فوائد من صيد الخاطر لابن الجوزي (4-4)

فهد بن عبد العزيز الشويرخ

وقد كان جماعة من السلف يقصدون العبد الصالح للنظر إلى سمته وهديه, لا لاقتباس علمه.

  • التصنيفات: طلب العلم -

النظر في سير السلف الصالح تجلب رقة القلب:

رأيت الاشتغال بالفقه وسماع الحديث لا يكاد يكفي في صلاح القلب, إلا أن يمزج بالرقائق والنظر في سير السلف الصالحين.

وقد كان جماعة من السلف يقصدون العبد الصالح للنظر إلى سمته وهديه, لا لاقتباس علمه.

وذلك أن ثمرة علمه: هديه وسمته, فافهم هذا وامزج طلب الفقه والحديث بمطالعة سير السلف والزهاد في الدنيا ليكون ذلك سبباً لرقة قلبك.

إذا رأى العبد في الآخرة جزاء دعائه تمنى أن الله لم يجب له دعوة في دنياه:

في الحديث: ما من مسلم دعا الله تعالى إلا أجابه, فإما أن يعجلها, وإما أن يؤخرها, وأما أن يدخرها له في الآخرة, فإذا رأى يوم القيامة أن ما أجيب فيه قد ذهب, وما لم يجب فيه قد بقي ثوابه, قال: ليتك لم تجب لي دعوة قط.

التصنيف المفيد:

رأيت من الرأي القويم أن نفع التصانيف أكثر من نفع التعليم بالمشافهة, لأني أشافه في عمري عدداً من المتعلمين, وأشافه بتصنيفي خلقاً لا تحصى ما خلقوا بعد, ودليل هذا انتفاع الناس بتصانيف المتقدمين أكثر من انتفاعهم بما يستفيدونه من مشايخهم,

فتصنيف كتاب,..بذر يكثر ريعه, ويمتد زمان نفعه.

 فينبغي للعالم أن يتوفر على التصنيف, إن وفق للتصنيف المفيد, فإنه ليس كل من صنف صنف, وليس المقصود جمع شيء كيف كان, وإنما هي أسرار يطلع الله عز وجل عليها من شاء من عباده ويوفقه لكشفها, فيجمع ما فرق, أو يرتب ما شتت, أو يشرح ما أهمل, هذا هو التصنيف المفيد.  

العزلة التي يُنتفعُ بها:

ما أعرف نفعاً كالعزلة عن الخلق, خصوصاً للعالم والزاهد.

فيا للعزلة ما ألذها, سلمت من كدر غيبة, وآفات تصنع.... وتضيع الوقت.

خلا فيها القلب بالفكر, بعد ما كان مشغولاً عنه بالمخالطة, فدبر أمر دنياه وآخرته

فلو لم في العزلة إلا التفكير في زاد الرحيل, والسلامة من شر المخالطة كفى.

ثم لا عزلة في الحقيقة إلا للعالم والزاهد, فإنهما يعلمان مقصود العزلة ويحسنان الإفادة منها.

أما العالم فعلمه مؤنسه, وكتبه محدثه, والنظر في سير السلف مقومه, والتفكر في حوادث الزمان السابق فرجته.وكذلك الزاهد تعبده أنيسه.

فهذان رجلان قد سلما من شر الخلق وسلم الخلق من شرورهما.

بل هما قدوة للمتعبدين, وعلم للسالكين, ينتفع بكلامهما السامع, وتجري موعظتهما المدامع, وتنتشر هيبتهما في المجامع.

مما يخفف الحزن على من يموت من الأهل والولد:

ما زلت على عادة الخلق في الحزن على من يموت من الأهل والأولاد, ولا أتخايل إلا بلى الأبدان في القبور, فأحزن لذلك, فمرت بي أحاديث كانت تمر بي ولا أتفكر فيها.منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم:   «إنما نفس المؤمن طائر تعلق في شجر الجنة, حتى يرده الله عز وجل إلى جسده يوم يبعثه» 

فرأيت إن الرحيل إلى الراحة, وأن هذا البدن ليس بشيء, لأنه مركب تفكك وفسد, وسيبنى جديداً يوم البعث فلا ينبغي أن يفكر في بلاه.

ولتسكن النفس إلى أن الأرواح انتقلت إلى راحة فلا يبقى كبير حزن, وأن اللقاء للأحباب عن قرب.

الإخلاص وإصلاح النيات: 

الله الله في إصلاح النيات,...قال مالك بن دينار: قولوا لمن لم يكن صادقاً لا يتعنى.

وليعلم المرائي أن الذي يقصده يفوته, وهو التفات القلوب إليه, فإنه متى لم يخلص حرم محبة القلوب, ولم يلتفت إليه أحد, والمخلص محبوب, فلو علم المرائي أن قلوب الذين يرائيهم بيد من يعصيه لما فعل.

نسأل الله عز وجل إخلاصاً يخلصنا, ونستعيذ به من رياء يبطل أعمالنا إنه قادر. 

أمثلة للاعتبار:

إن الله عز وجل جعل لأحوال الآدمي أمثلة ليعتبر بها,فمن أمثلة أحواله: القمر, الذي يبتدئ صغيراً ثم يتكامل بدراً, ثم يتناقص بانمحاق, وقد يطرأ عليه ما يفسده كالكسوف, فكذلك الآدمي أوله نطفة, ثم يترقى من الفساد إلى الصلاح, فإذا تمَّ كان بمنزلة البدر الكامل, ثم تتناقص أحواله بالضعف, فربما هجم الموت قبل ذلك, كهجوم الكسوف على القمر.

العاقل:

* العاقل من يحفظ جانب الله عز وجل وإن غضب الخلق.

* العاقل من حفظ دينه ومروءته بترك الحرام, وحفظ قوته في الحلال.

* العاقل من تأمل العواقب, وتصور كل ما يجوز أن يقع فعمل بمقتضى الحزم

* علامات كمال العقل علو الهمة, والراضي بالدون دنيء.

* الواجب على العاقل أخذ العُدة لرحيله, فإنه لا يعلم متى يفجؤه أمرُ ربه.

* ينبغي للعاقل أن يترصد وقوع الجزاء..وإن طالت المدة..فميزان العدل لا يحابي.

* الواجب على العاقل أن يحذر مغبة المعاصي, فإن نارها تحت الرماد.

* لو ميز العاقل بين قضاء وطره لحظه وانقضاء باقي عمره في حسرة لما قرب منه.

* العاقل...يستر ما في قلبه من البغض والود, ويداري من يكنون له الغيظ والحقد.

* العاقل من إذا فعل خطيئة بادرها بالتوبة, فكم مغرور بإمهال العصاة لم يمهل.

* العاقل لا يدخل في شيء حتى يهيئ الخروج منه.

* ينبغي للعاقل أن يتنبه...في دفع كل ما يحذره من شر.

* العاقل من كانت عينه مراقبة للعواقب, محترزة مما يجوز وقوعه, عاملة بالاحتياط.

* المؤمن العاقل لا يلتفت إلى حاسده..إذ.ذلك يحسده على الدنيا وهذا همته الآخرة

* لا ينبغي للعاقل أن يظهر سراً حتى يعلم أنه إذا ظهر لا يتأذى بظهوره.

* العاقل يدبر بعقله عيشته في الدنيا...والتدبير حفظ المال, والتوسط في الإنفاق.

                          كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ