ضرورة السعي للنجاة من العذاب

خالد الراشد

أختي الغالية! لا أظنك ترضين بجهنم يوم القيامة موطناً، ولا بلهيب النار متنفساً، فما بالك تلقين نفسك فيها راضية، أراك تعصين رب الأرض والسماوات، الذي إن شاء أبدل فرحك حزناً وهماً وعافيتك مرضاً وسقماً، وسعادتك شقاءً ونكداً، فهل تستطيعين رد ذلك؟!

  • التصنيفات: التوبة - الطريق إلى الله -

أختي الغالية! لا أظنك ترضين بجهنم يوم القيامة موطناً، ولا بلهيب النار متنفساً، فما بالك تلقين نفسك فيها راضية، أراك تعصين رب الأرض والسماوات، الذي إن شاء أبدل فرحك حزناً وهماً وعافيتك مرضاً وسقماً، وسعادتك شقاءً ونكداً، فهل تستطيعين رد ذلك؟!

أم هل تملكين من الأمر شيئاً؟! أختي الغالية! يوم القيامة لن يقف معك أب ولا أم ولا صاحبة ولا قريب، بل ستقفين وحيدة ذليلة قد أرهقتك الذنوب والمعاصي، وكبلتك الخطايا والعثرات، تنظرين يمنة فلا ترين إلا روحاً وريحاناً، وتنظرين يسرة فلا ترين إلا لهب جهنم ودخانها، وفحيح عقاربها ودوابها،

ألا فاختاري: إما الانضمام إلى قوافل العائدات، فحينها أبشري بروح وريحان ورب راضٍ غير غضبان، وأبشري حينها بعز الدنيا وسعادة الآخرة، وإلا فاسمعي النتيجة: صياح بأعلى الصوت:{يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب:66]، {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا} [الفرقان:27 - 29] ويزداد الصياح عند قولهم: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}[المؤمنون:106 - 107] فلا مجيب لهم، وإنما الحال كما قال سبحانه:{كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:167].


أتدرين ما الداء والدواء والشفاء أيتها الغالية؟!

قال الربيع بن خيثم لأصحابه: الداء هو الذنوب، والدواء هو الاستغفار، والشفاء أن تتوب فلا تعود.


قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم:8]،

فما هي التوبة النصوح أيتها الغالية؟! قال عمر رضي الله عنه: التوبة النصوح: أن يذنب العبد ثم يتوب فلا يعود.
وقال الحسن البصري في معنى التوبة النصوح: أن يكون العبد نادماً على ما مضى، مجمعاً على أن لا يعود إليها.
وقال أيضاً: التوبة النصوح: ندم بالقلب، واستغفار باللسان، وترك بالجوارح، وإظمار بأن لا يعود.
قال يحيى بن معاذ: الذي حجب الناس عن التوبة طول الأمل، وعلامة التائب والتائبة: إسبال الدمعة، وحب الخلوة، والمحاسبة للنفس في كل همة.


قال محمد الوراق رحمه الله: قدم لنفسك توبة مرجوة قبل الممات وقبل حبس الألسن بادر بها غلق النفوس فإنها ذخر وغنم للمنيب المحسن وقال الشاعر: من منا لم يخطئ قط ومن له الحسنى فقط إن أنت رمت محسناً رمت الشطط أخية! ليس العيب أن تخطئي، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، كما قال صلى الله عليه وسلم، لكن العيب كل العيب أن تصري على الخطأ، فتدبري هذه الدعوة العظيمة من الرحمن الرحيم، وهو يدعوك ويدعو الجميع إلى المسارعة إلى رحمته وجنته، قال سبحانه وتعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:133 - 134]، لكن هل هم معصومون عن الخطأ؟

الجواب
 لا، فلا عصمة لأحد، فقد قال الله عنهم: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] فالإصرار على الذنب هو الهلاك، وهو سبب التعاسة والشقاوة،

ولكن لما أخطأ العبد أو الأمة ولم يصرا على خطئهما كانت النتيجة: {أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:137 - 138].


أيتها الغالية! ينقصنا الضمير الحي، النفس اللوامة التي إذا أذنبت لامت وعاتبت، فإن الإصرار على المعصية معصية أخرى، والقعود عن تدارك الفارط من المعصية إصرار ورضىً بها، وطمأنينة إليها، وذلك علامة الهلاك، وأشد من هذا كله المجاهرة بالذنب، مع تيقن نظر الرب جل جلاله من فوق عرشه، قال صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي معافى إلا المجاهرون» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ