كذبة إبريل.. والمزاح المذموم

في مثل هذه الأيام من كل عام، ومع بداية شهر إبريل نيسان، يتجدد الحديث عما يسمى بكذبة إبريل.. والمزاح المذموم يتساهلون في هذه البدعة المنكرة، وفي الكذب أول إبريل ويتعللون بأن ذلك على سبيل المزاح..

  • التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات - مناسبات دورية -
كذبة إبريل.. والمزاح المذموم

في مثل هذه الأيام من كل عام، ومع بداية شهر إبريل نيسان، يتجدد الحديث عما يسمى بكذبة إبريل..
وكذبة إبريل من التقاليع الغريبة، والممارسات الشاذة التي دخلت على أهل الإسلام في بلادهم، وليست هي من دينهم، ولا هي من أخلاقياتهم، وإنما هي بدعة مخترعة تلقفوها عن الغرب.

والكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، ولقد كان خلق الكذب أبغضَ وأقبح الأخلاق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت:ما كان خلقٌ أبغضَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب، ولقد كان الرجل يكذب عنده الكذبةَ فما يزال في نفسه عليه حتى يعلم أنه أحدث منها توبة)(رواه الإمام أحمد).

وإذا تتبعت آيات القرآن تجد أن الله تعالى وصف بالكذب صنفين من الناس، إما الكافرين، وإما المنافقين.
فقال في الكفار:
{إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ}[النحل:105]، وقال: {...لَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} )[المائدة: 103]، وقال:ِ {ليُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ}[النحل:39].

وقال في المنافقين:
{وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1]، وقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[الحشر:11]، وقال عنهم: {وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة:42].

وفي الحديث:
«آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان»(رواه البخاري ومسلم)، وقال: «أربع من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خَصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتُمِنَ خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدَر، وإذا خاصم فجر» (متفق عليه).
فالمنافقون هم أكذب الناس، فإن معنى الكذب هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه في الواقع، وهكذا حالهم كذب كله ظاهرًا وباطنًا، فهم يظهرون ما لا يبطنون، ويسرون خلاف ما يعلنون، ويتكلمون بغير ما يعتقدون، والله يشهد ويعلم إنهم لكاذبون.
قال الحسن: أصل النفاق الذي يقوم عليه هو الكذب.
قال الشعبي: من كذب فهو منافق.
وقال:
أنت الفــتى كــل الفتى   ....   إن كنت تصدق ما تقول
لا خير في كذب الجـوا   ....   د، وحبذا صدق البخيـل


قال مطرف بن عبد الله: ما أحب أني كذبت مرة وإن لي الدنيا وما فيها.

كونوا مع الصادقين
ولقد أمر الله عباده بالصدق فقال:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}[التوبة:119].

وعَنِ ابْنِ مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ:
«عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لئن يضعني الصدق وقلما يفعل، أحب إليَّ من أن يرفعني الكذب وقلما يفعل".
وقال أيضا: "عليكم بإخوان الصدق فإنهم عون لكم عند البلاء وزين عند الرخاء".


الصدق أفضــل ما بـه   ....   دان امرؤ فاجعله دينًا
ودع النفاق فما رأيت   ....   منـــافقًــا إلا مهــيـنًــا

الإيمان والكذب لا يجتمعان
المؤمن لا يكون كذابًا أبدًا، فإن الكذب والإيمان لا يجتمعان في قلب أبدا، بذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه:
«يطبع المؤمن على الخصال كلها إلا الخيانة والكذب» (رواه أحمد). وفي الموطأ مرسلاً:سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جبانًا ؟ قال: نعم، قيل: أيكون المؤمن بخيلاً ؟ قال: «نعم»، قيل: أيكون المؤمن كذابًا ؟ قال: «لا».

قال أبو بكر: يا أيها لناس إياكم والكذب فإنه مجانب للإيمان.
وقال عمر: لا تجد المؤمن كذابا.
وقال مالك بن دينار: الصدق والكذب يعتركان في القلب حتى يخرج أحدهما الآخر.

كذبة إبريل والمزاح المذموم:
وبعض الناس خصوصا الشباب ـ يتساهلون في هذه البدعة المنكرة، وفي الكذب أول إبريل ويتعللون بأن ذلك على سبيل المزاح، والحق أن هذا الكذب حرام من عدة أوجه:
أولا: أنه كذب، والكذب محرم.
ثانيأ: أن فيه ـ غالباـ ترويعا للمسلم وهو حرام؛ قال صلى الله عليه وسلم:
«لا يحل لمسلم أن يروع مسلما» (رواه أبو داود).
ثالثا: أنه خيانة للسامع قال صلى الله عليه وسلم: «كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك  مصدق وأنت له به كاذب» (رواه أبو داود).
رابعا: أنه تشبه بالكفار فيما لا يحل شرعا ولا خلقا.

وأما تعلل البعض بأنه من باب المزاح؛ فإن أكثر ما يكون الكذب في المزاح، ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم منه فقال:
«لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاح والمراء، وإن كان صادقا»(رواه أحمد والطبراني). وقال: «ويلٌ لمن يحدِّث فيكذب ليضحك به القوم، ويلٌ له ويل له» (رواه أبو داود، والترمذي، وحسنه). وقال: «أنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا» (صحيح أبي داود).

عقوبة الكذب:
أما عقوبات الكذب فهي كثيرة في الدنيا والآخرة:
ففي الدنيا: أنه لا يصدقه أحد وإن صدق.. قول ابن المبارك: أول عقوبة الكذاب أن يرد عليه صدقه.

وأما في الآخرة: ففي حديث المنام المشهور قال صلى الله عليه وسلم:
«فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى.. قال: قلت: سبحان الله ما هذان؟.... فقال له الملك: إنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق»(رواه البخاري). وفي رواية: «إنه الكذاب يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم القيامة».

فعلى المسلم أن يترفع عن هذه الخلة الوضيعة، وهذه البدعة الشنيعة، وأن يلزم جادة الشريعة، ويتحلى بالصدق ويتخلى عن الكذب، ليكون من الصادقين الفائزين.