هل أنا ممسوسة أم قليلة الإيمان

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

انا من سنين كنت اصلى واحفظ القرآن وانتكست وصرت لا اصلى واسمع اغانى بكثرة فى يومى ولكنى كنت ملتزمة الدعاء الان مضى عدة اشهر على عزمى ان اتغير للافضل وبالفعل بدأت الان احس صار فى ثقل وانا بدعى والله اخجل ان اقول ما احس عندما اقول بفضل الله ورحمته سيتم كل شئ بخير فاحس بصوت داخلى يقول لى ما دخل فضل الله ورحمته هنا ! مع العلم انى والله مااغفل فضل الله فى كل شئ فى حياتى ولكن عندما احارب نفسى فى فكر ان الله له فضل بكل شئ تبدء المعاناة مع شئ اخر كحسن الظن بالله فاقول ما دخل حسن الظن ماكل شئ جيد

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فالشارع الحكيم بينا لنا في القرآن العزيز كل ما من شأنه دفع الفتنة عن المسلم، مهما عرضتْ له فتنة الشهوات أو الشبهات، من أعظمها الاستعاذة بالله العظيم والاستعانة به؛ والتوكل عليه في أن يقيم القلب ولا يزيغه، وصدق اللجوء بالدعاء بالثبات على الهدى والتقوى، والحذر اتباع الهوى؛ قال - تعالى -: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} [الشورى: 15]، وقال سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، وجهاد النفس، هو قهر الهوى والشهوة.

 وقد بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية طرقًا شرعية عملية للخلاص من فتنة النفس والشيطان، وجماعها عبادة الله مخلصًا له الدين، فقال في "مجموع الفتاوى" (10 / 635) -: "فإذا كانت النفس تهوى، وهو ينهاها، كان نهيه عبادة لله، وعملًا صالحًا، وثبت عنه أنه قال: ((المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله))، فيؤمر بجهادها، كما يؤمر بجهاد من يأمر بالمعاصي، ويدعو إليها، وهو إلى جهاد نفسه أحوج؛ فإن هذا فرض عين، وذاك فرض كفاية، والصبر في هذا من أفضل الأعمال؛ فإن هذا الجهاد حقيقة ذلك الجهاد، فمن صبر عليه، صبر على ذلك الجهاد؛ كما قال: ((والمهاجر من هجر السيئات))، ثم هذا لا يكون محمودًا فيه إلا إذا غلب، بخلاف الأول؛ فإنه: {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 74]؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس الشديد بالصرعة))، وذلك؛ لأن الله أمر الإنسان أن ينهى النفس عن الهوى، وأن يخاف مقام ربه، فحصل له من الإيمان ما يعينه على الجهاد، فإذا غُلِبَ، كان لضعف إيمانه، فيكون مفرِّطًا بترك المأمور، بخلاف العدو الكافر؛ فإنه قد يكون بدنه أقوى؛ فالذنوب إنما تقع إذا كانت النفس غير ممتثلة لما أُمِرَتْ به، ومع امتثال المأمور لا تفعل المحظور؛ فإنهما ضدان؛ قال - تعالى -: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}[يوسف:24]، وقال: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء:65]، فعباد الله المخلصون، لا يغويهم الشيطان، والغي خلاف الرشد، وهو اتباع الهوى، فمن مالت نفسه إلى محرم، فليأت بعبادة الله كما أمر الله، مخلصًا له الدين؛ فإن ذلك يصرف عنه السوء والفحشاء، فإذا كان تائبًا فإن كان ناقصًا، فوقعت السيئات من صاحبه، كان ماحيًا لها بعد الوقوع، فهو كالترياق الذي يدفع أثر السم، ويرفعه بعد حصوله، وكالغذاء من الطعام والشراب، وكالاستمتاع بالحلال الذي يمنع النفس عن طلب الحرام، فإذا حصل له، طلب إزالته، وكالعلم الذي يمنع من الشك، ويرفعه بعد وقوعه، وكالطب الذي يحفظ الصحة ويدفع المرض، وكذلك ما في القلب من الإيمان يحفظ بأشباهه مما يقوم به، وإذا حصل منه مرض من الشبهات والشهوات، أزيل بهذه، ولا يحصل المرض إلا لنقص أسباب الصحة، كذلك القلب لا يمرض إلا لنقص إيمانه، وكذلك الإيمان والكفران متضادان، فكل ضدين فأحدهما يمنع الآخر تارة، ويرفعه أخرى، كالسواد والبياض". اهـ.

وقال الإمام ابن القيم في "إغاثة اللهفان" (2 /167): "ففتنة الشبهات، تدفع باليقين، وفتنة الشهوات، تدفع بالصبر، ولذلك؛ جعل – سبحانه - إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين، فقال: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]؛ فدل على أنه بالصبر واليقين، تنال الإمامة في الدين، وجمع بينهما – أيضًا - في قوله: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3]، فتواصوا بالحق الذي يدفع الشبهات، وبالصبر الذي يكف عن الشهوات؛ فبكمال العقل والصبر، تُدفع فتنة الشهوة، وبكمال البصيرة واليقين، تُدفع فتنة الشبهة، والله المستعان". اهـ.

هذا؛ ومن أعظم ما يعين على الثبات على الحق غير ما ورد في كلام الإمام: قراءة القرآن الكريم بتدبُّر؛ فإنه شفاءٌ لمن في قلبه أمراض الشبهات والشهوات جميعًا، ففيه من البينات ما يميز الحق من الباطل؛ فيزيل أمراض الشبهة المفسدة للعلم والتصور والإدراك، وفيه من الحكمة والموعظة الحسنة، بالترغيب والترهيب، ما يوجب صلاحَ القلب، فيرغب القلب فيما ينفعه، ويرغب عما يضره.  

ومنها: تدريب القلب على إيثار طاعة الله والخوف، وتذكير النفس حال سكرتها، أنها إن نالت غرضها، فإنه يعقبه من الضرر في الدنيا والآخرة أعظم مما حصل من عاجل الشهوة، فتوازن بينهما حتى تقدم ما رجحت مصلحته على مفسدته، وإن كرهته النفوس؛ كما قال - تعالى -: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]، وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((حُفَّت الجنة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات)).

ومنها: معرفة ما تَوَعَّد الله به المستمتعين بفتنة الشهوات المحرم من العقاب الأليم في الدنيا والآخرة؛ كقوله – تعالى : {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [التوبة: 69]، إشارة إلى اتباع الشهوات، وهو داء العصاة، ولذلك؛ استحقوا من العقوبة والإهلاك.

ومنها: إدمان الاستعاذة بالله من الشيطان وشركه؛ كما قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} [الأعراف: 200-202].

ومنها: المحافظة على أداء ما أوجبه الله – تعالى - نت الصلوات الخمس، وأداء السنن الرواتب؛ قال – تعالى -: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45]، وقال:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45].

هذا؛ ويمكنك أن ترقي نفسك بالرقية الشرعية، فتجمعين كفيك، ثم تقرأئين فيهما فاتحة الكتاب والمعوذتين وآية الكرسي عدة مرات، ثمّ تتفلي في كفيك وتمسحي بهما سائر جسدك،، والله أعلم.