المقصود ب(لا ضرر ولا ضرار)

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

  • التصنيفات: الحديث وعلومه -
السؤال:

ما المقصود ب(لا ضرر ولا ضرار)؟ وهناك بعض الأسئلة على ذلك:

1- هل إذا رأيت من وجهة نظري أن الشيء الذي سأفعله فيه (احتمالية) خطر أو ضرر عليّ هل أفعله أم لا؟ لاحظ الكلمة التي بين القوسين (احتمالية البعض يقول ما دخل فيه الاحتمال يسقط به الاستدلال، فماذا ردك أو رأيك يا شيخ؟

2-هل مثلا إذا قال لي أحد بأنه لا يجوز لي ركوب الدباب أو (الموتسكيل) مثلا لأنه يقع تحت دائرة الضرر فهل أستند إلى القضاء بقدر الله وأركبه أم أن هناك رأي آخر؟

3- ماذا إذا عارض أحد ويفترض أنه الأب أو الأم والواجب طاعتهما بأن أسافر إلى مكان وأنا أرى أن هذا المكان سيكون عليّ منه ضررا أو خطرا فهل أطيعهما أم لا؟ وإذا أمراني بالذهاب وقالا أن هذا يمكن أن يكون ابتلاءا من الله وأنه يجب الطاعة {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خيرا لكم} وهكذا فما الحل؟ وما الرأي؟

الإجابة:

هذا الحديث "لا ضرر ولا ضِرار" هو قاعدة عظيمة عند أهل العِلم، مع قصر ألفاظه واختصار كلماته إلا أنه يشتمل على قواعد وليس على قاعدة واحدة. ومعنى (لا ضرر ولا ضِرار) أن الإنسان لا يجوز له أن يضرّ بنفسه ولا بغيره. ومن هنا يتبيّن خطأ من يقع في الموبقات والمهلِكات، أو يتعاطى السموم كالتدخين، ثم يقول: أنا حُرّ! هو في الحقيقة ليس حُرّاً، فهو مُخطئ من جهتين: الأولى: أنه يظن أنه حُرّ، وهو عبدٌ لا ينفكّ عن العبودية، سواء عبودية لله أم لشهوته. الثانية: أنه أضرّ بنفسه، وأضرّ بصحّته، بل في الغالب يضرّ نفسه ويضرّ غيره. فالمدخِّن مثلا يضرّ نفسه ويضرّ غيره، فيما يُعرف بالتدخين السلبي. ويضر أطفاله، سواء في أثناء الحمل أم من خلال الاستنشاق. ومن هذا الباب فإن العلماء يَحكمُون بالتفريق بين المريض وزوجته إذا كان مرضاً خبيثاً مُنتشراً ومن هذا الباب أيضا الحجر الصحِّي الذي سَبَق إليه الإسلام فقد قال عليه الصلاة والسلام: "إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها". (رواه البخاري ومسلم). وكذلك الإضرار بالزوجة جاء النهي عنه. فمن ذلك أن يُؤذي الزوج زوجته لكي تفتدي منه، وتردّ إليه ما أعطاها من مهر. وقد قال عليه الصلاة والسلام في هذا الباب: "إن أعظم الذنوب عند الله رجل تزوج امرأة فلما قضى حاجته منها طلّقها وذهب بمهرها، ورجل استعمل رجلا فذهب بأجرته، وآخر يقتل دابة عبثاً". (رواه الحاكم هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. ورواه البيهقي، وصححه الألباني). وتتعدد صور الإضرار، ويُنهى عنه.

أما ما سألت عنه بالتفصيل ف:

1- إذا كان هذا الفعل طاعة، فلا يُلتفت إلى هذا الاحتمال. وإذا كان أمراً دنيوياً فكثير من الأحوال والأفعال يتطرّق إليها الاحتمال، فركوب السيارة مُتطرّق إليه احتمال وقوع الخطر. وكذلك ركوب الطائرة. وكذلك استعمال الكهرباء، واستعمال الغاز، وغير ذلك. فالاحتمال وارد، إلا أن التوكّل يُذهب هذا، وربما قضى عليه.

وهناك فرق بين الاحتمال وبين غَلَبة الظنّ، فإن غَلَب على الإنسان أن هذا الفعل فيه ضرر وخطر فإنه يتركه، وإن كان مُجرّد احتمال فلا يتركه. وليس صحيحا أن ما تطرّق إليه الاحتمال سَقط به الاستدلال!

2- يُقال في الدراجات الهوائية والنارية مثل ما سبق، إن كان مُجرّد احتمال فلا يُلتفت إليه، وإن غَلَب على الظن فإنه يُترك.

وأضرب لذلك مثلاً: ركوب الدراجات النارية (الدبّاب) في أيام المطر أو في وجود الثلج أكثر خطراً، بل قد يغلب على الظن الخطر، فيُمنع منه. وركوبه في الأيام العاديّة مُحتمل، ولا يغلب على الظن، فلا حرج.

3- إذا كان هذا المكان لأداء طاعة، كأداء الحج، فلا طاعة للوالدين في تركه إذا تعيّن، وكذلك بالنسبة للجهاد، فإن الخطر في ساحات الجهاد ربما كان غالباً على الظن، ومع ذلك إذا تعيّن فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالِق. ولذا قال الحسن البصري: "إن منعته أمُّه عن العشاء في الجماعة شفقة لم يطعها".

فلو فُرِض أن في ذهابه لصلاة العشاء احتمال ضرر، فلا يُلتفت إلى هذا الاحتمال ولا يُطيع أمّه في ترك الطاعة. أما إذا كان السفر لنيل نافلة مِن عِلم، أو لتجارة وأمراه بترك ذلك فإن طاعتهما خير له. قال الحسن بن سفيان: فاتني يحيى بن يحيى التميمي بالوالدة لم تدعني أخرج إليه فعوّضني الله بأبي خالد الفراء، وكان أسند من يحيى بن يحيى . أي أن الله عوّضه خيراً مما ترك حينما أطاع أمّه في عدم الخروج لنيل نافلة من العلم.

أما إذا أمرا ابنهما فيما فيه احتمال ضرر أو خطر فإنه يُطيعهما، بِخلاف ما إذا كان فيه غلبة ظن في وقوع الضرر أو الخطر. ولا أظن أن والداً يأمر ابنه بذلك، فضلا عن الأم. والله تعالى أعلم.