{ واشكروا لي ولا تكفرون }

في كلُّ لقمةٍ تأكلها، أو شربةٍ تشربها، أو نفسٍ تتنفسه، هناك نعمٌ لا تُعدُ ولا تحصى، ومع كُلِّ خفقةِ قلبٍ، ومع كلِّ طرفةِ عينٍ، ومع كلِّ حركةِ عضوٍ، ومع كلِّ خاطرةِ عقلٍ، هناك نعمٌ لا تعدُ ولا تحصى، ومع كُلِّ كلمةٍ تنطقها، أو عِبارةٍ تسمعها، أو معنىً تفهمهُ، هناك نعمٌ لا تُعدُ ولا تُحصى.

  • التصنيفات: محاسن الأخلاق - - آفاق الشريعة -

معاشر المؤمنين الكرام: جُبِلَت النفوسُ على حُبِّ من أحسنَ إليها، ولا أحدَ أعظمُ إحسانًا من الله جلَّ في علاه؛ فالمخلوقُ يتقلَّبُ في نعَمِ من الله لا تُعدُ ولا تحصى، ومع هذا فاللهُ تبارك وتعالى يقول: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13]، ولا شكَّ أن ذِكرَ النِّعمِ وشُكرَ المنعِم أمرٌ واجبٌ على كلِّ مؤمن، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } ﴾ [المائدة: 11]، ولقد كان هذا هو منهجُ الأنبياء والمرسلين، فقد قال تعالى مخبرًا ومثنيًا على خليله إبراهيم عليه السلام: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل: 120]، وقال عن نبيه سليمانُ عليه السلام: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، وقال تعالى مثنيًا عليه وعلى أبيه داوود: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13]، وقال اللهُ تعالى لخاتم أنبيائهِ وأفضلِ رُسله: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر: 66]، فقام صلى الله عليه وسلم حتى تفطرت قد ماه، ولما تعجبَ الصحابةُ من طول قيامه، قال: أفلا أكونُ عبدًا شكورًا.

 

فيا معشر المؤمنين الكرام: أذكروا نعمتَ اللهِ عليكم: فهو الذي هداكم لهذا الدين العظيم، وهو الذي وفقكَم لصراطه المستقيم، وهو الذي ثبتكَم على شرعه القويم، وهو الذي: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: 7]، {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلً} ا ﴾ [النساء: 83]، و {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحديد: 9].. و {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الملك: 23]، وهو الذي {سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ، وهو الذي غمركم بفضله وإحسانه: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].

 

وحين يتأمَّلُ المسلمُ نِعم اللهِ وفضلهِ، وحتى ما يقومُ به من الطاعات والعبادات، يجدُ أنَّ اللهَ تباركَ وتعالى هو الذي أوجدَه وخلقه، وهو الذي أعطاه ورزقه، وهو الذي ألْهمه ووفَقه، وهو الذي علَّمَه وهداه، وهو الذي أعانَه وقوَّاه، وهو الذي يسَّر له وسهل عليه، وهو الذي تمَّمَ له وأكمل، وهو الذي يتكرمُ فيتقبَّل، ثمَّ يُثيبُ ويتفضل، ويُضاعِفُ الثوابَ ويُجزل.. فما أعظمَ اللهَ وما أجلَّ إحسانه وكرمهُ، وما أوسعَ حِلمهُ ورحمته، وما أبلغَ عِلمهُ وحِكمته..

 

تأمَّلوا قولَ الحقّ جلَّ وعلا: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34]، فالنِّعمةُ الواحِدةُ لا يُمكِنُ لأحدٍ إحصَاءُها، فكيف بسائر النعم.. تأمل أي نعمةٍ شئت، ثم قس عليها ملايين النعم الأخرى، فسترى أنَّ النعمة الواحدة تتجدَّدُ وتتكرَّرُ بصورةٍ لا يُمكِنُ إحصَائُهُا، هذا على مستوى المخلوق الواحد، فكيف بالخلائقِ أجمعين.. نعمة البصر مثلًا، يتكرر نفعها على مدار اللحظةِ والثانية، وبصورة لا يمكن إحصائُها على مستوى المخلوق الواحد، فكيفَ بمخلوقاتٍ لا يعلم عددها إلا من خلقها، كلهم يتنعمون بنفس النعمة..

 

ثم إنك أيُّها الانسانُ مع كلُّ لقمةٍ تأكلها، أو شربةٍ تشربها، أو نفسٍ تتنفسه، هناك نعمٌ لا تُعدُ ولا تحصى، ومع كُلِّ خفقةِ قلبٍ، ومع كلِّ طرفةِ عينٍ، ومع كلِّ حركةِ عضوٍ، ومع كلِّ خاطرةِ عقلٍ، هناك نعمٌ لا تعدُ ولا تحصى، ومع كُلِّ كلمةٍ تنطقها، أو عِبارةٍ تسمعها، أو معنىً تفهمهُ، هناك نعمٌ لا تُعدُ ولا تُحصى..

 

وفي جسمك العجيبِ ملياراتُ الخلايا، وملايينُ الأنسجة، والآلافُ الكيلوات من الشعيرات الدموية، والنهايات العصبية، وما لا يُتصورُ من التفاعلات الكيميائية، والتحولاتِ الفيزيائية، والعملياتِ الحيوية، كُلُّها تَتمُّ على مدار اللحظةِ والثانية، وكُلُّ واحدةٍ منها، فيها من النِّعمِ والآلاءِ ممَّا لا يُعدُ ولا يُحصى..

 

ثم إنَّ هناك نِعمٌ أُخرى هائلةٌ وغزِيرةٌ، لها اشكالٌ وأحوالٌ وفروعٌ كثيرةٌ، لا يتصورها خيال، ولا يمكنُ أن تَخطرَ على بالِ، فضلًا عن أن تُعرفَ أو تُستقصى، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85]..

 

ولقد أحدَث الله لأهل هذا الزمان بالذات، قدرًا زائدًا من النّعَم، وكاثر عليهم من الخيراتِ والفضائل، ما لم يكن معهودًا في كل من سبقهم، فجُمِعت لهم النِّعَمُ السابقة، وأضعافها من النّعَم الحاضِرة، وما جاءت به المكتَشفات والمختَرعات الحديثة أعظمُ وأكبر، في كل المجالات، وفي كل شأنٍ من شؤون الحياةِ، فتوحٌ في كافة العلومِ والمعارف، والآلاتِ والأدوات، تحسَّنت بها أسبابُ المعيشة، وتيسرت بها أحوال الحياة.. لكن كثرة الإمساس تذهب بالاحساس، ولو تنبه الانسان لرأى أنه لا يقلب بصره إلا وقع على نعمة عظيمة من نعم الله تبارك وتعالى..

 

ولئن كان الذي وصَلَنا من الخيرات والنِّعمِ لا يُعدُ ولا يُحصى، فإنَّ ما صَرفَهُ اللهُ عنَّا من الشرور والأخطارِ أكثرَ وأكثر.. وإذا كان العَطاءُ نِعمةٌ، فإن المنعَ نِعمةٌ أيضًا، بل ربما كان المنعُ أفضلَ من العطاء: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]..

 

تخيل لو نقصت الحموضةُ في دمك قليلًا أو زادت، أو لو نقصَ السُّكرُ في دمِك قليلًا أو زاد، أو لو نقصَ ضغطُ الدم قليلًا أو زاد، أو لو نقصت سيولةُ الدم قليلًا أو زادت، أو لو نقصت خلاياك البيضاء قليلًا أو زادت.. لولواتٌ كثيرةٌ، واحتمالاتٌ لا تنتهي، في أوضاع الدمِ فقط، فكيفَ بالقلب، وكيف بالكبدِ، وكيف بالرئةِ والكليةِ والدماغِ والعين والأذن والمعدة والأمعاء، وغيرها وغيرها من الأعضاء.. والتي كُلُّها بفضل اللهِ ونعمتهِ تسيرُ بانتظام، وعلى أحسنِ ما يُرام..

 

ثم إنَّ هناك الملايين بل مئاتُ وألوفُ الملايين من الميكروبات والفيروساتِ والفطريات والحشراتِ السامة، وغيرها من المخلوقات الضارة، كُلُّها تعيشُ معنا ومِن حولِنا أو في أجوائِنا أو داخِلَ اجسامِنا، ولا يخلو منها طعامٌ ولا شرابٌ ولا هواءٌ ولا مكانٌ.. وهناك العشراتُ والمئاتُ من الأمراض المعدية، والأوبئةِ المهلكة، والأخطارِ المحدقة، تتنقلُ بيننا بكل سُهولة.. ولكن الحافظَ المنعم سبحانهُ، يُنعمُ علينا فيحمِينا من شرها، ويحفظنا من أذاها.. {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 64]..

 

وحين يتنقلُ الانسانُ بأيِّ وسيلةٍ من وسائل المواصلات، فإنَّ احتمالَ تعرُضهِ للحوادث بعدد الثواني التي يستغرقُها مشوارهُ، بل هي أكثر.. تأمَّل قوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11]، فقد جاءَ في تفسيرها: أنهم ملائكةٌ يحفظونَ الانسانَ من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاءَ قدرهُ خَلَّوا عنه..

 

وفي قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34]، نلاحظ أن هذا المقطعُ العجيبُ تكرَّر في القرآن الكريمِ مرتين.. ففي الأولى: إشارةٌ أنَّ من لا يَشْكُرِ اللهَ على نِعمٍ لا يمكنُ إحصائُها فهو ظلومٌ كفَّار.. وفي الأخرى: أنَّهُ تعالى أنْعمَ بتلك النِعَمِ (حتى على من لا يَشْكُرُهَا) لأنَّهُ سبحانه غفورٌ رحِيم..

 

فالحمدُ للهِ على نِعَمهِ كُلِّهَا، أولِهَا وآخِرهَا، ظَاهِرهَا وباطِنُها، ما عَلِمنَا مِنهَا وما لم نَعلَم، ونسأل الله أن يوزعنا دومًا شكر نعمه، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجعل ما أولانا من هذه النعم عونًا لنا على طاعته والفوزَ برضاه وجنته، {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لقمان: 12]..

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 102]..

 

أما بعد: فاتقوا الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا من {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 18]..

 

معاشر المؤمنين الكرام: الْمُؤْمِنُ الموفق يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتَعَالَى هو المحسن الكريم، وأنه هو المنعم المتفضل العظيم، ويعلم أنه إذا شكَرَ الله على نعمه، فإنه سبحانه يزيدهُ منها ويحفظها عليه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]..

 

ألا وإنَّ من أعظم النعم التي أكرمنا الله بها نعمةُ الأمن والأمان، واسألوا عن ذلك من فقدها ولو حينًا من الزمان، فالحياةُ بلا أمنٍ فوضى وفساد، وخوفٌ وخراب، بل ودمار وهلاك، تأمَّل قول الحقِّ جل وعلا: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت: 67]..

 

ومن كرم الله وفضله على أُمَّة الإسلام، أنه ما من أمةٍ حظيت بأسبابِ الوِحدَةِ والتآلُفِ، وجمعِ الكلمةِ ووَحدَةِ الصَّفِ، ووفرةِ الأمن، كأمَّةِ الإسلام، إذ أنَّ لها دستورًا إلاهيًا معصومًا، تكفَّلَ اللهُ بكماله وحِفظه.. شرعٌ متين، ومنهاجُ قويم، وميزانُ عدلٍ مستقيم، قائمٌ بالقسطِ، لا يحيُف ولا يميل، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58]..

 

ومع كثرةِ الفِتَنِ، والانفتاحِ على الشهوات والشبهات، فإنَّ أمْنَ المسلِم وإيمانهُ في خطرٍ عظيم، ما لم يأخذ بالأسباب المنجية، ووسائل الحفظ والوقاية.. وأولها: الاعْتِصَامُ بِاللهِ تعالى، قَالَ جلَّ وعلا: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء: 175]..

 

وثاني الأسباب: التمسك بالكِتَاب والسنة، في الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: «تركتُ فيكم ما إن اعتصمتُم به فلن تَضِلُّوا أبدًا، كتابَ اللهِ، وسُنَّةَ نبيِّه» .. وفي الحديث الصحيح، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَعْشِ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا. فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وُسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتُ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» ..

 

وثالث الأسباب: اجْتِمَاعُ الكَلِمَةِ، وَالِالْتِفَافُ حَولَ العُلَمَاءِ، ولُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، والسمع والطاعة لإمامهم: قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]، وفي صحيح الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه مَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» .. وفي صحيح البخاري أيضًا، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، وُأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا» قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللهَ حَقَّكُمْ» ..

 

ورابع الأسباب: اعْتِزَالُ الفتن، والبعدَ عن مواطِنها، فَلَا يحضرها المسلم، ولا يُشَارِكُ فِيهَا، ففي صحيح البخاري، عَنْ أَبِي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «سَتَكُونُ فِتَنٌ القاعِدُ فيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ، والقائِمُ فيها خَيْرٌ مِنَ الماشِي، والماشِي فيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، ومَن يُشْرِفْ لها تَسْتَشْرِفْهُ، ومَن وجَدَ مَلْجًَا أوْ مَعاذًا فَلْيَعُذْ بهِ»

___________________________________________________
الكاتب: الشيخ عبدالله محمد الطوالة