الرسالة الثامنة: الحب والحنان والعدل والدعاء أفضل عطاء لفِلْذة كبدكِ

فهد بن عبد العزيز الشويرخ

بُنيَّتي: المربية في البيت أو في دُور الحضانة مهما كانت على علم وتربية، فهي لا تَملِكُ قلب الأُمِّ الذي يتدفَّق محبَّةً على أبنائها، فلا يوجد عندها حرصُ وصبر الأُمِّ

  • التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -

 

بُنيَّتي: الأُمُّ الحنون صاحبة العاطفة الجيَّاشة هي التي تُربِّي العُظَماء، فما أغدقَتْ أُمٌّ على أبنائها أفضل من أن تَمنحَهم الحنانَ الفيَّاض المركوز في فِطرتها، ولنا في سيرة رسول الله صلى الله عليه خيرُ أُسْوةٍ، فقد كان يُكِنُّ كُلَّ حنانٍ وشفقةٍ لبناتِهِ، فقد رقَّ رِقَّةً شديدةً لابنته زينب لَمَّا رأى القِلادة التي بعثَتْها في فِداء زوجها أبي الربيع بن العاص رضي الله عنهما؛ فعن أُمِّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها قالت: لما بعَثَ أهْلُ مكة في فِداء أَسْراهم، بعثَتْ زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فِداء أبي العاص بن الربيع بمالٍ، وبعثَتْ فيه بقِلادة لها كانت لخديجة رضي الله عنها، أدخلتْها بها على أبي العاص حين بنى بها، قالت: فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رقَّ لها رِقَّةً شديدةً، وقال: (( «إن رأيتُم أن تُطلِقوا لها أسِيرَها، وتردُّوا عليها الذي لها، فافعلوا» ))، فقالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه وردُّوا عليها الذي لها.

وقد كان يَرِقُّ لابنته فاطمة رضي الله عنها أيضًا، فقد كان يُرحِّب بها، ويغضَب لغَضَبِها؛ فعن أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنه، قالت: كنَّ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده، لم يغادر منهن واحدة، فأقبلَتْ فاطمة رضي الله عنها تمشي، ما تُخطئ مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رآها رحَّبَ بها، فقال: (( «مرحبًا بابنتي» ))، وقال: (( «فاطمة بضعة مني، فمن أغضَبها فقد أغضبني» ))، وشملت شفقتُه وحنانُه عليه الصلاة والسلام بنتَ ابنته زينب "أمامة بنت أبي العاص" رضي الله عنهم، فقد كان عليه الصلاة والسلام يَحمِلُها على عاتقه في الصلاة، فإذا ركع وَضَعَها، وإذا رَفَع من السجود أعادها.

بُنيَّتي: أرضعي أطفالَكِ رضاعةً طبيعيةً؛ قال عز وجل: ﴿  {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ } ﴾ [القصص: 7]، فالرضاعة الطبيعية تُشبِع عاطفة الأمومة لدى الأُمِّ، وذلك حين تحتضن صغيرَها، وتُدنيه من صَدْرِها، فيحدث بينهما تقارُبٌ نفسي وعاطفي يؤدي إلى استقرار نفسية الأُمِّ والرضيع الصغير، فاحرصي بُنيَّتي على إرضاع صغاركِ رضاعةً طبيعيةً؛ فأنتِ بذلك تُرضعينهم الحنان قبل الحليب، الحنان الذي يجعلهم يحبُّونَكِ ويحنُون عليكِ عندما تكبرين وتَهرمين، فيأتي وقت ردِّ الجميل، امْنَحيهم الحنان صِغارًا يردُّوه لكِ إحسانًا وجميلًا كِبارًا.

بُنيَّتي: أغدِقي على أطفالِكِ الحُبَّ العميق، فحُبُّ الأُمِّ لطفلها يَمنحه الاستقرار والأمن والطُّمأنينة، والحبُّ الذي تَمنحه الأُمُّ لطفلِها، لا يستطيع غيرُها أن يَمنحَه إيَّاه، وهو الذي يُعلِّم الطفل الحُبَّ، وقد ذكرتْ بعضُ الدراسات أن رابطة الحُبِّ بين الطفل ومَنْ تربطهم بالطفل أصولٌ أُسْرِيَّة من أهمِّ الأسباب بعد حِفظ الله عز وجل التي تَمنعه من ارتكاب الجريمة، وحُبُّ الأُمِّ لطفلِها يَمنحُه الاستقرارَ والأمْنَ والطُّمأنينة والصحة النفسية السويَّة، ودونه ينشأ قَلِقًا مُضطرِبًا.

بُنيَّتي: كلُّ أُمٍّ تتمنَّى لأبنائها فِلْذات كبدها كُلَّ خيرٍ وصَلاحٍ، والدُّعاء للأبناء من أهمِّ الأسباب لذلك، ومن أسباب حفظهم من شياطين الإنس والجنِّ؛ قال الله عز وجل: ﴿  {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}  ﴾ [آل عمران: 35، 36]، لقد ختمت امرأة عمران رحمها الله مناجاتها لربِّها بالدُّعاء لابنتها أن يُعيذَها الله وذُرِّيَّتَها من الشيطان الرجيم، ولم يقتصر دعاؤها على ابنتها, بل دَعَتْ لذُرِّية ابنتها, وهو ولدها عيسى عليه السلام, وقد استجاب الله الكريم لدعائها, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «ما من مولُودٍ يُولَد إلا مَسَّهُ الشيطانُ حين يُولَد فيستهلُّ صارخًا من مَسِّه إيَّاهُ إلَّا مريم وابنها» ) فأكثري بُنيَّتي من الدعاء لأبنائكِ ولذُرِّيَّتهم، ولا تَكِلِّي ولا تَمَلِّي، فدعاؤكِ لهم عبادةٌ يسيرةٌ تُؤجَرين عليها، ودعاؤكِ مستجابٌ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «ثلاث دعوات مستجابات، لا شَكَّ فيهن: دعوة الوالد، والمسافر، والمظلوم» ))؛ والوالد تدخُل فيه الأُمُّ.

لقد دَعَتْ - بُنيَّتي - بعضُ النساء لأبنائهنَّ، فاستجاب الله جلَّ جلالُه لهُنَّ، فصار هؤلاء الأبناء أعلامًا في الهدى، ونفع الله بهم، كل ذلك بتوفيق الله، ثم بدعاء أُمَّهاتهم لهم.

بُنيَّتي: العدل مطلوب في كل الأمور، ومع كل الناس؛ فاعدلي بين أبنائك، واحذري التفرقة بينهم في المحبَّة والإيثار؛ ولهذا لما ظنَّ إخوة يوسف أن أباهم يُقدِّم يوسُفَ عليهم في المحبَّة، جرى منهم ما جرى؛ قال الله عز وجل: ﴿ { إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ } ﴾ [يوسف: 8، 9]، فلا تُشعِلي نارَ الغَيْرة والحقد والحَسَد بين أبنائك بتفضيل بعضهم على بعض.

بُنيَّتي: المربية في البيت أو في دُور الحضانة مهما كانت على علم وتربية، فهي لا تَملِكُ قلب الأُمِّ الذي يتدفَّق محبَّةً على أبنائها، فلا يوجد عندها حرصُ وصبر الأُمِّ، ولقد نتج من إهمال الأُمِّ لأبنائها بتركهم للمربَّيات ودُور الحضانة، وجودُ جيلٍ تائه ضائع، لا يعرف هُوِيَّتَه وما هو هدفه، مبلبل الأفكار، قَلِق النفس، يَميل إلى الانحراف والشذوذ بجميع صوره وأشكاله، فاحذَري من إهمال أبنائكِ؛ فثَمَنُ ذلك سيكون غاليًا عليكِ وعليهم وعلى المجتمع، أسأل الله أن يحفظَكِ وأبناءك من كل سُوءٍ ومكروه.