حكم الذهاب للحج والعمرة والدفع بواسطة قروض الائتمان

الإسلام سؤال وجواب

  • التصنيفات: فقه الحج والعمرة -
السؤال:

انتشرت في الآونة الأخيرة إعلانات من شركات السياحة التي تقوم بتنظيم رحلات الحج والعمرة والتي تعلن فيها عن قيامها بتقسيط تكاليف الرحلات من باب التيسير على راغبي الحج والعمرة، ولاجتذاب أكبر قدر منهم خاصة في ظل حالة الكساد التي تمر بها العديد من الدول، وقلة السيولة المالية في أيدي مواطنيها، وقد أعلنت أيضا بعض الشركات عن قبول الدفع عن طريق كروت الائتمان.

السؤال هو: ما حكم الشرع فيمن يحج ويعتمر بهذه الطريقة؟ وهل يصح الحج أو العمرة في هذه الحالة - خاصة أن بعض الفقهاء قد أفتى بجواز تمويل الحج عن طريق القروض التي تسدد على أقساط مناسبة كنوع من التيسير في ظل الارتفاع الشديد في تكاليف الرحلات-؟

الإجابة:

الحمد لله
الحج أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، وهو فرض ثابت بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع المسلمون على ذلك.

قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97].

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْس: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ" (رواه البخاري 8 ومسلم 16).

ولا يجب الحج إلا على المستطيع، ومن الاستطاعة: القدرة المالية، والقدرة البدنية للسفر وأداء المناسك.
ولا يكلف الإنسان بالاستدانة للحج، ولا يستحب له أن يفعل ذلك، فإن خالف واستدان فالحج صحيح إن شاء الله تعالى.

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بعض الناس يأخذ سلفيات من الشركة التي يعمل بها، يتم خصمها من راتبه بالتقسيط ليذهب إلى الحج، فما رأيكم في هذا الأمر؟

فأجاب: "الذي أراه أنه لا يفعل، لأن الإنسان لا يجب عليه الحج إذا كان عليه دَيْن، فكيف إذا استدان ليحج؟! فلا أرى أن يستدين للحج، لأن الحج في هذه الحال ليس واجباً عليه، ولذا ينبغي له أن يقبل رخصة الله وسعة رحمته، ولا يكلف نفسه دَيْناً لا يدري هل يقضيه أو لا؟ ربما يموت ولا يقضيه ويبقى في ذمته" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (21/93).

أما إن كانت استدانته بقرض ربوي ليحج، فإن هذا من أكبر الكبائر.
وتحريم الربا أشهر من أن يُستدل له. قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:278، 279].

وقال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:275].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ" (رواه مسلم 1597).
فكيف يرضى مسلم أن يفعل كبيرة توعد الله تعالى بالحرب عليها من أجل أن يحج، وهو غير واجب عليه إذا لم يكن مستطيعاً.

أما من حيث صحة الحج فإنه يصح ولو كان المال الذي يحج به حراماً، ولكنه ليس حجاً مبرورا. حتى قال بعض الأئمة:

إذَا حَجَجْت بِمَالٍ أَصْلُهُ سُحْتٌ *** فَمَا حَجَجْت وَلَكِنْ حَجَّتْ الْعِيرُ لا يَقْبَلُ اللَّهُ إلا كُلَّ طَيِّبَةٍ *** مَا كُلُّ مَنْ حَجَّ بَيْتَ اللَّهِ مَبْرُورُ


و(العير) الدابة التي يركبها الحاج. (أي: الحمار).

قال النووي رحمه الله:
إذا حج بمال حرام أو راكباً دابة مغصوبة أثم وصح حجه وأجزأه عندنا، وبه قال أبو حنيفة ومالك والعبدري، وبه قال أكثر الفقهاء. "المجموع " (7 / 40).

وسئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حكم من حج من مال حرام – يعني: فوائد بيع المخدرات - ثم يرسلون تذاكر الحج لآبائهم ويحجون، مع علم بعضهم أن تلك الأموال جمع من تجارة المخدرات، هل هذا الحج مقبول أم لا؟

فأجابوا:
كون الحج من مال حرام لا يمنع من صحة الحج، مع الإثم بالنسبة لكسب الحرام، وأنه ينقص أجر الحج، ولا يبطله.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11 / 43).

وفي الباب حديث مشهور لكنه ضعيف: عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن حج بمال حرام فقال: لبيك اللهم لبيك، قال الله عز وجل: لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك".

قال ابن الجوزي: وهذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. "العلل المتناهية" (2 / 566).
والله أعلم.