أثر الإيمان في أمن المجتمع

وأثر الإيمان حسب النصوص الشرعية، يطمئن النفوس، ويهدئ المجتمعات من القلاقل، والفتن والأزمات، في أمور كثيرة، اضطربت فيها أنظمة الأمم، وتباينت فيها الآراء رغبة في وجود حل، والقضاء على مشكلة، أجد أن هذا الحيز لا يفيها كلها، ولكن حسبنا الإشارة إلى نماذج منها مثل:

  • التصنيفات: - ثقافة ومعرفة -

وأثر الإيمان حسب النصوص الشرعية، يطمئن النفوس، ويهدئ المجتمعات من القلاقل، والفتن والأزمات، في أمور كثيرة، اضطربت فيها أنظمة الأمم، وتباينت فيها الآراء رغبة في وجود حل، والقضاء على مشكلة، أجد أن هذا الحيز لا يفيها كلها، ولكن حسبنا الإشارة إلى نماذج منها مثل:

– الأمن الزراعي وتوفير الغذاء: نجد هذا في آيات كثيرة في كتاب الله الكريم مثل سورة يوسف والنحل وغيرهما.

 

– الأمن الصحي والاهتمام بالمريض، كوصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم بزيارة المريض وهدية في العلاج الطبي حسبما ذكر ابن القيم في كتابه: زاد المعاد في هدي خير المعاد.

– الأمن الأسري ورباط الزوجية، كما في قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ}.

وقوله تعالى: {وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

– الأمن العائلي والاهتمام بالأولاد، كما جاء في سورة النساء في تقسيم التركات، وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم:  {إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس}.

وفي منعة صلى الله عليه وسلم الوصية للولد وقوله:  «لا وصية لوارث».

– الأمن التربوي وتعليم الأبناء، يوضح مثل هذا وصية لقمان لابنه وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعليم الأولاد الصلاة: (( «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع».

– الأمن في الأوطان وحمايتها كما جاء في الأثر: ( «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الأمن في الأوطان والصحة في الأبدان» ) والبلد الآمن هو مكة التي جاء ذكرها في سورة البقرة، وسورة إبراهيم وغيرها.

– الأمن الأخلاقي وتهذيب النفوس، كما جاء في آيات من سورة النور في تحريم الزنا ومنع الخوض في أعراض الناس وفي آداب الاستئذان وفي فرضية الحجاب وآياته في سورة الأحزاب.

– أمن العقيدة وسلامة القلوب لارتباطها بالله وحده ونبذ كل ما سواه يقول تعالى في هذا: { {الَّذِينَ ءَامَنَواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ}.

وآيات من سورة الروم وسورة الواقعة، تربط الإنسان بخالقه المتصرف سبحانه في جميع الأمور.

– أمن المسكن وتوفير المعيشة وتوضح ذلك آيات متعددة من كتاب الله الكريم كما في سورة النحل.

– الأمن الاقتصادي وحرية الحركة في الأموال بيعاً وشراء، بعد أداء حق الله فيها بالزكاة والصدقة، وقد حظيت الزكاة والصدقة بتوجيهات كبيرة من القرآن الكريم والسنة المطهرة، لتهذيب النفوس وتعويدها على البذل والعطاء براحة نفس واطمئنان خاطر، وفي السر آكد لأنها أبعد عن المراءاة.

– تأمين الجار ورعايته في أهله حيث كان جبريل يوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجار حتى ظن أنه سيورثه.

– الأمن بالهجرة لمكان آخر، إذا كان المرء لا يستطيع أداء شعائر دينه، أو يجد مضايقات من أعداء دينه، وهذا هو الأمن على العبادة، وقد حكى الله عمن لم ينج بدينه وهو قادر: { {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً}.

ولكي يجعل الله مأمناً ومخرجاً لهؤلاء المستضعفين غير القادرين على الهجرة والنجاة بأنفسهم، فإنما مما يطمئنهم أن الفئة المؤمنة مأمورة بالجهاد لتخليصهم ونصرتهم قال تعالى: { {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ الَّذِينَ يُقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً}.

– الأمن بالتوبة، وهذا هو أمن المصير، وراحة النفس في الدنيا بالابتعاد عن أمر يؤرق النفس ويخيفها التلبس به، وآيات التوبة في كتاب الله الكريم كثيرة ومتعددة[85].

ويوضح نماذج من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «لله أشد فرحاً بتوبة أحدكم من صاحب راحلة ضاعت منه في أرض فلاة وعليها طعامه وشرابه، فلما أيس منها نام، فاستيقظ فإذا هي واقعة بجانبه فقال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك» .

– أمن النفوس بمجاهدة الكفار، لإظهار دين الله، ولإسعاد البشرية بتبليغه، كما توضح ذلك سورة الأنفال، وسورة التوبة، وسورة البقرة وغيرها. في مواطن كثيرة من كتاب الله، لأن قمع أعداء الله وأعداء رسالاته، لا يكون إلا بقوة السلاح ودفاع المجاهدين المتحمسين لإظهار دينه، يقول صلى الله عليه وسلم: (( «ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب».

– تأمين النفوس من التأثيرات الخفية، وحفظها من أثر ذلك كالسحر ونفثات الشيطان كما جاء في المعوذتين وقل هو الله أحد، وآية الكرسي. ففي هذا حرز للنفس وأمان لها من المؤثرات النفسية ووساوس الشيطان واتباعه.

الرضا والقناعة بما قسم الله، حتى لا تتطلع النفس إلى ما في أيدي الناس فيكون ذلك من دواعي كفر النعم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «إذا رأى أحدكم من فضل عليه بمال أو سلطان، فلينظر إلى من هو أسفل منه، ولا ينظر إلى من هو فوقه فإن ذلك أجدر بشكر نعمة الله عليه».

– راحة النفس بالعبادة وفي مقدمتها الصلاة فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر أو أهمه قال: (( «يا بلال أرحنا بالصلاة».

كما كان من قوله عليه الصلاة والسلام: (( «.... وجعلت قرة عيني في الصلاة».

– والأمن بالمشورة في كل أمر حتى يخف ما على كاهل الإنسان بإعطائه للآخرين فيشاركون في الرأي: كما في قوله تعالى: { {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.

وغير هذا من الأمور التي جعلت الشريعة الإسلامية فيها حلولاً لكل ما يعترض الإنسان في هذه الحياة، حيث يجد المرء في المخارج ما يريح نفسه، ويعينه على التغلب على المشكلة التي اعترضته لأن في كتاب الله، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ما ينير الطريق، ويوضح المعالم، ويهدئ النفوس.

وصدق الله إذْ يقول: { {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَئٍ}، وقد وصف الله الفئة المؤمنة بآيات كريمات في مطلع سورة سميت باسمهم، أعطتهم صفاتاً مطمئنة ومريحة، لأنهم في يقين ورضا قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ، والَّذِينَ هُمْ عَنِ الَّلغْوِ مُعْرِضُونَ، والَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِم أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ، والَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِم يُحَافِظُونَ، أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.


أما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. وترك فيهم وصية خالدة تريح النفوس، وتهدئ المجتمعات وتضمن العدالة وسمو المكانة والاستقرار لمن اتّبع ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:  «تركت فيكم أمرين لن تظلوا بعدي ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي». ففيهما المخرج من كل معضلة، وفيهما الحل لكل مشكلة، وفيهما هدوء البال، وراحة الضمير، والراحة من كل قلق، وفيهما الرابطة القوية بالله عملاً وبشرعه منهجاً وسلوكاً.

فقد قال بعض العارفين: كنت كلما ألم بي مشكلة، أو ضجرت من أمر يقلقني، ألجأ لكتاب الله، فأفتحه وينفتح معه الهدوء والاطمئنان لنفسي، لأنني أجد فيه حلاً لكل أمر، وخروجاً من كل مصيبة.

نسأل الله أن يعيننا على فهم كتاب الله وسنة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، وامتثالهما عملاً وتطبيقاً، والسير وفق شرعهما باستحضارهما في كل وقت، والاهتمام بهما في كل مناسبة، والرضا بما فيهما، والعمل بهما فهماً وتحقيقاً. والله الموفق لكل خير..

________________________________________________

الكاتب: د. محمد بن سعد الشويعر
المصدر: مجلة البحوث الإسلامية، العدد 17، ص156-194