هل الخلوة الصحيحة توجب المهر- كاملاً- والعدة؟

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه الزواج والطلاق -
السؤال: السلام عليكم، أود السؤال عمن خلا بامرأته ولم يطأها: هل يجب عليه المهرُ كاملاً أم نصفُه، وقد قال ابن قدامه في المغني: إنه يجب عليه المهر كاملاً؛ واستدل بإجماع الصحابة على ذلك، وأورد خلاف هذا القول عن ابن عباس، وابن مسعود، إلا أنه ضعَّف أسانيد تلك الآثار عنهما؛ فما الراجح؟ ولو تبين أن الراجح: هو أن عليه نصف المهر فقط وأهل الزوجة يأخذون بالرأي الآخر فماذا على الزوج حينئذ أن يفعله، وقد كتب على نفسه ورقة بالمهر على أن يسدده مؤجلاً؟
الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن الخََلْوة الصحيحة التي ينفرد فيها الزوجان في مكان يمكن فيه الجماع، لها حكم الدخول إذا ثبتت بالإقرار أو بالبينة؛ على الراجح من أقوال أهل العلم، وإن لم يحصل جماع؛ فَيَسْتَقِر بها المهرُ-كاملاً- وتجب بها العدة؛ وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الثابت عن الخلفاء الراشدين، وزيد بن ثابت، وابن عمر، وبه قال علي بن الحسين، وعروة بن الزبير، وعطاء، والزهري، والأوزاعي، وإسحاق بن رَاهَويه، وهو مذهب الحنفية، والحنابلة، وقديم قولي الشافعي، وأصح الروايات عن مالك كما حققه القاضي أبو بكر بن العربي المالكي.

واستدل جمهور الفقهاء بأدلة منها:

- قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء:21]؛ والإفضاء مأخوذ من الفضاء, وهو الخالي؛ فكأنه قال: وقد خَلا بعضكم إلى بعض؛ قال القاضي ابن العربي: أفعل من الفضاء وهو كل موضع خالٍ؛ فقال: وكيف تأخذونه وقد كانت الخَلوة بينكم وبينهن؛ وهذا دليل على وجوب المهر بالخَلوة".

- ومنها ما (رواه الإمام أحمد) بإسناده إلى زُرَارَة بن أوفى؛ قال: "قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق باباً أو أرخى ستراً، فقد وَجَبَ المهر ووجبت العدة"، وقال ابن قدامة في (المغني): وهذه قضايا تشتهر, ولم يخالفهم أحد في عصرهم؛ فكان إجماعاً، ولأن التسليم المستحق وُجِدَ من جهتها ؛ فيستقر به البدل, كما لو وطئها، وحَكَى إجماعَ الصحابة أيضاً الطحاويُّ في (مشكل الآثار)، وابنُ حزم في (مراتب الإجماع)، وقال العلامة الخِرَقِيُّ -الحنبلي-: "وإذا خلا بها بعد العقد؛ فقال: لم أطأها وصدقته، لم يلتفت إلى قولهما، وكان حكمها حكم الدخول في جميع أمورهما".

وفي (الإنصاف) للمرداوي: "الخَلوة تقوم مقام الدخول في أربعة أشياء وذكر منها: تكميل الصداق، ووجوب العدة"، وقال السَّرَخْسِيُّ -الحنفي- في "المبسوط": "الخَلوة بين الزوجين البالغين المسلمين وراء ستر أو باب مغلق، يوجب المهر والعدة عندنا".

وذهب الإمام الشافعي -في الجديد-: إلى أنه لا يستقر المهر الكامل إلا بالوطء. وحُكي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس ولم يصح عنهما، كما قال الإمام أحمد وابن المنذر، واحتج الإمام الشافعي بقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] والجواب عن الاحتجاج بالآية: أنها محمولة على أنه أراد الجماع وما يقوم مقامه؛ فأقيمت المظنة (وهي الوطء) مقام المئنة (وهي الخلوة) كما فهمه الصحابة، وقد سبق وإلا فإنه يلزم على قول الشافعي: ألا يجب المهر على من دخل بزوجته -التي زفت إليه- ولم يجامعها.

وعليه: فيجب على الزوج أن يدفع للمرأة ما اتفقا عليه من مهر كامل، وكافة حقوق المطلقة، وكذلك يجب على المرأة العدة؛ وذلك لحصول الخلوة الشرعية؛ لأنها تتنزل منزلة الدخول. والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

منقول من موقع الآلوكة.