دروس من الهجرة للجاليات المسلمة (جزء أول)

قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعداد ميثاق، يشبه عهدًا أو دستورًا، لتنظيم العلاقات بين هذه المجتمعات التي تعيش في المدينة المنورة، بنصوص تنظم المبادئ العامة التي ستنشأ العلاقات الودية بين المسلمين وغير المسلمين وستضمن حماية الأرواح والممتلكات وحرية الفكر والعبادة

  • التصنيفات: السيرة النبوية -

كانت الهجرة إلى المدينة المنورة نقطة تحول في التاريخ الإسلامي تحتوي على العديد من الدروس الملهمة، وخاصة بالنسبة للجاليات المسلمة، رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاموا بضرب أمثلة رائعة يمكن للمسلمين أن يتعلموا منها ويترجموها إلى ممارسات في جميع جوانب الحياة، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة المنورة، المعروفة سابقًا باسم يثرب، والتي أصبحت من أهم المدن والثانية في الإسلام بعد مكة المكرمة، على الرغم من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينس أبدًا حبه لمكة المكرمة وبقي في المدينة المنورة حتى أسلم الروح، لم يدخر جهدًا لحماية وتطوير المدينة المنورة وتحويلها إلى مدينة متحضرة متقدمة، على غالبية المسلمين الذين يعيشون في البلدان غير المسلمة، المهاجرين منهم خاصة، أن يستفيدوا من الدروس المهمة التي خلفتها هذه الهجرة.

- الروح الحقيقية للمواطنة:

حين استقر نهائيًا في المدينة المنورة، ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة رغم الحب والرعاية لذلك المكان، تاركين وراءهم إحساس وشعور بالقلق إزاء مكة المكرمة التي هي موطنهم الأصلي، من حبه الكبير ورعايته للمدينة المنورة، أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها مدينة ذات حرمة مقدسة، وبنفس الطريقة التي أعلن بها إبراهيم عليه السلام قدسية مكة المكرمة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المخرج عند (مسلم): «إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها ومدها بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة»، رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بذلوا جهودهم للدفاع عن المدينة المنورة ضد العدوان والهجمات، قاتلوا كل القوات الخارجية التي هاجمت واستهدفت مدينتهم، حتى عندما كان المعتدين من القبائل والمدن الأصلية.

على سبيل المثال؛ في السنة الخامسة بعد الهجرة، دافع رسول الله وأصحابه بشجاعة عن المدينة المنورة ضد القبائل المتحالفة بقيادة قريش، الذين تجمعوا بأعداد كبيرة لغزو المدينة، بعد فتح مكة في العام الثامن من الهجرة، عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام إلى المدينة المنورة للبقاء هناك حتى نهاية حياتهم، كان يعتقد بعض الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيعود إلى مكة بعد انتصار المسلمين.

ومع ذلك، أكد أنه صلى الله عليه وسلم سيعود جنبًا إلى جنب مع الصحابة الكرام إلى المدينة المنورة، وسيستمرون في خدمتها والعمل على تحسينها، ينبغي إذًا على الجاليات المسلمة في أوروبا والأمريكتين وأماكن أخرى في جميع أنحاء العالم، أن يكونوا مواطنين مؤمنين موالين لبلدانهم التي يعيشون فيها حيث لا يوجد تناقض بين المواطنة الخالصة والحفاظ على الإيمان في آن واحد، ثم على المسلمين أن يسبقوا الآخرين في خدمة مجتمعاتهم والعمل من اجل مصلحتهم ورفاهيتهم.

- التعايش السلمي:

أسس رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه علاقات جيدة مع المجتمعات الأخرى التي تعيش في المدينة المنورة، كانت هناك جالية يهودية كبيرة، وكذلك بعض القبائل العربية الأخرى التي لم تقبل الإسلام، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعداد ميثاق، يشبه عهدًا أو دستورًا، لتنظيم العلاقات بين هذه المجتمعات التي تعيش في المدينة المنورة، بنصوص تنظم المبادئ العامة التي ستنشأ العلاقات الودية بين المسلمين وغير المسلمين وستضمن حماية الأرواح والممتلكات وحرية الفكر والعبادة.

بالتالي لا ينبغي للجاليات المسلمة أن تتعايش فقط سلميًا مع المجتمعات الأخرى من بلادهم، ولكن ينبغي أيضًا دعمهم ومساعدتهم في الخير بقدر ما يمكن، الميثاق الذي أعد رسول الله صلى الله عليه وسلم نص مثلًا على وجوب الدعم المتبادل بين المسلمين واليهود ضد كل من يحاربهم، انطلاقًا من هذه الوثيقة التي أعدت لحماية المدينة المنورة وحرصت على أن تكون العلاقة بين المسلمين واليهود موحدة، تسودها المشورة والمساعدة المتبادلة والكف عن الأذى والعدوان.

نستفيد من هذا أن على الجاليات المسلمة اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين، الذين كانوا يعملون لمصلحة ورفاهية جميع المجتمعات التي تعيش معهم في المدينة المنورة.

(يتبع).

 

بقلم/ معاد كوزرو.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام