رسالة من شاب سوري لاجئ

أنا الآن:
1 أنا شخص اعتبر جاهل عند الناس.. بعد ان كنت احارب من اجل القضاء على كلمة جاهل ولكن.
2. أنا شخص لا عمل لي.. ومن حوالي سنة.. ولا أستطيع العمل بأي عمل عضلي بسبب مرض في جسدي.
3 أنا شخص أصبح ذو تفكير ضعيف. أصبح همي الوحيد هوان ينتهي النهار.
4 أنا شخص.. مدمن نت. أي 19 ساعة تقريبا على النت يوميا.. وأنت تعرف نهاية مدمني النت.
وغير ذلك تفكيري بأمي وإخوتي الذين هم بالداخل أي داخل سوريا...فأرجوك ارجوك اتوسل الى الله ثم إليك... أخرجني من هذا الوضع إن استطعت فأنا أموت بلا ذنب، وبالله عليك لوكنت مكاني ألا تفكر بالانتحار؟

  • التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

أنا شاب سوري:

خرجت في ثورة الحرية المباركة، وكنت طالب بكالوريا وانحرمت من الامتحان بسبب مشاركتي بالمظاهرات المناوئة للنظام السوري، وأجبرت للخروج إلى تركيا.

تغيرت كثيرا، حيث إن كثيراً من الناس تركوني بسبب تصرفاتي الخاطئة، ولكن كنت في حالة حزن وضغط نفسي شديد، ولم أستطيع التحكم بتصرفاتي، كان تفكيري بالدراسة وكان حلمي دخول الجامعة، والآن بعد فقدان أملي من الدراسة، بدأت بالبحث عن عمل. في سورية لم أعمل بأي عمل، وكان أهلي يمنعونني وذلك بسبب أن والدي يعمل في مجال المحاماة، بدأت بالعمل في مطعم.

وكان كلام الناس قاتلا.

ابن المحامي الذي كان يعمل في مكتب أصبح الآن في مطعم فتركت العمل بعد تعرضي للإهانة وذهبت للعمل في مقهى، أيضا تعرضت لما تعرضت من اهانات، وبعد كل هذا.

 أنا الآن:

1 أنا شخص اعتبر جاهل عند الناس.. بعد ان كنت احارب من اجل القضاء على كلمة جاهل ولكن.

2. أنا شخص لا عمل لي.. ومن حوالي سنة.. ولا أستطيع العمل بأي عمل عضلي بسبب مرض في جسدي.

3 أنا شخص أصبح ذو تفكير ضعيف. أصبح همي الوحيد هوان ينتهي النهار.

4 أنا شخص.. مدمن نت. أي 19 ساعة تقريبا على النت يوميا.. وأنت تعرف نهاية مدمني النت.

وغير ذلك تفكيري بأمي وإخوتي الذين هم بالداخل أي داخل سوريا...فأرجوك ارجوك اتوسل الى الله ثم إليك... أخرجني من هذا الوضع إن استطعت فأنا أموت بلا ذنب، وبالله عليك لوكنت مكاني ألا تفكر بالانتحار؟

الإجابة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

أولاً. دعني أحييك وأحيي كل حر شريف وقف أمام الباطل في الوقت الذي انحنى له الألاف وملايين البشر.. فلك كل التحية أيها الحر البطل.. ولك أن تفخر أيها الأخ العزيز على ما أنت فيه لا أن تشعر بالندم.. فأنت اخترت لنفسك أن تكون في معسكر الحق وأن تخوض معركتك مع الباطل.. ومن دخل المعركة فلا بد أن يوطن نفسه على مشاق هذه المعركة.

 

أخي الحبيب.. دعني ألخص لك جوابي من خلال النقاط التالية:

1. لست ذليلاً ولا مهاناً حتى وإن تعرضت لمواقف الذل والإهانة، حتى وإن عملت في مهن ضعيفة وسمعت كلاماً جارحاً.. فإهانة الآخرين لنا لا تعني أننا مهانين، وإنما تعني أن هؤلاء الناس غير جيدين.. ودعني أن أبين لك شيئاً هاماً ألا وهوان العزة والذلة شعور داخلي ينبع من داخلك، فينغي ألا يتأثر بالظروف المحيطة بك قدر الإمكان.. ففي معركة أحد انهزم المسلمون وقتل عدد منهم وجرح الحبيب المصطفى بأبي ووأمي عليه صلوات الله، وشعر المسلمون بالذلة والمهانة، فأنزل الله قوله تعالى {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139] فهم الأعلون وإن انهزموا، هم الأعلون وإن قتلوا، وهم الأعلون وإن سمعوا من قريش المهانة والتشفي.. لأن ميزان العلو هو الإيمان والاعتزاز بالله.. فمن كان مع الله فهو العزيز وإن كان كل الخلق ضده.

 

2. الاستسلام للفراغ من أكبر ما يصيب الإنسان بالإحباط، فالإنسان بطبعه يشعر بالأنس والسعادة عندما يشعر بأن له هدف يسعى إليه، وإنجاز يحققه، فلا بد لنا أن نبحث عن أهداف جادة تملاء وقتنا، ونستثمر فيها طاقتنا، ولا تقل أن الإمكانيات ضعيفة وأنا أعيش في ظروف قاهرة، فأنا أعي ذلك تماماً وأقدره جيداً، ولكن بإمكانك أيها الغالي أن تجد لنفسك ما يتناسب مع وضعك ودعني أقترح عليك اقتراحين وثلاثة: لماذا لا تجعل فترة مكوثك في تركيا فترة ذهبية لتعلم اللغة الإنكليزية.. فأنت تقضي فترات طويلة على النت، فلماذا لا تكون هذه الفترات بهدف.. تحفظ فيها يومياً عدد من الكلمات والمصطلحات، وتقرأ عدد من القصص الإنكليزية التي تقوي لغتك، وهناك برامج تفصيلية لطريقة تعلم اللغة عن بعد.. وفكرة ثانية لماذا لا تستثمر فراغك في حفظ كتاب الله. فهو الأنس والراحة، وإني أعلم أناساً ابتلوا بالسجن الانفرادي فلا يوجد عندهم لا صديق ولا قريب ولا نت ولا خروج ودخول، فاشتغلوا بحفظ القرآن، فحفظوه كاملاً ثم بدأوا يراجعونه غيباً كل شهر ثم كل عشرين يوما ثم استمروا إلى أن أصبح يراجعه غيباً كل أسبوع.. وقد حدثني بذلك صاحب القصة نفسه، وقال: في بعض الأحيان كنت أشعر أن السجن منحة وليسن محنة.. منحة ربانية أقترب وأتفرغ فيها لما كنت منشغلاً عنه في الماضي

.

3. الذي جعلك في تركيا هو قرارك الصائب في الوقوف في صفوف الثورة ومشاركتك المأجورة بإذنه تعالى في المظاهرات.. فإذا كنت قد قدمت وعملت وجاهدت وأنت في داخل بلدك وتحت المخاطر والمخاوف.. فلماذا لا تكمل الطريق وأنت بالخارج.. فهذا من باب أول فالمخاطر أقل والمساحة مفتوحة.. فقط عليك بالتواصل مع من تعرفه من الناشطين الصادقين، وستجد منهم من يمد يداً لأمثالك من أصحاب الطاقات الفاعلة بإذنه تعالى.

 

4. عندما قرأت كلامك وأسلوبك في الكتابة وجدتك ذا قلم رائع وأسلوب شيق جميل، وتعبير دقيق وعميق.. ولا أقول هذا الكلام مجاملة لك من باب رفع معنوياتك أبداً، وإنما هو إعجاب حقيقي ومقارنة واقعية بين أسلوبك وأسلوب العشرات بل المئات ممن يكتب إلينا وبعضهم من حملة الشهادة الجامعية بل والشهادات العليا كذلك.. فلماذا لا تستثمر أسلوبك الجميل في نصرة بلدك بالكتابة والتعليق في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها.

 

5. الله عز وجل جعل في هذه الدنيا محاكات وابتلاءات، من تجاوزها تحقق له من الأجر والأنس والسعادة الشيء الكثير، ومن فشل فيها عوقب وجوزي على فشله.. وما أنت فيه محك لقوة إيمانك وصدق توجهك إلى الله، فاستعن به سبحانه واعلم أن الله عندما يبتلي عبده فإنه يعينه، فالله لا يريد منا أن نفشل في الابتلاء ولكنه سبحانه يريد منا أن نكون صادقين وجادين في اللجوء إليه، وبعدها يأتي عونه وتوفيقه وبركته سبحانه وتعالى {الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ .وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ[العنكبوت: 2-3-1]

 

6. الانتحار إنما يفكر فيه من فقد الثقة بمولاه، وانقطع رجاءه بالله، ولذلك كان عقاب من يفعله عظيماً عند الله. لأن من أقدم عليه يسئ الظن بالله دون أن يشعر.. الله أخي الحبيب كريم رحيم.. ولكن رحمته قد لا تظهر لنا بصورة مباشرة، وإنما قد تأتي مغلفة بالمشاق والمتاعب، فيكون ظاهر الأمر التعب والعذاب وحقيقته الرحمة والعون.{فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19] ما أجمل أن نحاول أن نفكر في رحمة الله بعمق.. فمن رحمة الله أن الله ساقك إلى معسكر أهل الحق ولم يجعلك في معسكر أهل الباطل، ومن رحمة الله أن الله أشعرك بالضيق لتلجأ إليه وتعود له.. ومن رحمة الله أن جعلك تميز بين الخطأ والصواب والحق والباطل.. ومن رحمة الله أن دلك على هذا الموقع لتعرض فيه مشكلتك وتقرأ فيه كلمة تنفعك وتثبتك.. ومن رحمة الله أن تشعر برحمة الله.

 

أخي الحبيب.. اجعل من فترة مكوثك في تركيا دورة مكثفة لتتعلم فيها كل ما يقيدك، ولتقترب فيها من الله أكثر وأكثر فإن هذا هو المكسب الذي تهون معه كل خسارة.. وبعد فترة ليست بالطويلة بإذنه تعالى ستعود إلى بلدك عزيزاً كريماً.. وستكون أيامك في تركيا ذكريات من الماضي.. فاعمل على أن تكون ذكرياتك في تركيا سعيدة تحمل الجد ولاجتهاد وتعلم المهارات وحفظ القرآن ونفع الناس.. ولا تجعلها ذكريات مريرة لا تحتوي إلا على الفراغ القاتل والهم الممرض.. فأنت حيث تضع نفسك..

 

وأخيراً أخي الغالي.. أعلم تماماً كم هو حجم المعاناة، ولا أتكلم وأنا بعيد عن تصور حجم المشكلة،، ولكن الاستسلام للصعاب لا يزيدنا إلا ضعفاً.. واليأس لا يصنع شيئاً.. والله سبحانه لا يكلفنا ولا يبتلينا بما لا نطيق {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}. [البقرة: 286] فبما أن الله قد ابتلاك بما أنت فيه.. فإن هذا يعني أن الله قد أعطاك من القوة والصبر ما تستطيع أن تتجاوز معه هذه الأزمة والمشكلة وإياك أخي أن تندم على ما فعلت فيذهب أجر ما قمت به من عمل عظيم.. وتبقى فيما أنت فيه من حال صعب.. فتكون كمن خسر مرتين.

 

سددك الله أخي الحبيب.. وأتمنى أن تسمعني قريباً عن منجزات عملية قمت بها، لنشترك معك في الأنس والسعادة.. ولك منا كل دعاء صادق أنت وجميع إخواننا الأبطال المنكوبين.. وعجل الله بالفرج والعون.. وهو على كل شيء قدير..

 

المستشار: أ. وليد الرفاعي