(10) جرأة الإمام الطبري في إظهار الحق

علي بن عبد العزيز الشبل

لما عاش الإمام الطبري في زمن الفتن، وانتشار أهل الأهواء والبدع من الجهمية والمعتزلة والرافضة والخوارج - لم يبالِ بهم، فصدع مبيِّنًا الحق، مقتصدًا للرد عليهم ومناظرتهم في كتبه، فالتفسير مليء بالمحاجة لهم، والمخاصمة بطرقهم العقلية، ومسائلهم الكلامية.

  • التصنيفات: تراجم العلماء -
(10) جرأة الإمام الطبري في إظهار الحق

لما عاش الإمام الطبري في زمن الفتن، وانتشار أهل الأهواء والبدع من الجهمية والمعتزلة والرافضة والخوارج - لم يبالِ بهم، فصدع مبيِّنًا الحق، مقتصدًا للرد عليهم ومناظرتهم في كتبه، فالتفسير مليء بالمحاجة لهم، والمخاصمة بطرقهم العقلية، ومسائلهم الكلامية.

 

وكتابه هذا (التبصير في معالم الدين) [1] تدور قضاياه الأصلية على الرد على المعتزلة خصوصًا، وبقية المبتدعة ضمنًا، وكذا تفسيره الحافل النفيس مليء بالنقض على أهل البدع، وهدم أصولهم وفصولهم.

 

وبالجملة فقد كان رحمه الله قويًّا في الحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، والشيء من معدنه لا يستغرب، فإذا لم يكن العلماء - الذين امتلأت قلوبهم نورًا ومعرفة بالله وصفاته وحقوقه، ومآلهم وما عند ربهم - يَصْدعون بالحق ويمتثلون ما علموا؛ فمن يكون كذلك؟!

 

فقد وصفه الذهبي: بأنه كان ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشَّناعات من جاهل، وحاسد، وملحد، فأما أهل الدين والعلم فغيرُ منكرين علمه وزهده في الدنيا، ورفضه لها وقناعته - رحمه الله - بما كان يرد عليه من حصة من ضَيْعة خلَّفها له أبوه بطبرستان يسيرة.

 

وفي جرأته وعدم مبالاته بابن الكبير والأمير في مجلس العلم: ما رواه ابن عساكر بسنده عن تلميذه عثمان الدينوري قال: حضرتُ مجلس محمد بن جرير، وحضر الفضل بن جعفر بن الفرات - وهو ابن الوزير - وكان قد سبقه رجل، فقال الطبري للرجل: ألا تقرأ - يعني الدرس - فأشار الرجل إلى ابن الوزير؛ تقديمًا له على نفسه بالقراءة، وإن كان الطالب سبقه في الحضور، فقال له الطبري: إذا كانت النَّوْبةُ لك، فلا تَكتَرِثْ بدجلة ولا الفرات.

 

قال الدينوري: وهذه من لطائفه وبلاغته وعدم التفاته لأبناء الدنيا؛ حيث شبَّه ابن الوزير بالنهر الكبير.

 

كما كان سريعًا في إنكار المنكر، والتغليظ على صاحبه إن كان من أهل الأهواء، خصوصًا إذا كان المنكر في العقيدة...

 

والمقصود من هذا أنه - رحمه الله - كان قويًّا في الحق، جريئًا في إحقاقه وإثباته، وإن خالف الناس.

 

وفي حديث عائشة بنت الصديق - رضي الله عنهما - في الصحيح في الكتاب الذي بعثته إلى معاوية، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من ابتغى رضا الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن ابتغى رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس».

 

وفي حديث سهل بن سعد مرفوعًا أن النبي عليه السلام قال للرجل الذي ابتغى عملاً يحبه به الله والناس: «ازهَدْ في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس»؛ حديث حسن خرجه النووي في الأربعين.

 


[1] طبع هذا الكتاب أخيرًا في مجيليد بتحقيقي عن نسخة وحيدة، أصلها بمكتبة دير الإسكوريال بالأندلس، واسمه المعنون به على الخطية: (تبصير أولي النهى ومعالم الهدى).