دينا وتعبدا أو أخلاقا أو عوائد تعارفوا عليها.
وكمثال صارخ عن ذلك.. عهدنا في كتابات وتصريحات وتنظيرات العلماني المتطرف عصيد وهو يهاجم المتدينين أو السلفيين أو من يصفهم (وقبيلته من المستغربين) بالإسلاميين وأصحاب “الإسلام السياسي”، وغير ذلك من أوصاف لا تتوافق ومنهج الإسلام والمسلمين.. على أن يستدل ويحتج وهو يهاجم حكما شرعيا خصوصا مما له علاقة بالقوانين والأحكام الشرعية التي تؤطر المجتمع على أن ينتفض ويصرخ باللسان العربي الذي يهاجمه (كياكل الغلة ويسب الملة): هذا مخالف لإسلام والدي و”الإسلام الشعبي” والخصوصية المغربية، ليزيد أن ذلك وافد علينا من الشرق وهو خلاف سماحة الدين (هو لا تهمه السماحة بقدر ما يهمه تعطيل الأحكام الشرعية).. وقد رفع هاته الشماعة المهلهلة المردودة في الكثير من القضايا التي شهدتها الساحة الوطنية المغربية، ثم وحتى وهو ينظر للمفاهيم الغربية المادية ليقصي الأحكام الإسلامية الشرعية المؤطرة لحياة المجتمع والدولة.
في المقابل وهو يشارك في الجدل والنقاش الدائر هذه الأيام حول مقال جريدة الصباح الفرنكفونية عن “صلاة التراويح والفوضى“، وصف إقبال الناس الكبير على المساجد والمصليات في رمضان، وهو أمر دأب عليه المغاربة منذ قرون، أكد على وصفه بالفوضى، وقال إنه من البَدونة التي يفرض طقوسها المتطرفون!!
والعجيب أن هؤلاء المتطرفين (الإسلاميين أو المتدينين) حسب ادعاء عصيد نفسه (في تصريحات في سياقات أخرى) هم تيارات وافدة على المغرب في النصف الثاني من القرن الماضي، لكن إقبال الناس على المساجد هو أمر حسب توصيفاته شعبي، يعني يدخل فيما يسميه “الإسلام الشعبي”، وله امتداد لقرون.. وهذا ما يوضح أن عصيد يمارس نفاقا ويضحك على ذقون أتباعه أو من ينخدع بخطاباته، فمرة “الإسلام الشعبي” هو الأصل والصواب، ومرة “الإسلام الشعبي” فوضى وبدونة”!!
فبأي خطاب أو كلام نصدقك، ونعتبره مبدأك وموقفك؟!
عصيد قال في مقاله الجديد المعنون بـ”الفضاء العام بين المخزن والمتطرفين”، إن صلاة التراويح خارج المسجد هي: “استعراض لطقوس دينية من أجل جلب مزيد من الأتباع والمريدين، إذ يطمحون إلى تحويل سلوك فردي وهو العبادة، إلى ظاهرة جماعية وشبه عسكرية، وكلما تم انتهاك قواعد السلوك المدني المرتبط بالدولة الحديثة واعتماد نوع من “البدونة” أي السلوك البدوي، كلما برهن ذلك على قدرة الناس على الخروج عن القانون وعن التعاقد الضامن للعيش المشترك، الذي يمثل مصدر إزعاج للتيار المحافظ”.
إن عصيد يرفض أن يعترف أن إقبال الناس على المساجد هو نابع من رغبتهم في زيادة الأجر بالصلاة في المسجد، ولأجل زيادة التعبد وزيادة الأجر والثواب، ويقول بكل جرأة أن التراويح هي “طقس ديني من أجل جلب مزيد من الأتباع والمريدين”، وهذا لا يقال إلا في الإسلام.. أي أن للإسلام عبادات لسموها ورقيها وصلاحها وإصلاحها تجلب مزيدا من الأتباع، وهو حق لكن عصيد أراد به باطلا، فهو يريد أن يوهم القارئ أن هناك جهات تشجع على تدين المجتمع ومما تستغله صلاة التراويح.. ولذلك كتب بكل سفاهة وحمق (نفيت عنه آنفا صفة الاتزان): “فصلاة التراويح عبادة وطقس ديني معتاد منذ قرون، لكنه عوض أن يتمّ داخل أماكن العبادة تم إخراجه إلى الشارع العام، بالنسبة للكثير من المواطنين البسطاء يُعد ذلك مجرد صلاة في مكان عام بسبب ضيق المساجد أو كثرة المصلين، لكن بالنسبة للمتطرفين الذين يتربصون بالدولة الحديثة على الدوام وينتظرون تقويض دعائمها، تُعد الصلاة في الشارع وشلّ حركة السير أمرا حيويا لأنه فسحة خارج الدولة الحديثة“.
يعني أن صلاة التراويح بشكلها الشعبي والذي اعتاده الناس منذ قرون، يستغله المتطرفون الذين يرفضون “الدولة الحديثة”.. بالله عليكم هل يقول مثل هذا الكلام عاقل (يعني مؤهل للحديث في هذه المواضيع) بله من يدعي أنه مثقف وفيلسوف ومناضل؟!!! فالمشرف على المساجد هي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والذي يرخص للمصليات في رمضان هي وزارة الداخلية.. فهل هاتان الوزارتان أيضا متطرفتان وترفضان “الدولة الحديثة” بالرغم من أنهما جزء منها ومثال يحتذى به لمحاربة التطرف؟!! (مع عصيد.. فهم تسطا).. اللهم أن يكون عصيد يرفض أيضا مقاربتهما للشأن الديني والأمني (أصلا هذا ما كان).. ففي مقاله هاجم الدولة التي وصفها بـ”المخزن” أيضا.
الحقيقة أن عصيد ومن هم على شاكلته، لا تهمهم لا “أحكام شرعية” ولا “إسلام سمح” ولا صلاة التراويح في المساجد، لأن الناس حتى إن التزموا بالصلاة في المساجد سينتقد صوت القرآن الصادر عن مكبرات الصوت والخارج للشارع العام، وسيتحدث عن تعطيل مصالح الدولة في وقت الصلاة الذي يطول، ولن تجده -وهذا ما كان من المفروض أن يطالب به منتقدو صلاة الناس في الشوارع- يطالب بتوسعة المساجد لاستقبال الأعداد الكبيرة من المصلين، لأن المساجد -حسب زعمه- هي أماكن لنشر التطرف والقيم الإسلامية غير المتسامحة.. وقد سبق وطالب بإلغاء التفسير النبوي للآية الأخيرة من سورة الفاتحة (وهو ما يلزم منه تعطيل كل آية أو سورة مشابهة لها)، كما لم يأل جهدا في انتقاد مادة التربية الإسلامية وما تزرعه في الناشئة من قيم إسلامية وما يتعلمونه من أحكام شرعية.. إذ سيتعلمون أن الإسلام هو الدين الحق، وهذا ما ينص عليه القرآن الكريم، وهو يرفض ذلك.. ويعتبر أن الأديان مجرد حاجة روحية لتكن بأي معتقد أو دين، ولو أن تعبد أو تقدس إلها اسمه “ياكوش” كما يفعل هو!! بالإضافة إلى زعمه أن العنف من صميم الدين الإسلامي، وغير ذلك من هجومه على الإسلام ولمن أراد مثالا، ليقرأ مقاله الطويل “أسئلة الإسلام الصعبة”.
خلاصة الكلام، عصيد حتى وإن قبل بالإسلام دينا فيجب أن يبقى مجرد طقوس وممارسات فردية لا علاقة لها بالحياة العامة، ويجب أن يحصر في المساجد وأماكن العبادة، لا أن تظهر أحكامه وتشريعاته في الشارع وفي المشترك الجمعي.. وهذا ما يتوافق وأطروحات الغرب المادي الذي صار يضيق على المسلمين في بلدانه!!