سراق رمضان

منذ 2024-03-16

مضى من رمضان بدايته، وشمَّر فيهِ المُشمرون، ووفِّق فيهِ الموفقون، فاستغلوا نهاره بالصيام، وبقراءةِ القرآن وبالمحافظةِ على فرائِض الله، وقطَّعوا لياليه بالقيام والدعاءِ والابتهالِ إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى

مضى من رمضان بدايته، وشمَّر فيهِ المُشمرون، ووفِّق فيهِ الموفقون، فاستغلوا نهاره بالصيام، وبقراءةِ القرآن وبالمحافظةِ على فرائِض الله، وقطَّعوا لياليه بالقيام والدعاءِ والابتهالِ إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وفي وقابل هؤلاء أقوام سُرقَ منهم رمضان، سرقه منهم قُطَّاع الطريق فأفنوا نهاره بأنواعِ المُلهيات من نومٍ إلى قُبيل المغرب مع تضييعٍ للصلواتِ المفروضة سواءً من صلاة الفجر أو الظهر أو العصر.

 

ومنهم يا عباد الله: من جعلوا رمضان ميدانًا للمهرجاناتِ والتعليقات، حتى صارت شعارًا على محلاتهم وعلى بيوتاتهم ومنازلهم تقليدًا للعوائِد الوافدةِ علينا، وليس هذا من شعارِ رمضان، لا بفوانيس ولا بخِرق ولا بغيرها، حتى أضحى هذا كالشِّعار لرمضان في بُلدانهم وأرادوا أن ينقلوه إلينا.

 

ومنهم يا عباد الله من جعلوا رمضان ميدان للهو واللعب بأنواع ذلك إما بالمُسلسلاتِ والأفلام، وإما بمُسابقات القِمار حتى جعلوا ليالي رمضان ونهاره استعدادًا لذلك، وما هؤلاءِ إلا من قُطَّاع الطريق عليكم وسُرَّاقِ رمضان من عباد الله، وقد وقع في شباكِ هؤلاء من وقع، فمضى عليهم اليوم والليلة والأيام والليالي وقد ضيعوا فرائض الله ولم يستغلوا رمضان فيما استغله به عباده وأولياؤه، ألا فانتبهوا يا رعاكم الله، واحذروا أن تكونوا في شباكِ هؤلاء، وأن تقعوا منهم في هذا الموقع، وأن تبتدعوا في دينكم، فإن كلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ ‌شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21].
 

مضى من رمضان ما مضى، وبالأمس القريب كانت قلوب المؤمنين متشوقةً ومتشوِّفةً إلى هذا الشهر وتنوي أن تعمل فيهِ عملًا صالحًا، مضى حوالي ربعه فقف مع نفسك يا رعاك الله فسلها وحاسبها وراجعها لعلك أن تكون فيها من السعداء، ماذا أدَّيت في هذا الثلث، كم ضاعت عليك من الفرائِض؟ كم قرأت من القرآن قراءة تدبُّر؟ هل قُمت رمضانَ مع الإمام حتى ينصرف الإمام من قراءته؟ وقيام الإمام وقتٌ يسير لا يتجاوز في الغالب الأعمِّ نصف ساعة.

 

وفي حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتبَ له قيامُ ليلة»  [1] ولو لم يقم من الليل إلا شيئًا قليلًا»، هل جاهدت نفسك مع ذلك أو أشغلك سُرَّاقُ رمضان بما جلبوا عليك من أنواعِ المُسلسلاتِ والمشاهد والمُضحكاتِ والمُخزيات حتى قطَّعوا عنك ليالي رمضان وقطَّعوا عنك نهاره، فاتقوا الله عباد الله، واستغلوا موسمكم فإنَّا والله لا ندري أندركُ رمضان الآخر أو أن هذا آخر رمضانَ في حياتنا وفي عمرنا، فاستودعوا فيهِ عملًا صالحًا تُسَّرون بهِ يوم أن تلقوا ربكم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.


[1] أخرجه أحمد (21419)، وابن ماجه (1327)، وأبو داود (1375)، والترمذي (806)، والنسائي (1327) بنحوه.

علي بن عبد العزيز الشبل

أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

  • 2
  • 0
  • 289

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً