القوامة مسؤولية وأمانة

ناصر بن سليمان العمر

فهمَ الزوجِ والزوجةِ هذهِ الآيةَ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} حقَّ الفهمِ، والتسليمَ لها والعملَ بها كما أرادَ اللهُ، كفيلٌ بإذنِ اللهِ أن يحقق السَّعادة والاستقرارَ في البيتِ والحياةِ الزوجيةِ.

  • التصنيفات: فقه المعاملات - قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -

قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34].


برَغْم أنَّ قِوامةَ الرَّجلِ في بيتِهِ تشريعٌ عظيمٌ، كفيلٌ بتحقيقِ الاستقرارِ والنَّجاحِ، والسَّكنِ والمَوَدَّةِ والرحمةِ في الحياةِ الزوجيةِ، إلّا أنَّها أصبحتْ -لسوءِ فَهمِها والغلو فيها- سببًا لتعاسةِ كثيرينَ؛ فبعضُ الأزواجِ يَستخدمُ هذهِ الآيةَ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} لاستعبادِ المرأةِ وقهرِها، والحدِّ ممَّا أعطاها اللهُ منْ حقوقٍ بحُجةِ أنَّ القِوامةَ لهُ، وهذا لهُ آثارٌ سلبيةٌ علَى المرأةِ يُؤدِي إلى تعاستِها، وعلَى الحياةِ الزوجيةِ وقد يُؤدِي إلى فقدِ استقرارِها أو فقدها! فقدْ تنتهِي -كما هو الواقع فِي كثيرٍ منَ الأحيانِ- بالطلاقِ. وفي المقابلِ، فإنَّ بعضَ الزوجاتِ تشتكِي منْ قيامِ الزوجِ بالقِوامةِ الشَّرعيةِ وإنْ لمْ يَظْلِمْ أوْ يَتعدَّ، وَمنهنَّ مَنْ تنظرُ لأصلِ القِوامةِ علَى أنَّه انتقاصٌ منْ مكانتِها أو ظلمٌ لهَا، وهذَا يُخشَى أنْ يكونَ اعتراضًا علَى حُكمِ اللهِ تعالى يُورِدُ صاحبتَه المهالكَ.

إنَّ العملَ بهذهِ الآيةِ كما أرادَ اللهُ سببٌ منْ أسبابِ تَحقُّقِ السَّكنِ والاستقرارِ في الحياةِ الزوجيةِ، فكمَا أنَّه لا بدَّ أنْ يكونَ للبلدِ قائدٌ -ملِكٌ أوْ أميرٌ أو رئيسٌ- لتستقيمَ أمورُه وتنضبطَ أحوالُه، كذلكَ لا بدَّ أنْ يكونَ للبيتِ قائدٌ لِتستقيمَ أمورُه، فبدونِ قائدٍ تَعُمُّ الفَوضَى وتضطربُ الأحوالُ:

                                   لا يَصلُحُ الناسُ فَوضَى لا سَراةَ لَهُمْ     *  *  *    وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادُوا

مبدأُ القيادةُ أوِ القِوامةُ والإمارةُ والولايةُ منْ أهم الأمورِ، حتَّى في السفرِ، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ»، فلا بدَّ منْ أميرٍ حتَّى في السفرِ العارضِ القصيرِ والعددِ المحدودِ، لأنَّ الصُّحبةَ واجتماعَ النَّاسِ يَحتاجُ إلَى قيادةٍ وتوجيهٍ وإلا حدَثَ النزاعُ والشِّقاقُ والخلافُ، ولكنْ إنْ حَصَلَ منَ القائدِ بغيٌ أوْ تعدٍّ وسوءُ استخدامٍ للسُّلطةِ، فإنَّ الخللَ يقعُ، سواءٌ علَى المستوى العامِ؛ في الدائرةِ أوِ الوزارةِ أوِ الدولةِ، أوْ علَى مستوًى أضيقَ كما في البيتِ والأسرة، وهذا لا يَعني أنَّ مبدأَ القيادةِ والقِوامةِ خاطئٌ في نفسِه، بلِ الخطأُ في التطبيقِ.

لقدْ جعلتِ الآيةُ الكريمةُ القِوامةَ في البيوتِ للرجالِ لا النساءِ {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} منَ القوةِ والحزمِ والعزمِ والحكمةِ، وغيرِها منَ الصفاتِ الجِبِلِّيَةِ، {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}، وهذا مِنْ حِكمةِ اللهِ تعالى، إذِ المتحلِّي بهذهِ الصفاتِ هوَ الأقدرُ علَى قيادةِ سفينةِ البيتِ، وفي المقابلِ أثنتِ الآيةُ علَى النساءِ الصالحاتِ {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ}، وفيهِ إلماحٌ إلى تسليمِهِنَّ لتفضيلِ الرجالِ ولحُكمِ القِوامةِ، وفيهِ أيضًا إرشادٌ لطيفٌ إلَى وجوبِ العدْلِ معَهُنَّ، وعدمِ التذرعِ بالآيةِ لظلمِهنَّ ومنعِهنَّ حقوقِهنَّ إذْ {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة:91]، و{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60]، فالذي شَرعَ القِوامةَ يُلزِمُ الرجلَ بالعدْلِ في الأخذ بها، والإنصافِ والبعدِ عنْ كلِّ تصرفٍ خاطئٍ مبنيٍ علَى التذرع بـ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}!

إنَّ فهمَ الزوجِ والزوجةِ هذهِ الآيةَ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} حقَّ الفهمِ، والتسليمَ لها والعملَ بها كما أرادَ اللهُ، كفيلٌ بإذنِ اللهِ أن يحقق السَّعادة والاستقرارَ في البيتِ والحياةِ الزوجيةِ.