زوجي معاق

هل صحيح أن كل المعاقين لا يستطيعون إقامة حياة زوجية سعيدة؟ وما متطلبات الحياة الزوجية؟ وما الشروط الواجب توفُّرها في الزوجين لإقامة أسرة؟

  • التصنيفات: فقه الزواج والطلاق - مجتمع وإصلاح -

الزواج وتكوين الأسرة حلمُ كُلِّ شابٍّ وفتاةٍ، فما أن يصل الشابُّ إلى سِنِّ الزواج يبدأ بالضغط على والديه من أجل البحث له عن زوجةٍ تُشاركُه حياته ومستقبله، وأفراحَه وأحزانَه، تكون له عونًا في تربية أولاده وبناء مستقبلهم، إلَّا أنَّ هناك فئةً من المجتمع تجد صعوبةً في إيجاد شريك حياته، وممارسة دوره كزوجٍ أو زوجةٍ في الحياة الأسريَّة، فما أن يصل إلى سِنِّ الزواج إلا والحيرة والقلق يتملَّكانِ قلبَه ونفسه، مَنْ سيقبل بي زوجًا؟ هل أستطيع تكوين أسرة؟

 

إنهم ذوو الاحتياجات الخاصة، أصحاب الإعاقات العقليَّة والجسدية، وبخاصة من دخل في عالم الإعاقة الجسديَّة حديثًا.

 

يقول أبو طلال: أنا شابٌّ أبلغ من العمر 23 سنة معاقٌ حركيًّا 100 في المائة، أجريتُ العديد من العمليات الجراحية؛ لكن من دون فائدة، الحمدُ للهِ درستُ في الجامعة، ثم وفَّقني الله أن أشتري سيارةً كي أكون حُرًّا ومستقلًّا بعد أن عملت وجمعت المال لمدة 5 سنوات، تقدَّمْتُ لكثيرٍ من البيوت من أجل الزواج؛ لكن المجتمع يرفضني، والفتيات تتنقص مني ومن قُدْراتي، أنا راضٍ بقضاء الله وقدره، ولم أحِسَّ يومًا أنني ناقص من أي ناحية؛ لكني مللْتُ من الوحدة، أريد زوجة تحبُّني وتعشقني وتكمل معي حياتها، لا يهمني إن كانت عزباء أو مُطلَّقةً أو عقيمًا.

 

وتقول أم محمد: أنا فتاة أبلغ من العمر ٣٠ سنة، مشكلتي أني كلما تقدَّم بي العمر ازددتُ خوفًا من المستقبل بحكم أني معاقة جسديًّا، مع أن إعاقتي تُعتبَر إعاقةً خفيفةً لا تمنعني من أداء واجباتي، أشعر بالحزن والخجل خاصة عند مواجهة المجتمع، أنا راضيةٌ بقدر الله وحكمته، ولله الحمد؛ لكن المجتمع الذي أعيش فيه يُشعِرني بالنقص، فكم من الأشخاص الذين رغبوا في الارتباط بي لجمالي وحُسْن خلقي؛ لكن عند سماعهم بإعاقتي يرفضون هذا الزواج، مع العلم أني أقوم بجميع الأعمال المنزلية؛ لكن أبقى في نظرهم معاقة.

 

يا عباد الله، والسؤال هنا: هل صحيح أن كل المعاقين لا يستطيعون إقامة حياة زوجية سعيدة؟ وما متطلبات الحياة الزوجية؟ وما الشروط الواجب توفُّرها في الزوجين لإقامة أسرة؟ هل يبحث الطرف الأول عن شريك يتكامل به ويتعاون معه لتحقيق أهداف الزواج؟ أم أن هناك شروطًا أخرى تتداخل أثناء البحث عن الشريك؟

 

وهنا يجب أن يسأل الشابُّ والفتاة أنفسهما عند الزواج: ماذا أريد؟ وهل إعاقة الشريك الآخر تمنعه من التكامُل والتعاون في إدارة الحياة الزوجية كل منهما مع الآخر؟

 

أيها المسلمون، إنَّ من حقِّ كل شابٍّ وفتاةٍ أن يبحث عن الكمال في كل شيء، وخاصةً في شريك حياته، وأن يُحقِّق أحلامَه وما يتمنَّاه في شريك حياته، وليس من حقِّنا إجبار الطرف الآخر بقبول شريك حياة لا يتناسب ولا يرتاح معه؛ بل ولا يجد السعادة معه؛ لكن في المقابل هناك شباب وفتيات عقلاء يرون الآخرين بعين البصيرة وليس بعين البصر، فهو يعلم ماذا يريد؟ وما أهدافه في الحياة؟ لأن الحياة فُرَص، فقد تأتي فرصة له مع طرف آخر تقدم له، فرآه مناسبًا جدًّا وإن كان معاقًا، فقد يكون هذا المعاق متميزًا في الذكاء أو الجمال أو المال أو غيرها، وأن هذه الإعاقة لا تمنعه من بِناء حياة أُسريَّة كريمة معه، فلماذا التردُّد والرفض؟

 

يا عباد الله، إنَّ على المجتمع أن يُهيِّئ الظروف البيئية الخاصة للمعاق، حتى يستطيع أن يؤدي دورَه في نهضة وطنه وأداء أمانته، وأن يكون فاعلًا في أسرته ومجتمعه، فالمُعاقُ هو فرد طبيعي يحتاج إلى ظروف بيئية خاصة تختلف عن غيره ليؤدِّي ما يُؤدِّيه غيره دون أيِّ خَلَلٍ، وعلى الإعلام أن يساعد هذه الفئة في إبراز قدراتهم وقصص النجاح لديهم حتى يكونوا قدوات لغيرهم، وحتى يعالج بعض المعتقدات والتقاليد والمفاهيم الشائعة في المجتمع التي بها ظُلم المعاق دون إدراك منهم.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجَبًا لأمر المؤمن! إن أمرَه كلَّه له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابَتْه سرَّاءُ شكر؛ فكان خيرًا له، وإن أصابَتْه ضرَّاءُ صبر؛ فكان خيرًا له»؛ (رواه مسلم)، أما بعد:

إن الحب هو أساس بناء الحياة الأُسريَّة، فإذا بُنِي البيت على الحُبِّ استمرَّت الحياة الزوجية، فليس شرطًا لنجاح الأسرة أن يكون الطرفان سليمين أو متعلمين أو أصحاب مراكز متقدمة أو يتميز أحدهما بالجمال أو المال أو غيرهما مما يعتقده بعض الشباب والفتيات، فكم من شابٍّ تزوَّج فتاة جميلة ثم حصل الطلاق، وكم من فتاة تزوَّجت شابًّا غنيًّا ثم حصل الفِراق، وكم من شابٍّ تزوَّج فتاة معاقة كان الحب يملأ قلبيهما، عاشا طويلًا في حياة سعيدة برفقة أولادهما، وكم من فتاةٍ تزوَّجت شابًّا معاقًا أحبَّتْه وأحبَّها، أثمرا أولادًا صالحين بارِّين بوالديهما.

 

يا عباد الله، أقول لكل من كان متزوِّجًا من معاق أو معاقة: إن المعاق يحتاج إلى أساليب وطرق خاصة حتى لا يحسَّ بأيِّ إحراج أو إحباط، فالتعامل مع المعاق بحاجة إلى نوع من الشفافية حتى نبعد عنه الخطر الذي قد يُصيبه، ومن أهم النقاط الواجب اتِّباعها مع الزوج المعاق:

 

أولًا: لا تُقدِّم المساعدة للمعاق حركيًّا إلا إذا طلب منك ذلك.

 

ثانيًا: خفِّف عنه ألمَه ولا تشتكي أمامه بما تُعانيه من تعبٍ أو ألمٍ، وذكِّرْه دائمًا بأجْرِ الصابرين.

 

ثالثًا: لا تشعره أنك متضايق منه، واعتمد عليه خاصة في الأشياء التي يتقنها.

 

رابعًا: أثمن ما لدى المعاق أجهزته الخاصة؛ مثل: الكرسي وغيره، فاحرص عليها.

 

خامسًا: لا بُدَّ من تعديل البيئة المحيطة بالمعاق حركيًّا، وتسهيل الأماكن للتنقُّل بحرية سواء في المنزل أو غيره.

 

سادسًا: امدح إنجازاته خاصة أمام أولاده والمجتمع من حوله.

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا عباد الله، على نبيِّكم؛ استجابة لأمر ربكم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.